الإثنين 06 أيلول , 2021 06:09

هآرتس: الجيش الإسرائيلي مشلول كلياً خوفاً من ارتكاب خطأ

تحولت حادثة مقتل الجندي الإسرائيلي برئيل شموئيلي إلى قضية بازار سياسي، وأحدثت انقساماً واضحاً بين قيادة جيش الاحتلال ومن خلفها الحكومة برئاسة نفتالي بينت الذي فشل في أولى اختباراته، والمستوطنين الذين باتوا يشعرون أنهم في آخر سلّم أولويات الحكومة.

صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى انه قد تم "وصف رئيس الحكومة كمن أنزل كارثة أمنية على إسرائيل"، معتبرة أنه عما قريب ستكون "القيادة السياسية والعسكرية مشلولة كلياً خوفاً من ارتكاب خطأ والتسبب بإصابة، إلى درجة عدم استخدام الجيش البري، حتى في ظروف تكون فيها حاجة ملحة إلى ذلك".

النص المترجم:

كان هناك أمر صادم عند مشاهدة مقابلات مع أبناء عائلة قناص حرس الحدود، برئيل حداريا شموئيلي، في قنوات التلفاز ليلة السبت. ولم يكن ذلك بسبب توجيه الميكروفون للوالدين الثاكلين أثناء الحداد (هذا طابو تم تحطيمه في إسرائيل قبل ثلاثين سنة)، وليس بسبب أن تم استغلال موت الابن لصالح موقف سياسي (هذا ما حدث في حرب يوم الغفران وفي حرب لبنان الأولى والثانية وعملية الجرف الصامد)، إنما نبعت الصعوبة من اللهجة التي استخدمها والدا شموئيلي، كانت لهجة فظة تقترب من حدود العنف، مشابهة لنغمة تحريضية يتبعها الآن عدد من مؤيدي رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، عبر الشبكات الاجتماعية وفي مجموعات الواتساب لليكود. قالت والدة برئيل، نيتسا شموئيلي، إن رئيس الحكومة نفتالي بينيت "يشعر بالخيانة"، وقد اتهمته بـ "قتل دولة إسرائيل"، ليس أقل من ذلك.

حسب قواعد اللعب السائدة في إسرائيل، فمن المسموح للآباء الثكالى قول أي شيء وبأي صياغة تخطر ببالهم. ولكن الأقوال لا تقال في فضاء فارغ. فالغضب من الخطأ التكتيكي الذي مكن ناشط حماس من الاقتراب من الجندي وإطلاق النار على رأسه من مسافة صفر، انضم إلى الإذلال الذي شعر به عدد كبير من الأشخاص إزاء صور الحادثة. هنا ولدت أسطورة حول تقييد أيدي الجنود أمام حماس، رغم أن الجيش الإسرائيلي يستخدم نار القناصة في كل مظاهرة عنيفة على طول الحدود مع غزة. ولا نريد التحدث عن وسائل تفريق المظاهرات. تم استغلال غضب الشبكات الاجتماعية من أجل حملة سياسية تستهدف رأس بينيت.  

لقد تم وصف رئيس الحكومة كمن أنزل كارثة أمنية على دولة إسرائيل، رغم أن سلفه في هذا المنصب لم يطرح خلال 12 سنة أي حل، سياسي أو عسكري، للمواجهة في غزة، بل سمح بإدخال إرساليات نقدية شهرية من قطر للقطاع خلال ثلاث سنوات تقريباً. في المظاهرة التي تم تنظيمها هذا الأسبوع في تل أبيب رداً على قتل شموئيلي، سمعت أيضاً دعوات لقتل بينيت. كان يبدو أن الأجواء قد هدأت قليلاً بعد نزول نتنياهو عن سدة الحكم. ولكن يتبين أننا لا نحتاج الكثير لإعادة استدعاء الوحي البغيض من الماضي.

مقارنة مع بينيت، يعدّ الجيش الإسرائيلي هدفاً ثانوياً، ولكن وباعتباره الطريق الموصل إلى الهدف الأساسي، فقد تعرض الجيش أيضاً لنار ثقيلة. قائد منطقة الجنوب، اليعيزر طوليدانو، جاء الجمعة إلى بيت العائلة ليعرض عليها نتائج التحقيق العسكري في الحادثة، مع قائد الفرقة وقائد اللواء. هذه هي المرة الثالثة التي يلتقي فيها طوليدانو مع أبناء عائلة شموئيلي وأصدقائهم، وكان قد تعرض لهجوم شخصي شديد في جميع هذه اللقاءات، كما اعتبر قائد اللواء هدفاً أيضاً.

أحجم بينيت حتى المساء عن أي تصريح علني باستثناء جملة ضعيفة في اللقاء مع هيئة الأركان الخميس الماضي. وتحدث، السبت، مع رئيس الأركان أفيف كوخافي، وقال إن دعمه لقادة الجيش كامل ومطلق"، حتى عندما تكون هناك "أخطاء مأساوية". وكتب كوخافي نفسه في رسالة للقادة، بأن "المجتمع الذي لا يدعم جنوده وقادته حتى عندما يخطئون، سيكتشف أنه لن يجد من يحارب من أجله".

وقال رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، في "أخبار 12" بأنه يثق بالجيش الإسرائيلي، ودعا إلى عدم نسب دوافع غريبة للجيش. صمت معظم الوزراء. وكان وزير الدفاع أول من قال أموراً واضحة، وهو بني غانتس، الوحيد الذي فعل ذلك حتى نهاية الأسبوع. والانطباع المتولد في نظر جزء كبير من قيادة الدولة، بأن الحادثة هي مشكلة قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة. هل تورط القادة في الميدان؟ عليهم تسوية أمورهم بأنفسهم.

لكن المشكلة أن ما يحدث على حدود القطاع لا يبقى هناك، بل يؤثر بشكل سيئ أيضاً على دوائر أخرى. الأحداث تضعف الهرمية ودافعية الجيش الإسرائيلي وتضر بعلاقته مع الجمهور. لا ينتظر المقاتلون فقط أوامر فتح النار كما سيتم إملاؤها من قيادة هيئة الأركان، فهم يتعرضون لرسائل عبر الشبكات الاجتماعية التي تتهم قادتهم بالتخلي عنهم وتدعوهم إلى رفض الأوامر. وهذه الاضطرابات تؤثر أيضاً على عائلات الضباط التي تمارس عليهم الضغط لترك وظائفهم التي تعد فيها أخطار التورط مرتفعة. لن يوافق الجميع على أن يتعرض ابنهم طوال الوقت لما تعرض له طوليداو وضباطه مؤخراً.

سُمعت في السنوات الأخيرة مشاعر مشابهة من قائد المنطقة، وقائد الفرقة، وقادة المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى: الأخطاء جزء من المهنة العسكرية، مثلما هي الحال في أي مهنة أخرى، ولكن عندما نخطئ في المهنة العسكرية يموت الناس. يدرك الجيش ذلك، ويدرك الثمن الشخصي الذي قد يدفعه الضباط، الذي يتمثل في إنهاء حياتهم المهنية. هذا جزء من قواعد اللعب في المستويات العليا. الأمر الذي لا يجب أن يكون جزءاً منها هو الحملة المتطرفة التي يذكيها السياسيون، والتي تكون على الأغلب مقرونة بتغطية إعلامية صارخة.

منذ اندلاع القضية الأخيرة، عندما أصيب شموئيلي قبل أسبوعين، كثرت المقارنة بينها وبين قضية اليئور ازاريا من العام 2016. الفرق أن قضية ازاريا امتدت لسنتين حول محاكمة الجندي. هنا انتهت التطورات كما يبدو عند انتهاء التحقيق العسكري. تريد عائلة الجندي وبحق خوض صراع لتشكيل لجنة تحقيق خارجية لفحص ظروف الحادثة. ولكن احتمالية نجاح ذلك تبدو متدنية.

سيتلاشى الاهتمام الإعلامي قريباً، وسينتقل إلى أحداث ونقاشات أخرى. ولكن ما زالت هناك إمكانية لحدوث أضرار بعيدة المدى: أولاً، قد يحدث إضرار بالثقة داخل سلسلة القيادة وبين الجمهور والجيش. ثانياً، القضية الأخيرة ترسخ السلم المشوه وتقول إن حياة الجندي أغلى من حياة المدني في إسرائيل. في السابق كان سلم الأولويات مقلوباً: فهم الإسرائيليون أن الجيش كان مستعداً لتكبد الخسائر من أجل الدفاع عن حياة المدنيين. والآن أدى خطأ محلي إلى نتيجة مأساوية، هو ذريعة للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق والإعلان عن رئيس الحكومة كخائن.

يبدو من الجيد أن الجمهور لا يسلم بموت الجندي، الذي ينبع من خطأ أو خلل، ولكن أن تثور عاصفة شديدة ويصل النقاش إلى أماكن لا يجب أن يصل إليها، فهنا سيأتي تقييد الأيدي الحقيقي. في المستقبل، ربما تكون القيادة السياسية والعسكرية مشلولة كلياً خوفاً من ارتكاب خطأ والتسبب بإصابة، إلى درجة عدم استخدام الجيش البري، حتى في ظروف تكون فيها حاجة ملحة إلى ذلك.


المصدر: هآرتس

الكاتب: عاموس هرئيل




روزنامة المحور