السبت 09 تشرين أول , 2021 01:03

كيان الاحتلال: أزمة ثقة في القوات البرية!

بدا واضحاً في المعارك التي يشنها كيان الاحتلال إن كان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو على الحدود الشمالية مع لبنان طيلة السنوات الأخيرة إصراره على تحييد قواته البرية وتقليل الاعتماد عليها بشكل أساسي. ما يدل بشكل قاطع على عدم ثقته بها في مواجهة قوات الرضوان في حزب الله من جهة والقوة البرية للفصائل الفلسطينية التي ضربت بقوة القوات البرية المحتلة خلال حرب الغفران التي تصادف ذكراها هذه الأيام من جهة أخرى.

صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان " هناك خوفًا من كشف القدرة الحقيقية للقوات البرية ومن الخسائر التي سترافق احتكاكاً شديداً مع العدو، في غزة وبالتأكيد في جنوب لبنان. كانت هناك فترة تحدث فيها الجيش عن "حرج الهجوم البري" معتبرة ان "القرار في أيدي القيادة السياسية. من غير الواضح أنهم يثقون بقدرات القوات البرية".

النص المترجم:

في السنوات الأخيرة برز داخل الجيش الاسرائيلي خلاف شديد بخصوص مكانة القوات البرية. منذ عشرين سنة على الأقل وإسرائيل تقلل من استخدام الوحدات البرية في عمليات هجوم واسعة في أراضي العدو. وعندما يندلع توتر ممركز ويصل الى درجة عملية عسكرية، أو حتى حرب، يبدو أن مجموعة من الظروف المتشابكة تمنع اتخاذ قرار إرسال قوات برية إلى عمق أراضي العدو.

المرة الأخيرة التي استخدم فيها الجيش فرق كاملة لاحتلال منطقة كانت أمام عدو ضعيف، لكنه حازم، تسبب لإسرائيل بضرر شديد وخسائر غير بسيطة، بالأساس بواسطة العمليات الانتحارية. هذا حدث في 2002 في عملية "الدرع الواقي" ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد احتاج الجيش الى بضعة أسابيع للسيطرة على مدن الضفة الفلسطينية، وفي جنين واجه مقاومة حقيقية من قبل خلايا مسلحة وغير منظمة. بعد ذلك في حرب لبنان الثانية (2006) وفي سلسلة عمليات في قطاع غزة (2008، 2012، 2014، 2021) تم استخدام القوات البرية بحذر وبصورة محدودة وأحياناً حتى لم يكن موجوداً. في كل مرة طرحت مسألة الهجوم البري، وفي كل مرة تقرر تجنبه أو الاكتفاء بصيغة مقلصة لم تضع محل الاختبار احتمالية هزيمة العدو.

هذا النقاش ذو صلة الآن على خلفية تطور جديد وموعد ذكرى تاريخية. في الصيف الماضي صادق كبار الوزراء على زيادة كبيرة لميزانية الدفاع في إطار ميزانية الدولة المخصصة. وهذا سيمكّن من إطلاق الخطة متعددة السنوات "تنوفاه"، التي بلورها رئيس الأركان أفيف كوخافي. أول أمس صادفت الذكرى السنوية لحرب يوم الغفران، التي نجح فيها القادة والمقاتلون في الميدان في ترجيح صورة الوضع العسكري لصالح إسرائيل، رغم المفاجأة الاستخبارية. مؤرخون عسكريون اعتادوا على القول بأن الحرب في العام 1973 كانت الموعد الأخير الذي اصطدمت فيه فرق مدرعة (إسرائيل مقابل مصر وسوريا).

كوخافي يكثر الحديث عن تحسين القوات البرية واستخدامها في الهجوم عند الحاجة، ولكن في صفوف الجيش تعتمل شكوك. فقد تم إهمال التدريبات البرية طوال سنوات، وبشكل خاص تدريبات جزء كبير من ألوية الاحتياط. ألا يعكس اختيار المستوى السياسي توصية هيئة الأركان بعدم الهجوم العميق مرة تلو مرة ما يسمى بلغة الاقتصاد تفضيلاً واضحاً؟ ألا يظهر هنا خوف من كشف القدرة الحقيقية للقوات البرية ومن الخسائر التي سترافق احتكاكاً شديداً مع العدو، في غزة وبالتأكيد في جنوب لبنان؟ كانت هناك فترة تحدث فيها الجيش عن "حرج الهجوم البري". كيف سنتعامل معه؟

هذا ليس نقاشاً مبدئياً فقط. إذا كانت كل الأحاديث عن قوة القوات البرية فارغة، ومجرد ضريبة كلامية فقط، فلن يكون لإسرائيل قدرة حسم أمام حزب الله وحتى أمام حماس.

مسألة الثمن

الجنرال يوئيل ستريك يشغل منصب قائد سلاح البر في الجيش مدة سنتين ونصف تقريباً. سينهي منصبه في الأسبوع القادم وسيذهب في إجازة دراسية بحثية في الولايات المتحدة. وحتى أن اسم ستريك يذكر كمرشح محتمل لرئاسة الأركان القادم. ومن المرجح أكثر أنه سيترك الخدمة بعد ذلك.

في مقابلة مع "هآرتس" أول أمس، ظهر ستريك حازماً جداً في أقواله. هو غير متأثر من الانتقاد، ولصالحه يقال بأنه أجاب بصراحة على جميع الأسئلة والادعاءات. الرواية التي تقول بأن هيئة الأركان والمستوى السياسي يخافون من استخدام القوات البرية يرفضها كلياً. "لا أتعامل مع المزاج والأجواء"، قال. "أنت لا تقوم بهجوم بري في أراضي العدو لتثبت قدراتك أو من ترفع المعنويات الوطنية. إنما تقوم بهجوم بري عندما تكون حاجة لذلك. في النهاية، يوجد سياق استراتيجي لكل معركة. الأمر الذي يحدد هو الرغبة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية. محظور أن ينشأ وضع فيه نحول التكتيك إلى استراتيجية. سنقوم بالهجوم البري عندما يخدم ذلك أهداف الحرب.

"لنفترض أن الدولة قررت أنه يجب القضاء على حماس في القطاع بواسطة هزيمة قواتها العسكرية. هذا الأمر لن يحدث بدون هجوم بري. ولكن عندما تذهب إلى معركة ردع، فأنت تركز على تحييد قدرات العدو. هذا ما فعلناه في العملية الأخيرة، عملية "حارس الأسوار"، في غزة".

ألم ينبع قرار عدم استخدام القوات البرية داخل غزة في أيار الماضي من عدم الثقة بقدرتها؟

"ما الأمر؟ أعرف غزة جيداً. لا يجب المبالغة. السؤال هو بأي ثمن وما هو الوقت الذي يلزم لذلك؟ كل عقيدتنا تقول: وقت قصير، ثمن منخفض نسبياً، إنجاز كبير بقدر الإمكان. فكرة "تنوفاه" هي بناء آلة حرب تمكننا من ذلك وتحقق إنجازات لا يمكن التشكيك فيها. الهجوم البري يتم إعداده ليكون لاعباً رئيسياً.

"السؤال هو ما الذي تريد تحقيقه، هزيمة الرضوان (قوات الكوماندو التابعة لحزب الله)؟ هزيمة النخبة (قوات مشابهة لحماس)؟ وقف إطلاق النار على الجبهة الداخلية؟ يجب أن يتم هذا بصورة قاتلة تنزع قدرات العدو".

الصوت الأعلى الذي سمع في السنوات الأخيرة ضد التفكير السائد في الجيش هو صوت الجنرال احتياط إسحق بريك. في أواخر فترته كمسؤول عن شكاوى الجنود كتب بريك عدة وثائق، معظمها تم الكشف عنها للمرة الاولى في "هآرتس"، وجه فيها انتقاداً شديداً للثقافة التنظيمية في الجيش الاسرائيلي وإهمال التدريبات وقوات الاحتياط بشكل خاص ووضع الأسلحة البرية.

الرواية التي سمعت في وسائل الإعلام تقول: "لم تقوموا بهجوم بري لأن بريك محق. أنتم غير مستعدين، تخافون من الخسائر"، قال ستريك. "لكن النقاش الذي يجري حول الهجوم البري غير مهني، يتم هنا بناء قصة على أساس نظرة أحادية البعد. عندما توليت منصبي كان معلقاً هنا في قيادة السلاح لافتة كتب عليها "الهجوم البري هو الحاسم". هذا هراء. هذا غير صحيح. أزلت اللافتة. ما سيحسم هو الكل معاً. القضية متعددة الأبعاد وليست شعاراً. للجيش الإسرائيلي صندوق من الأدوات، فمرة مطرقة بوزن 5 كغم، ومرة مفك، ومرة كماشة. هناك هدف استراتيجي للمعركة ويتم اختيار الأدوات بحسبه".

عندما تذهب الى عملية في غزة، عليك أن تفكر بالتداعيات على "يهودا والسامرة" ولبنان وإيران. تعمل أمامنا اليوم جيوش إرهابية، تستطيع أن تسبب إزعاجاً شديداً لأداء دولة اسرائيل بواسطة ضرب كثيف في الجبهة، لكن باستثناء النووي الإيراني لا يوجد تهديد وجودي محتمل على الدولة. في حرب يوم الغفران، في مثل هذا اليوم قبل 48 سنة، كان السيف موضوعاً على العنق. مشكلاتنا الآن هي من حجم آخر. عندما نشن حرباً ردعية يكون التركيز على نزع القدرات. والكثير من ذلك يتعلق بالاستخبارات، والقدرة على العثور على مكان العدو، فوق الأرض وتحتها، وقتله بوتيرة عالية. ولكن لا نذهب لإحصاء عدد جثث العدو مثلما فعل الأمريكيون في حرب فيتنام".

ليس كم، بل ماذا

في خطابه في احتفال تسلمه لمنصبه قبل ثلاثة أشهر، عبّر نائب رئيس الأركان التارك، الجنرال ايال زمير، عن قلقه من تقليص عدد الدبابات التي بحوزة الجيش الإسرائيلي. يحظر نشر الأرقام الدقيقة، لكنها تثير القشعريرة لدى من خدموا في سلاح المدرعات، بالأساس من شاركوا في حرب يوم الغفران مثل بريك. ستريك حتى في حالتنا هذه يحافظ على تفاؤل ساحر. "سمعت ايال، لكني لا أتفق معه في هذه الحالة. القوة لا تقاس بعدد الدبابات. السؤال هو: ماذا تستطيع هذه الدبابات أن تعمل؟ في السنة القادمة سيتم استيعاب، للمرة الأولى، دبابات من نوع براك، مركباه 4 محسنة. ما الذي يمكن لهذه الدبابة أن تفعله؟ بربطها بحساسات أخرى وقدرات تكنولوجية والمعلومات التي تحولها الاستخبارات العسكرية في الوقت الحقيقي، هو ما فعلته حظيرة دبابات كاملة في السابق. هذه آلة لكشف وتدمير أهداف العدو. هذا ليس خيالاً علمياً، بل موضوع حقيقي.

ولكن التكنولوجيا تميل إلى أن تخيب الآمال في الوقت الحقيقي، في ظروف المعركة. "هذا صحيح. في التكنولوجيا عليك أن تأخذ من العسل وتتجنب اللسعة. نقطة أرخميدس تتعلق بالربط بين القوات والأدوات. نحتاج إلى قناة اتصال قوية ومتشعبة لعمل الجميع معاً. يجب التذكر بأن العدو يضع يده على تكنولوجيا في السوق المدنية. هم يعرفوننا ويدرسوننا ولا يتطوعون ليكونوا مكشوفين. نجري تغييرات بحذر، حتى بصورة محافظة. ولكن إذا لم نعرف كيف نكشف العدو فسنحتاج إلى عدد أكبر من الأرجل على الأرض".

في الشهر الماضي، ثار الرأي العام حول الحادثة التي قتل فيها قناص من حرس الحدود وهو بريئيل حداريا شموئيلي، بنار أحد أعضاء حماس أثناء مظاهرة على حدود القطاع. والده ووالدته وأصدقاؤه وجهوا انتقاداً للأخطاء التي مكنت فلسطينياً من الاقتراب من الجدار وإطلاق النار. ولكن في الخلفية كان موضوع آخر: تعود الجمهور على إدارة المواجهة مع الفلسطينيين من خلال عدم وجود خسائر في الطرف الإسرائيلي. هذا الأمر يثير أفكار محزنة على درجة الاحتمال لدى المواطنين للخسائر العسكرية في حالة تطور أزمة أمنية حقيقية.

أعاد ستريك ذكرياته في الانتفاضة الثانية: "في الأعوام 2002 – 2004 كنت قائد اللواء القطري الموجود في شمال القطاع. في حفل وداعي قرأت أسماء 42 جندياً، الجنود والمواطنون الذين سقطوا في فترتي كقائد للواء. كانت في حينه اقتحامات لـ"نتساريم"، كانت هناك دبابات تم تفجيرها. حدث جزء من هذه الأمور بسبب أخطائي العملياتية. بالمقارنة، اليوم عدد المصابين قليل. نضع منسوباً عالياً جداً من الأمن. ولدينا أحياناً إهمال وأخطاء وأحداث مغلوطة. يحاول العدو ضربك. وينجح أحياناً. من هو غير قادر على استيعاب ذلك… لا أريد قول رأيي. ولكن هذا ليس المكان المناسب لهذه المقاربة. هذا حي صعب".

لا يمكنك استبدال الشعب.

"لا. ولكن علينا تنسيق التوقعات معه. يجب العمل على ذلك أكثر. ماذا تعتقد أنه سيحدث عندما يتقرر القيام بهجوم بري داخل غزة؟ هزيمة حماس لن تتحقق بصفر مصابين. إذا لم نكن على استعداد لدفع الثمن فلن تكون هناك إنجازات. مطالبة الجمهور منا لا تغضبني، لكن ذلك يقتضي الشحذ. هذا الأمر أشغلني كقائد للجبهة الداخلية. هناك صعوبة في إعداد الرأي العام لمقابلة الواقع، بما في ذلك إمكانية إطلاق آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية".

في النهاية، القرار في أيدي القيادة السياسية. من غير الواضح أنهم يثقون بقدرات القوات البرية.

"سنحتاج الى وضع كل الخيارات على الطاولة، على فرض أن الوزراء يعرفون السياق الاستراتيجي. بعد الانفصال عن غزة كنت قائد لواء جفعاتي. كان لنا عملية مخططة في شمال القطاع ووزير الدفاع عمير بيرتس في حينه قاس لي على الخارطة 500 متر بمسطرة حتى الدخول إلى المنطقة الصناعية في بيت حانون. في المرة الثانية أعطونا كيلومتراً، وفي المرة الثالثة لم يسألوا عن المسافة.

"لم نوص بعملية برية في عملية "حارس الأسوار" لأنه من الغباء. ما هو المنطق في الدخول إلى القطاع في معركة مخططة لتكون بضعة أيام. هذه كانت معركة في ظروف فاخرة. هم لم يضرونا. للأسف، قتل جندي بصاروخ كورنيت. كان هناك مدنيون قتلى بالصواريخ، لكن كانت هناك نسبة اعتراض تبلغ 92 في المئة للقبة الحديدية. من الحماقة في هذه الحالة إرسال قوة الى الداخل، التي قد تلغي الإنجاز؛ لأنه يمكن أن تتورط أثناء احتكاك قريب مع العدو على الأرض.

احتاج الجيش الاسرائيلي الى قوات الاحتياط بدرجة أقل مما استخدمه من القوات البرية النظامية في المعارك الأخيرة. الشكوك في أوساط رجال الاحتياط أعلى، بالأساس بالألوية والفرق التي في درجة تفضيل أقل، لذلك هي تحصل على موارد قومية أقل. وقال ستريك: "في هذه السنة استثمرنا 200 مليون شيكل لإنشاء وتشغيل منشآت تدريب جديدة لوحدات الاحتياط. الهدف هو أن يأتي الجندي إليها أربع مرات في السنة وفيها وقت اقل في أعمال تنفيذية. لو لم نكن نؤمن بذلك لما أنفقنا هذه الأموال الطائلة. في العام 2022 ستصل ميزانية التدريبات البرية الى 1.2 مليار شيكل. ولكني أعتقد أننا سنحتاج الى نموذج آخر: تدريبات أكثر لجنود الاحتياط كل سنة. وبعد ذلك إعفاء مبكر من الخدمة. هذا نموذج يذكر بالحرس الوطني الأمريكي، ويمكن من الوصول إلى أهلية أعلى".

في محادثة مع ستريك، مثلما في خطابات كوخافي، يتكرر التطرق للوحدة متعددة الأبعاد. هذا هو رأس الحربة لخطط رئيس الأركان، وحدة جديدة مليئة بالتكنولوجيا والمعلومات، التي قد يطبق نموذجها لاحقاً في جزء من الألوية والفرق داخل الجيش الإسرائيلي. ستريك على قناعة بأن القدرات التي يتم تطويرها هناك أكثر أهمية بالنسبة لنتائج الحرب من حجم القوات التي سيستخدمها الجيش. "لا حرج من الهجوم البري. لم أرغب في أن أكون العدو المقابل"، قال بشكل قاطع. في المقابل، اعترف قائد سلاح البر أن الجيش الاسرائيلي لا يلبي التوقعات منه في كل ما يتعلق بظروف خدمة الجنود. "لم أنجح في ذلك. علاماتنا غير جيدة. استثمرتُ موارد أكثر في البنية التحتية للتدريب وليس في القواعد. قواعدنا، لا سيما في النقب والعربية، في وضع غير جيد. الوضع صعب هناك ونحتاج إلى استثمار المزيد لتحسينه".


المصدر: هآرتس

الكاتب: عاموس هرئيل




روزنامة المحور