السبت 24 تموز , 2021 02:54

البخاري... عصا الهيمنة السعودية على لبنان

وليد البخاري

يمكن اعتبار أن أسوأ ما خلفته الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان منذ العام 1975 حتى العام 1989 بالإضافة إلى الضحايا والدمار، هو النفوذ السياسي السعودي في لبنان والذي برز بقوة بعد اتفاق الطائف الذي رعته السعودية آنذاك.

ولعل أكبر الأبواب التي استطاعت السعودية من خلالها التوغل الى الداخل اللبناني كان ذريعة إعادة اعمار لبنان وبناء ما تهدم، وجرى ذلك في عهد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. ولا يمكن لأحد أن يغفل عن دور السعودية البارز الذي أنجب ما عُرف لاحقًا بـ "الحريرية السياسية" والتي بدأت مع الحريري الأب، واستمرت بعد اغتياله من خلال الحريري الابن سعد.

لكن وبعد انتصار تموز 2006 والفوز الكاسح لحزب الله وحلفاءه في الانتخابات النيابية السابقة، ضعف النفوذ السعودي في لبنان وتراجع نسبيًا، وذلك بعد عجز أدوات الرياض وحلفاءها في تحقيق الأهداف التي كانت تتطلع إليها. وفي هذا الإطار لجأت المملكة إلى أدوات أخرى منها الأموال والإعلام والضغوط السياسية والحصار على اللبنانيين، أحد أدوات تنفيذ هذه السياسات كان سفير المملكة الحالي وليد البخاري الذي يتدخل بشكل سافر بالشؤون اللبنانية، ويزور مناطق نفوذ حلفاءه على الدوام، ويلتقي من يشاء وكيفما يشاء مع اشخاص وقوى وأحزاب لبنانية، ضاربًا عرض الحائط كافة القوانين والأعراف والأصول الدبلوماسية.

وكانت آخر فضائح المملكة في لبنان التجسس على حلفاءها وليس فقط على خصومها وأعداءها، واللافت ان الخارجية اللبنانية لم تستدعي السفير بخاري ولم تعترض على عمليات التجسس التي طالت رئيس الجمهورية ميشال عون. فكيف ولماذا يحظى البخاري بهذه الحصانة عن غيره من السفراء العرب؟!

من هو وليد البخاري؟

هو وليد مقيم البخاري دبلوماسي ووزير وسفير سعودي، عُيّن سفيراً للمملكة العربية السعودية في لبنان منذ آذار من العام 2018، وذلك بعد غياب طويل لمنصب سفير سعودي في لبنان. هذا الأمر شكّل بالنسبة إلى البخاري فرصة استثمرها لتغذية سيرته الدبلوماسية في المملكة وفي لبنان، لا سيما قبل أن يطّل الملحق العسكري السعودي ثامر السبهان، فيخطف منه كل الوهج.

ومع تولي السبهان منصب وزير دولة في الحكومة السعودية وعمله في ملف شمال سوريا (مناطق "قسد" خاصة) عاد البخاري إلى لعب دور أكثر أهمية في السياسة الداخلية اللبنانية، وهو الذي سوّق لنفسه على أنه "من جيل الشباب التابع للأمير محمد بن سلمان، وخادماً لسياساته وتوجّهاته"، مروّجاً أنه "من الحلقة الضيقة له".

وبين عامي 2016 و2017 كان البخاري قائمًا بأعمال السفارة السعودية في لبنان قبل ان يصبح سفيرًا لها في العام 2018، حيث شغل بين عامي 2017 و2018 منصب نائب لوكيل وزارة الخارجية السعودية لشؤون المراسم، كما عُيّن في ىب 2017 مفوضًا في وزارة الخارجية السعودية.

عُرِف البخاري بانتمائه إلى فئة المثقفين الشعراء أمثال السفير عبد العزيز خوجة.

البخاري ناطق إعلامي لوزارة الداخلية السعودية في لبنان

لعب السفراء السعوديون أدواراً محورية في الحياة العامة داخل لبنان، بل استطاع البعض منهم أن يغير الهوية السياسية والتوجهات الايديولوجية لشريحة واسعة من المسلمين السنة في البلد المحكوم بالتعددية الطائفية، وبعد أن كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بوصلة قومية تقدمية استطاع السفير (القادم من سلك المخابرات) علي الشاعر أن ينقل أغلبية هذه الشريحة إلى خيارات المنظومة الخليجية.

وعلى العكس من ذلك يبدو السفير الحالي وليد البخاري أقرب إلى سفير عادي لا يرتقي إلى الدور المطلوب منه، ربما للمركزية الحادة في اتخاذ القرارات داخل المملكة، وهو الأمر الذي عكسه لقاء السفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو مع ممثلين عن الخارجية السعودية في الرياض بدلاً من إجراء مباحثات مع نظيرهما في بيروت.

وترتقي المواقف التي يطلقها البخاري إلى صفة الناطق الإعلامي أكثر منها إلى صاحب الدور الدبلوماسي، وإن كان المستوى الثقافي ملازماً له، إلا أن ذلك لم يكن حائلاً لدى سلفه عبد العزيز خوجة الذي بقي على تواصل دائم مع كبار الزعماء في لبنان، بل استطاع "نسج علاقة خاصة" مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

ولعل إطلالة أرشيفية على مواقف السفير السعودي وليد البخاري تظهر ما يقوله كترداد لوكالة الأنباء السعودية أو مواقف وزارة الداخلية في بلاده حتى أن بعض المواقف الخاصة بلبنان تصدر من المملكة قبل أن تشهد أي تمهيد ممكن من السفارة السعودية على النقيض من العرف الذي تمارسه دول عدة، من بينها من تصنف أنها عظمى (السفارتان الأميركية والروسية على سبيل المثال).

بعض من مواقف البخاري في القضايا اللبنانية

- تشرين الثاني 2017 "نفي القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت وليد البخاري صحة الأنباء التي تحدثت عن مغادرة دبلوماسيي السفارة لبنان".

- تشرين الثاني 2017 "قال القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري إنه حمل طلبا من الرئيس اللبناني ميشال عون إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتدخل لعودة الحريري إلى لبنان"، ولفت البخاري إلى "أنه أبلغ الرئيس اللبناني بترحيب السعودية بإيفاد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى الرياض للاطمئنان على الحريري والوقوف على معطيات الاستقالة التي أعلنها في الرابع من الشهر الجاري من الرياض".

- شباط 2018 أعلن البخاري انه "سيتم رفع التحذير عن سفر السعوديين إلى لبنان"، وقال "نظراً لإنتفاء الأسباب الأمنية التي دفعتنا لتحذير رعايانا من السفر ونتيجة التطمينات التي سمعناها نرفع تحذيرنا للمواطنين المسافرين الى لبنان"، وأضاف "قدمنا التهاني الى دولة الرئيس سعد الحريري وناقشنا جملة قرارات أهمها اللجنة المشتركة بين البلدين وإرسال لجنة من الخبراء للقاء نظرائها في السعودية".

- آب 2018 "أكد القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري الأنباء التي انتشرت حول منح المملكة 25 تأشيرة حج لحزب القوات اللبنانية، بينما انتشرت أنباء تفيد بأنها أكثر من 300 تأشيرة".

- تموز 2018 "أكد القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري أن الخارجية السعودية تدرك أهمية الدبلوماسية الرقمية، والوجود في كل وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفعها لتدشين الملتقى لنشر وتعزيز ثقافة التعايش السلمي، وتنمية الإنسان"، مضيفاً أن الملتقى "يستعرض دور الشبان والفتيات ممن يتصدرون مشهد منصات التواصل، بهدف دعم الفكر العربي، أينما كان وتحصينه ضد الأفكار الضالة، باعتباره أحد أهداف رؤية 2030"، وتابع أن "اللقاء يتعرض من خلال النقاشات المفتوحة لمجالات عدة منها السياسية والاقتصادية والأمنية، عبر متابعة الحسابات التي اطلع عليها فريق العمل، فيما يتبع اللقاء بحلقات نقاش متخصصة في كل مجال، خلال الأشهر القادمة".

- كانون الثاني 2019 السفير السعودي في لبنان وليد البخاري "طالب من عدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية تكثيف إطلاق المواقف ضد التعرض لليبيا وإثارة ملف قضية الإمام موسى الصدر، مع التركيز على أن هذا الأمر كان سبباً رئيسياً في مقاطعة الرؤساء والملوك العرب للقمة الاقتصادية التي انعقدت في بيروت، ما أدى الى فشلها".

- آب 2020 "خادم الحرمين الشريفين حريص على الوقوف إلى جانب الأشقاء في لبنان وتقديم العون والمساعدة للشعب اللبناني الشقيق لمواجهة هذه الكارثة الأليمة".

- آب 2020 "جميعنا نرتقب ساعة النطق بالحق والحقيقة من محكمة دولية بحجم الشهيد رفيق الحريري والعدالة الإلهية ستنتصر لدم الشهيد".

- آذار 2021 "الإسراع بتأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني من أمن واستقرار ورخاء. كما ندعو جميع الأفرقاء السياسيين في لبنان إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا من منطلق الحاجة المُلحّة للشروع الفوري بتنفيذ إصلاحات جذرية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان".

- أيار 2021 البخاري يستقبل "وفداً مشترك من كتلة وتيار المستقبل تقدمته رئيسة الكتلة النائب بهية الحريري متضامنين مع المملكة ومستنكرين الإساءة لها ولدول الخليج".

- أيار 2021 "يطمئن الجميع، لأن كل ما يُحكى عن سعي السعودية لترحيل اللبنانيين عن أراضيها لا أساس له من الصحة".

- أيار 2021 "ما أكسب المملكة احترام المجتمع الدولي، أنّ لديها لغة واحدة وخطاباً سياسياً واحداً في العلن وفي السر"، مشيراً إلى أنّ "ما يحكى عن سعي المملكة لترحيل اللبنانيين لا أساس له من الصحة".

- أيار 2021 "العمل جارٍ على تذليل الأسباب التي أدّت إلى اتخاذ المملكة قرار منع دخول المنتوجات الزراعية إلى أراضيها"، آملاً أن "يحصل ذلك سريعاً" وتمنّى البخاري "تغليب المصلحة الوطنية العليا في لبنان على أية مصلحة فردية، تحول دون إيجاد الحلول الناجعة التي تعيد إلى لبنان الاستقرار والأمن والازدهار"، مشدداً على "دور الراعي الضامن في الحياة اللبنانية الوطنية، المنعكس في جهوده الحثيثة لمصلحة لبنان في هذه الأوقات".

- أيار 2021 "جرت محاولات تهريب 600 مليون حبة مخدر من لبنان خلال آخر ستة أعوام، وإن هذه الكمية كافية لإغراق العالم العربي بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وإن هذه المخدرات لا تستهدف المملكة العربية السعودية إنما كل أرجاء العالم العربي؛ ولهذا فإن بيان اجتماع بعبدا، ليس أكثر من إنشاء عابر، عندما يؤكد الحرص على متانة العلاقات الأخوية مع المملكة العربية السعودية".

- تموز 2021 وضع البخاري خلال احتفال بمئوية العلاقة مع البطريركية المارونية عناوين العلاقة مع الاطياف اللبنانية بقوله إن "البعض يحاول العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان ومحيطه العربي وإدخاله في محاور تتنافى مع الدستور اللبناني"، داعياً "الأفرقاء السياسيين في لبنان إلى أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية العليا" وأضاف أن "السعودية تجدد اليوم الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة ركائزها الاعتدال والحوار والمحبة والسلام كما تؤكّد بأنها لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت".

- تموز 2021 حدد البخاري في مؤتمر مشترك مع رئيس حزب القوات سمير جعجع شروط عودة التصدير من لبنان بـ"ثلاثة محاور أساسية، تتمثل بتوفر الإجراءات الأمنية المناسبة، والإرادة السياسية الجادة لإيجاد الحل، والقضاء النزيه الذي يقوم على استكمال الإجراءات الأمنية".

تعبّر تصريحات البخاري الرسمية عن الهواجس تجاه لبنان، ليس بصفته ممثلاً دبلوماسياً للمملكة (ممثلاً للعاهل أو وزارة الخارجية السعودية)، بل كناطق باسم ديوان ولي العهد أو وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في السعودية.

أولاً: لم تعد مواقف السفير السعودي مجرد مواقف رسمية أو دبلوماسية شكلية، بل إنها تضع الكثير من المحددات على اللبنانيين أن يتبعوها، وإلا غضبت عليهم أو قاطعتهم المملكة.

ثانياً: يرسم البخاري في مواقفه، كتعبير عما تريده الرياض، خارطة طريق منسجمة تماماً مع الإرادة الغربية (الأميركية والفرنسية تحديداً).

ثالثاً: تأسيساً على الخيارات الأميركية والأوروبية، لا تذهب المواقف الشكلية السعودية الخاصة بلبنان إلى حد القطع الكامل أو السماح بالانهيار الكامل أو المطلق كما ينطق بذلك البخاري. 

رابعاً: غالباً ما تستبطن مواقف السفير السعودي لغة التهديد المباشر وربطها بالعلاقات المشتركة.

خامساً: الوضوح في كلام السفير وتدخلاته في الشؤون والتفاصيل المحلية تعني أن القدرة على التأثير عبر الوسائط المختلفة (نفوذ سياسي أو مالي أو إعلامي) تنحسر وتفضح عجز وكلاء المملكة على تأمين ما تريد بشكل كامل أو ناجز في لبنان.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور