الأربعاء 18 آب , 2021 05:35

هل تستطيع واشنطن التخلي عن نفط الشرق الأوسط؟

الجيش الامريكي

في أعقاب أزمتي النفط عامي 1973 و1979، وصف الرئيس الأميركي جيمي كارتر بعبارات خطيرة مخاطر فقدان الوصول إلى نفط الشرق الأوسط. وقال إن "أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج، ستعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة.. وسيتم صد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية بما في ذلك القوة العسكرية". أصبح هذا التعهد معروفًا باسم "مبدأ كارتر" وظل سمة مميزة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين.

حين أدلى كارتر بهذا التصريح كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على واردات النفط لتزويد اقتصادها بالطاقة وكان 29% من هذا النفط يأتي من الخليج. حتى بعد عقدين من الزمن لم يتغير شيء يذكر: في عام 2001 كانت الولايات في الشرق الأوسط لا تزال 29% من نفطها من الخليج.

ولكن بعد هذه المرحلة بدأت الولايات المتحدة الأميركية بتقليل نسبة استيرادها من منطقة الخليج حتى وصلت إلى 13%، فأصبحت تستورد من المكسيك أكثر مما تستورده من السعودية، وأصبحت تعتمد على استخراج النفط الصخري بشكل أساسي كحل جذري بريل عن نفط الشرق الأوسط، لهذا السبب صرح الرئيس الأميركي السابق  دونالد ترامب أوائل العام الماضي عن عدم حاجة بلاده إلى نفط الشرق الأوسط في خطاب ألقاه بالبيت الأبيض عقب الهجمات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قاعدتين جويتين في العراق، يستخدمهما الجيش الأميركي، وسط مخاوف من تصاعد الهجمات على البنية التحتية الرئيسية للنفط في المنطقة، والتي تشمل تدفق النفط عبر مضيق هرمز.

ولكن هل فعلًا تستطيع الولايات الأميركية أن تتخلى عن نفط الشرق الأوسط؟

الإجابة، بالطبع لا فالتخلي عن نفط الشرق الأوسط أمر مستبعد جدًا، وذلك لعدة أسباب أساسية وجوهرية نشرحها في هذه الورقة.

طفرة النفط الصخري الأميركي، التي بدأت أوائل العقد الماضي، قلّلت بوضوح من اعتمادها على النفط الخليجي، خاصة عند التفكير في حظر النفط العربي في سبعينيات القرن الماضي، الذي أدى على شلل الاقتصاد الأميركي، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم حدوث أي اضطرابات مؤخرًا في الامداد أو أي تأثير كبير أو هائل على أسعار النفط. لكن مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على الشرق الأوسط، والسعودية بشكل خاص.

1-النفط الصخري ليس البطل الخارق

حليمة كروفت الرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع في شركة RBC Capital Markets   صرحت بشكل واصح عن عدم فعالية الاعتماد بشكل كلي على النفط الصخري:" لسنا بمعزل عن الأحداث، والنفط الصخري ليس البطل الخارق الذي يمكننا الاعتماد عليه للأبد".

بالرغم من أن النفط الصخري ساهم في تقليل اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط الا أنها فترة مرحلية، ففي المستقبل القريب أميركا ستحتاج إلى نفط الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى.

بعد عدة دراسات أجريت لتقييم عملية استخراج النفط الصخري تبيّن أن أضراره كبيرة ومأساوية في المستقبل وخصوصًا على الولايات المتحدة لأنها المستخرج الأكبر لهذا النوع من النفط، حيث أن استخراجه يؤدي على زيادة الانبعاثات الكربونية والتي تؤثر وتغير في المناخ وذلك بسبب كميات غاز الميثان التي تهرب إلى الهواء أثناء الحفر، بالإضافة إلى تلوث المياه بسبب تسرب المياه المعالجة بالكيماويات التي تستخدم في الحفر، والتي تحتاج إلى تكلفة عالية لمعالجتها، وفقًا لموقع اويل أند جاز المهتم بأخبار النفط.

لذلك سارع الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إلى معالجة هذا الأمر حيث قام بعدة إجراءات أبرزها: إيقاف بيع وتأجير الأراضي الفيدرالية لشركات انتاج النفط التي تستخدمها في عمليات الاستخراج، وتبعها بإلغاء رخصة "كيستون إكس إل" keystone XL وزيادة الأسطول الحكومي من مركبات الطاقة النظيفة. ومنذ تولي بايدن الرئاسة تعيش صناعة النفط الأميركية في قلق من تقييد الإنتاج إلى جانب تعرضها لضغوط بسبب انخفاض الأسعار وتشاؤم المستثمرين، ويزداد القلق تحديدًا من تقييد وصولها على الموارد على الأراضي الفيدرالية في نيو مكسيكو، ووايومنغ، وألاسكا، وخليج المكسيك.

وكما نعلم أن أميركا تعد أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم، واية قيود على الإنتاج المحلي، وفقًا لحجة الصناعة الأميركية، تعني الاضطرار إلى شحن المزيد من البلدان الأخرى، أي اللجوء إلى نفط الشرق الأوسط.

وأوضحت "سي ان ان" إن النفط الصخري الأميركي خفيف للغاية وهذا يعني أن براميل النفط الصخري من مدينة ويست في تكساس لا يمكنها تعويض براميل النفط الخام من العراق أو فنزويلا.

ومن الناحية النظرية في حالة الطوارئ يمكن لمنشآت التكرير الأميركية أن تستخدم المزيد من النفط الصخري الخفيف، لكن سوف يتسبب ذلك في انهيار أسعار النفط الأميركي مقارنة بأسعار النفط العالمية، والدليل على ذلك تصريح ماكنالي مستشار الطاقة الأسبق للرئيس السابق جورج بوش الابن: "الاعتماد على النفط الصخري سوف يؤدي إلى انحدار سعر النفط الأميركي، وقد يؤدي ذلك إلى خروج بعض منتجي النفط من السوق. ولهذا السبب تستورد الولايات المتحدة النفط الثقيل من الخارج".

بالرغم من أن معظم النفط الأجنبي للولايات المتحدة تأتي من كندا والمكسيك، إلا أن السعودية والعراق هما المصدران الثالث والرابع في ترتيب مصادر النفط الأجنبي للولايات المتحدة.

2- النقص في الامدادات النفطية لن تستطيع أي دولة تعويضه غير دول الشرق الأوسط

نتذكر جميعًا سعر النفط الخام بـ 15% في شهر أيلول 2019 وهو الارتفاع الأكبر، بعد الهجوم اليمني المدمر الذي أعاق انتاج النفط السعودي. رد ترامب ذلك بوعود استخدام النفط من احتياطي النفط الاستراتيجي، وهو مخزون الطوارئ الأميركي من النفط الخام، من أجل "الحفاظ على استقرار الأسوق".

فإذا لم يكن الأميركي بحاجة على نفط الشرق الأوسط، لماذا شعر ترامب إذًا بضرورة طمأنة العالم، قبل فتح الأسواق مباشرة للتداول، قائلًا إننا مستعدون لاستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي؟

قالت كروفر، المحللة السابقة لدى وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت:" إذا ظلت الأسواق حينها خالية من النفط السعودي، لكان اختلف تقديرنا لاعتمادنا المشترك على الشرق الأوسط". وقالت أيضًا أن الإنتاج الأميركي للنفط إذا حدث انقطاع كبير ولفترة طويلة في امدادات النفط من الشرق الأوسط غير دقيقة أبدًا.

فلا يمكن للولايات المتحدة زيادة انتاجها من النفط فورًا على نقص الامدادات، فسيستغرق الأمر شهورًا ليتمكن منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من تسريع عملياتهم، خاصة مع ضغط ارتفاع الأسعار.

في عام 2018 ناشد ترامب السعودية أن تضخ المزيد من النفط لتعويض البراميل المستبعدة بسبب العقوبات المفروضة على إيران. فإذا كانت أميركا فعًلا منعزلة ومستقلة عن نفط الشرق الأوسط فلماذا تحتاج أميركا بطلب براميل النفط من السعودية؟

3-تكاليف الاستخراج والتكرير عالية

في تحليل لوكالة بلومبرغ بعنوان "ترامب على خطأ. أميركا تتاج إلى نفط الشرق الأوسط" كتب محلل شؤون النفط في الوكالة جوليان لي أن كثيرا من المصافي الأميركية جرى الاستثمار فيها بكثافة في الماضي لتقوم بتكرير نفط ثقيل، كالذي ينتج في الشرق الأوسط.

ومع أن واردات النفط الأميركية من المنطقة لم تعد كما كانت في السابق، فإن الأسعار وتكلفة التكرير تجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط لسنوات مقبلة، وحسب بلومبرغ، فإن ما أظهرته الأرقام في نهاية عام 2019 من تحوّل أميركا إلى مصدرة للمرة الأولى يعود أساسًا إلى "تصدير المشتقات وليس الخام".

4- تراجع حاد في محزونات النفط الأميركية

صرّحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في 16 حزيران 2021 إن مخزونات الولايات المتحدة من النفط الخام ونواتج التقطير تراجعت. وهبطت مخزونات العام 7.4 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 11 حزيران إلى 466.7 مليون برميل، مقارنة مع توقعات محللين استطلعت رويترز آراءهم لانخفاض 3.3 مليون برميل. وارتفع استهلاك الخام بمصافي التكرير 412 ألف برميل يوميًا الأسبوع الماضي. وزادت معدلات تشغيل المصافي 1.3 نقطة مئوية على مدار الأسبوع. كما أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة انخفاض مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، مليون برميل إلى 136.29 مليون برميل، في مقابل توقعات لارتفاع 186 ألف برميل. وقالت الإدارة إن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام هبط بمقدار 845 ألف برميل يومي. فكيف يمكن تعويض هذا التراجع الحاد دون اللجوء إلى نفط الشرق الأوسط؟

5- أميركا مدركة للخسارة الجيوسياسية في التخلي عن نفط الشرق الأوسط

الولايات المتحدة الأميركية على دراية بأن تخليها عن نفط الرشق الأوسط "إذا استطاعت التخلي" سيضعها في مأزق كبير بالنسبة لمكانتها في الشرق الأوسط. فهي ستواجه خسارة جيوسياسية كبيرة لأنه سيقلل من اهتمام "القوة الأعظم" في العالم بالشرق الأوسط ويمكن في هذه الحالة أن يدخل منافس ضدها.

لذلك ستحاول الولايات المتحدة الأميركية التشبث بالشرق الأوسط من خلال النفط والأمن وإذا خسرت واحدة منهما فستخسر قوتها وسيطرتها على الشرق الأوسط.

6- الأميركيون يحتاجون إلى نفط الشرق الأوسط وإلا ستواجهون ارتفاع أسعار النفط المحلي

أن سائقي السيارات والشاحنات في الولايات المتحدة، يحتاجون النفط القادم من الشرق الأوسط لتسيير مركباتهم، وإلا واجهوا ارتفاع أسعار الوقود المحلي، وفقًا لما خلص إليه تحليل نشرته وكالة "بلومبرغ" للأنباء.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور