الثلاثاء 07 كانون الاول , 2021 04:09

السياسة البريطانية: "ظل الولايات المتحدة" في الشرق الأوسط

تطمح بعض القوى السياسية في المملكة المتحدة وخاصة "أنصار البريكست" الى استعادة بريطانيا لدورها كـ "قوة عالمية"، ما يستدعي تعويض ما خسرته اقتصادياً وتجارياً من انفصالها عن أوروبا عبر "إنزال" في الشرق الأوسط وخاصة في الخليج.

 وبعد ما تدعيه الولايات المتحدة انكفاءً – ولو عسكرياً – عن الشرق الأوسط، تحاول المملكة استجماع رصيدها في المنطقة وتزعم سياسات مختلفة عن واشنطن التي أظهرت الدول امتعاضاً من سياساتها التخريبية الا أن بريطانيا في نهاية المطاف ليست سوى "ظل الولايات المتحدة" في المنطقة.

وفي ما يلي عرض تفصيلي – بحسب الأوساط البريطانية وتصريحات رئيس الوزراء بوريس جونسون – لأهم الخطوات الجديدة للمملكة في الشرق الأوسط وسياستها، بالإضافة الى مصالحها لا سيما مع الخليج، كما شرح لرؤيتها العسكرية.    

التقييم:

لا يتوقف السـاسـة البريطانيون عن ترديد عبارة "اسـتعادة السـيادة" للتعليق على الخروج التاريخي من الاتحاد الأوروبي، وما يسـتتبع ذلك من اسـترجاع القرار الاقتصـادي والدبلوماسي، فعلى امتداد عقود ظلت السـياسـة الخارجية البريطانية متشـابكة مع التوجه الأوروبي ولصـيقة به، بيد أن ما يدور حاليا في الأروقة السـياسـية في لندن هو مشروع جديد لبناء "بريطانيا العالمية" القادرة على تبني خط دبلوماسي مستقل عن التكتل الأوروبي، والتأثير في القضايا العالمية.

وينسحب مشروع "بريطانيا العالمية" على منطقة الشرق الأوسط، حيث تتركز المصالح والصراعات العالمية، وتشتد المنافسة على النفوذ.

يعتبر البعض أن الفترة الحالية الموسـومة بأزمة وباء كورونا والتدهور الاقتصـادي، والتفكك العالمي والتراجع الأمريكي، لصانع القرار البريطاني برسم سياسة خارجية مستقلة تماما عن أوروبا، ما اضطر بريطانيا للتفكير أكثر في إعادة الاعتبار لوجودها بشـكل أكثر فاعلية في منطقة الشرق الأوسـط، من خلال التركيز على إقامة علاقات تجارية مع الدول التي تراها مهمة على مستوى الأمن والتعاون الاستخباراتي والعسكري.

" يبدو أنه من الصعب أن تتخلص المملكة المتحدة من الإرث الأوروبي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بسهولة فإعادة رسم المشهد من جديد سيحتاج للكثير من الوقت." وبعيدا عن الشـعار السـياسي الذي يحمله أنصـار "البريكسـت"، بقرب عودة بريطانيا كقوة عالمية، تبدو بريطانيا أقل قوة لأنه على الصـعيد الإسـتراتيجي عندما تخرج من أكبر سـوق تجاري فهذا يفقدك الكثير من وسـائل التأثير. ربما كان هذا أحد اهم الأسـباب التي جعلت صـناع السـياسـة في بريطانيا يفكرون بالعودة بجدية أكثر الى الـشرق الأوسـط، في محاولة لإعادة التموضـع السـياسي والاسـتراتيجي لضمان المصـالح والنفوذ وسـد الثغرات التي يمكن ان يتسـبب فيها هذا الخروج من الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد.

وحدها منطقـة الخليج التي يمكن أن تمنح للمملكـة المتحـدة ما تبحـث عنه من تعزيز للعلاقات "فالتاريخ يلعب دورا في العلاقة بين الطرفين، كما أن هذه المنطقة يمكن أن تمنح لندن فرصـاً اقتصـادية لن تجدها في أي مكان آخر، ولهذا سـتركزالجهود عليها.

وعلى من ينتظر عودة "بريطانيا العظمى" كما كانت قبل عقود عندما كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشـمس، فعليـه أن ينتظر طويلا لأن الخروج من الاتحـاد الأوروبي قزم من حجم بريطـانيـا، فعلى الصـــعيـد العـالمي لـدينـا قوى صــاعدة أخرى مثل روســيا والصين وغيرها إضــافة الى أمريكا (على الرغم من ادعاء الانســحاب والخروج من المنطقة) والاتحاد الأوروبي. هذا الخروج يسـتتبعه بالضرورة انتهاج سـياسـة خارجية أكثر توافقية، والسـعي لخلق "صـفر مشـاكل" لجذب شركاء تجاريين أكثر. ستعرف منطقة الخليج إنزالا دبلوماسيا قويا من طرف المملكة المتحدة، بسبب ما تقدمه هذه المنطقة من فرص اقتصـادية سـتعرف منافسـة حقيقية بين الفرنسـي والبريطاني والألمان، مع أفضـلية لبريطانيا لما لها من علاقات تاريخية مع دول المنطقة. مع التأكيد انه لن يكون هناك تمايز في تعامل السياسة البريطانية مع الازمات والملفات المعقدة في الشرق الأوسط عن التوجهات الامريكية. ففيما يتعلق بالملف الإيراني مثلا لن تخرج بريطانيا عن التوجـه الأمريكي وخيـارات إدارة بـايـدن الحـاليـة الـذاهبـة نحو إعـادة التفـاوض مع الإيراني. بـالمقـابـل تتمتع بريطـانيـا بخيـارات مســـتقلـة في يتعلق بعلاقتهـا مع تركيـا مثلا، حيـث تمتلـك بريطـانيـا هـامشــا لتقويـة علاقتهـا مع أنقرة، ورغم الانتقـادات الأوروبيـة للتقـارب البريطـاني التركي إلا أن لنـدن تتحرك بـدافع المصـــلحـة وترى أن تركيـا قـادرة على أن تكون شريكا قويا في الشرق الأوسط.

أما على صعيد الملف الفلسطيني، فيبدو أن الدور البريطاني سيكون محدودا، وهذا راجع

لتراجع وزن بريطانيا عالميا بعد الانســـحاب من الاتحاد الأوروبي، ولن تعرف الســـياســـة البريطانية أي تغيير في الملف الفلسطيني خصوصا وأن الإدارة الأمريكية الحالية تولي أهمية كبرى للتعاون مع الأوروبيين." في منطقة مرّشّحة لمزيد من التصدّع الجيوسياسي تبحث بريطانيا عن مصلحة او جملة من المصالح، من الضر وري النظر اليهـا بشـــكـل جـديّ، ومن المهم متـابعتهـا في ظـل اســـتراتيجيـة تبـادل الأدوار مع الأمريكي الـذي بـدأ فعليـا في تغيير سياسته الميدانية نحو مزيد من التقشف والانكماش الميداني ليقابله مزيد من التحرك والنشاط الدبلوماسي والأمني والاســـتخباراتي. لكن من المفيد التأكيد ان الدور البريطاني لن يخرج عن هذا الســـياق الأمريكي بل ســـيكون مكملا له وداعما نظرا للإرث التاريخي والتجارب البريطانية في منطقة.

من هذا المنطلق، لابد من إضافة عنصر مهم وهو أنّ بريطانيا باتت على ما يبدو مدركة تماما بأن حصيلة السياسة الأمنية والعسـكرية الأمريكية في الشرق الأوسـط، لم تتضـمن خططا واضـحة لإقامة أمن حقيقي ينبع من المنطقة، ومناكفة الأطراف، بل شهدت المنطقة حروبا ثلاثة حالت كليا دون إمكانية قيام أمن تعاوني. كما تدرك بريطانيا أيضا بأن أي تغيرات دراماتيكية في الوقت الحالي، سـتنعكس سـلبا على مصـالحها الاسـتراتيجية، وليس من المتصـور أن تسـاهم في سـياسـة تفقدها مصـالحها في دول الخليج كما تفعل واشـنطن الذي بدأ يتآكل رصـيدها، وتتراجع مكانتها، ويحوم حول ســـياســـتها المتذبذبة كثير من الامتعاض، جراّء ســـعيها إلى الإخلال بتوازنات المنطقة وإعادة إنتاج العديد من الحلول المتعثرة، سـواء من خلال تورطها في تسـويق النموذج التركي في الشرق الأوسط، أو عبر فتح الباب لإيران للعودة إلى السّــاحة الدولية والإقليمية وهو ما يعتبر تهديدا لمصــالح "إسرائيل" بالدرجة الاولى وأنظمة الخليج. وأمام هذا الوضــع، تحاول المملكة المتحدة تشكيل دورها من جديد، وإعادة ترتيب سياستها تجاه الشرق الأوسط، حيث بدأت تجري ترتيبات جديدة على أوليات مصالحها في محاولة لاستعادة رصيدها السابق، في سياق البحث عن لعب دور قوي في توازنات الشرق الأوسط.

 سياسة المملكة المتحدة

_ كان هناك انقسام بين الأجيال حول مسألة سمعة المملكة المتحدة. بالنسبة للجيل الأكبرسنًا، تعد "سايكس بيكو" وإعلان "بلفور" المرجعية الأساسية، ولم تكن سمعة المملكة المتحدة إيجابية. بالنسبة لجيل الشباب، هناك صورة أكثر إيجابية عن المملكة المتحدة. كما كانت هناك انقسامات بين الدول. كان ينظر إلى غزو العراق عام 2003 في بعض البلدان على أنه إرث سلبي، لكن بالنسبة للآخرين، كان ينُظر إلى غزو عام 2003 على أنه سياسة أمريكية في المقام الأول. يختلف تصور المملكة المتحدة عن نظرة الولايات المتحدة. اعتبرت بعض الدول إرث بريطانيا التاريخي إيجابيًا كجزء من السرد القومي لكن بالنسبة لدول أخرى، كانت المملكة المتحدة حزبية أوسلبية أو غائبة. كما كانت هناك خيبة أمل في سياسة المملكة المتحدة السابقة والتي كان ينُظر إليها على أنها "ظل السياسة الخارجية الأمريكية".

_ كان هناك إجماع على أن المشاركة البريطانية الأعمق ستكون إيجابية للمنطقة، كما كان هناك مطالبة بدبلوماسية بريطانية متجددة، باعتبارها "مسقط رأس الدبلوماسية" والساعية وراء سبل المساعدة الاقتصادية أيضًا.

_ كانت نقاط القوة في المملكة المتحدة وهي قوتها الناعمة -ولا سيما الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية والمؤسسات التعليمية واللغة وكرة القدم ولندن والفنون (الموسيقى والكوميديا). اعتبر العديد من الشباب المملكة المتحدة مكاناً جذاباً للعيش والدراسة.

_ أظهر العديد من الشهود إحباطهم لأن الدول الكبرى لم تفعل ما يكفي في سوريا واقترحوا هذا كمجال يمكن للمملكة المتحدة أن تلعب فيه دورًا أكبر. وتم التأكيد على أن هذا لا ينبغي أن يكون في شكل أي تدخل عسكري

_ تضمنت المجالات المقترحة للمساعدة البريطانية المحتملة دعم اللاجئ في البلدان المجاورة مثل الأردن

­_ مع صفقات الأسلحة بين المملكة المتحدة ودول الخليج، يجب على المملكة المتحدة أن تضغط من أجل الحكم الرشيد وإجراءات مكافحة الفساد. قال بعض الشباب إن تصدير الأسلحة لم يكن مفيدًا للمنطقة وانقسموا حول تكلفة سمعة المملكة المتحدة حيث أشار بعض الشباب إلى الإضرار بالسمعة والبعض الآخر قال إنه غير معروف بشكل خاص في المنطقة. شكك الشباب في قدرة حكومة المملكة المتحدة على العمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية يجي على المملكة المتحدة بناء علاقات خارج المنظمات غير الحكومية التي ترعاها أو تدعمها الدولة للعمل بشكل أكثر فعالية مع المنظمات المحلية المستقلّة.  

المصالح الدائمة للمملكة المتحدة:

 _ مصالح بريطانيا في الشرق الأوسط هي الأمن والتجارة، مع الاهتم أكثر بالأمن.

_ منطقة الشرق الأوسط متخلفة كثيراً عن الأسواق في أوروبا، وآسيا وخاصة الصين والولايات المتحدة. لكن الزيادة الكبيرة في صادرات المملكة المتحدة إًلى الإمارات العربية المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر، والاستثمار الضخم في المملكة المتحدة من دول الخليج، قد أكد على إمكانية تطوير العلاقات التجارية للمملكة المتحدة مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

_ زادت تجارة المملكة المتحدة مع الدول العربية بنسبة 11٪ في عام 2013 مقارنة بعام 2012. في عام 2013، تجاوزت صادرات المملكة المتحدة من السلع إلى الإمارات 15 مليار دولار أمريكي - بزيادة ثلاثة أضعاف في أقل من خمس سنوات ونحو 2 % من إجلي الصادرات لذلك العام.  زادت الصادرات إلى المملكة العربية السعودية بنحو الثلث خلال الفترة 2008-2013.

_ تستقطب بريطانيا بدورها مستويات عالية من الاستثمار من الخليج. تستثمر شركة موانئ دبي - موانئ دبي العالمية - في بناء أول ميناء رئيسي في المملكة المتحدة منذ 20 عامًا.

_ قامت صناديق الثروة السيادية الخليجية باستثمارات عالية المستوى مثل مبنى "شارد" المميز في لندن.

_ نمت التجارة البريطانية مع إسرائيل بنحو الثلث في العقد الماضي.

_ تظل قناة السويس في مصر القناة الحيوية لصادرات المملكة المتحدة إلى الأسواق الناشئة في آسيا.

_ تظل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا سوقاً رئيسياً للمعدات العسكرية البريطانية المصنعة.

_ بريطانيا تحولت من منتج للطاقة الى مستهلك وبالتالي من المهم لديها البحث عن بدائل في الأسواق الخليجية.

_ مستوى النفوذ المادي واللوجستي والعسكري للقوات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط: بصندوق استراتيجية الخليج والقوات البريطانية المنتشرة، وصفقات بيع السلاح.

المصالح الاساسية بحسب خطاب جونسون

تتمثل الأهداف الرئيسية لمراجعة 2021 في خطاب جونسون أمام مجلس العموم: "الغرض الأساسي من هذه المراجعة - الأكثر شمولاً منذ الحرب الباردة - هو جعل المملكة المتحدة أقوى وأكثر أماناً وازدهارًا مع الدفاع عن قيمنا. إن وسائل ضمان الحماية تتعلق بالسعي إلى التقارب الإقليمي". وتعبر المراجعة عن انفتاح لعقد" صفقة إقليمية"، من خلال تعزيز الاكتفاء الذاتي الإقليمي من حيث الأمن. وهذه الصفقة الإقليمية عكستها اتفاقات إبراهيم التي طورت تحالفات عربية إسرائيلية.

تخطط بريطانيا لزيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية - وهو أمر وصفه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف سابقا بأنه "نفاق مطلق".  إن الزيادة البريطانية في الواقع تتوافق مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT   التي وقع عليها الطرفان - لذا ما لم يعترف ظريف برغبته في الحصول على أسلحة نووية، فمن الخطأ وصفه بالنفاق هنا. لكن هذا لن يمنع إيران من وصف تصرفات بريطانيا بالمسيسّة، ما يعني المزيد من الصعوبات في تحقيق هذا الهدف "ذي الأولوية".

سياسة "المنافسة المنهجية" - بدلاً من الصراع أو الاحتواء - مع الصين. إنها مشابهة لاستراتيجية التعايش العالمي التي أقرها فريق السياسة الخارجية لبايدن. يعرف المنافسون النظاميون مثل الصين بأنهم (من بين أشياء أخرى)"سلطويون" ومستعدون لـ "تصدير نماذجهم المحلية ... وإضعاف القواعد والمعايير الراسخة" واستخدام" الاستبداد الرقمي.

النظر في نوايا المملكة المتحدة وقدراتها واستراتيجياتها لدى عودتها إلى "شرق السويس"، بالإضافة إلى الآثار الجيوسياسية لمثل هذه العودة في ميزان القوى المتحول في الشرق الأوسط.

ماذا يحدث عندما تصبح أمريكا أكثر عزوفاً عن تحمل عبء تثبيت استقرار الأنظمة الأمنية الإقليمية، على الأقل لصالح حلفائها الإقليمي؟ وتجادل نظريات" انتقال الهيمنة المتنافسة" بأن دولة أخرى، أو مجموعة منها، قد تملأ الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه التقشف الأمريكي، حيث تغيير ميزان القوى بطرق لا تعتبر ملائمة لمصالحا لولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، هناك سؤال مهم حول ما هي بالضبط آثار التقشف الأمريكي على النظام الجيوسياسي للمنطقة.. والواقع أن "تراجع واشنطن إلى نهج إستراتيجي أبعد قد يزيد من تفاقم الصراع الجيوسياسي وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، يخشى البعض من أنه مع استمرار انسحاب أمريكا، ستنتقل الصين، مستفيدة من روابطها التجارية الكبيرة والمتزايدة مع معظم دول المنطقة.

من النـاحيـة النظريـة، يقترح "كـارل هـاين "العمـل على نموذج الـدولـة البـديلـة، فـالقوة المهيمنـة التي تســـعى إلى الانسحاب من نظام إقليمي يمكنها أن تفعل ذلك بسهولة أكبر إذا كان هناك حليف مناسب أو قوة مهيمنة خـارجيـة أخرى قـادرة على منع عـدم الاســـتقرار الجيوســـيـاسي. ثم اقترح معيـارين يحـددان الملاءمـة المحتملـة للدولة البديلة اي: "أفضليتها الاستراتيجية على التعامل مع الدولة المتدهورة وقدرتها العسكرية على الحفاظ على النظام الإقليمي."

إن هـذا "الالتزام الأعمق" من جـانـب المملكـة المتحـدة في المنطقـة يمثل تحـديـات، وفرصا، وتوازنـًا دقيًقًـًا بين التحالفات المتغيرة في كثير من الأحيان الخاضعة لتوازنات القوى الإقليمية والعالمية على حد سواء

كما انجذبت الولايات المتحدة إلى السـياسـة في الخليج وال ـشرق الأوسـط من خلال انسـحاب المملكة المتحدة منشرق الس ويس في عام 1971، يبدو أن الوضع الآن في طريقه إلى الانعكاس، مع تحرك المملكة المتحدة مبكرًاً، وربما بشـكل انتهازي، لملأ الفراغ المحتمل الذي سـينشـأ عن تقليص حجم مصـالح الولايات المتحدة ووجودها، والذي يشـــكل جزءًا من عملية إعادة تقويم إســـتراتيجية كبرى أوســـع نطاقاً للولايات المتحدة من الانخراط العميق إلى التقشف الإقليمي.

بالنسـبة للمملكة المتحدة، تعتبر المشـاركة الاسـتراتيجية المتزايدة مع دول الخليج الفارسي ومع الهند سـلوكيات جيوسـياسـية جديدة، وهي سـلوكيات قد تكون مصممة للتأكيد للولايات المتحدة على القيمة المسـتمرة للمملكة المتحدة كضـامن إسـتراتيجي للنظام الدولي الليبرالي الأوسـع بقيادة الولايات المتحدة. على سـبيل المثال أظهرت مراجعة استعراض الدفاع الاستراتيجي والأمني في المملكة المتحدة لعام 2015 أن قيمة المملكة المتحدة بالنسـبة إلى الولايات المتحدة تتوقف على دورها الداعم للاسـتقرار: "إن مسـاهمتنا في العلاقات الخاصـة تشـمل امتدادنا ونفوذنا الأوروبي والعالمي... ونحن نعمل معًا لدعم السلام والاستقرار مع "وجود عسكري بريطاني دائم وأكثر عمقـا" في منطقـة الخليج مصـــمم "ليعكس علاقـاتنـا التـاريخيـة، والطبيعـة الطويلـة الأجـل للتحـديـات والفرص على حد سواء وطمأنة حلفائنا في الخليج."

الرؤيـة العســـكريـة

 مع دخول قـدرات النـاقلات العســـكريـة حيز الخـدمـة، فـإنهـا ســـتكون جزءًا رئيســـيـًا من الاسـتراتيجية الدبلوماسـية والإنسـانية والعسـكرية.

وتماشـيًا مع إصـلاحات الجيش لعام 2020، "في حين سـنحتفظ بثلاثة ألوية لمناورة الجاهزية العالية، سيكون لدينا أيضًا "ألوية قابلة للتكيف" للحفاظ على استمرار العمليات وتطوير الشراكات بشـكل روتيني في جميع أنحاء العالم. أما بالنسـبة لنشر هذه الألوية، وأتصـور لواءين أو أكثر من الألويـة قـابلـة للتكيف والتي تشـــكـل علاقـات وثيقـة على المســـتوى التكتيكي مع بلـدان معينـة في الخليج والأردن، على سـبيل المثال، ما يسـمح بتحسين التعاون مع قواتها. وإذا ما دعت الحاجة إلى عملية أخرى على غرار ما حدث في ليبيا، فإننا سـنكون مسـتعدين. ومن شـأن ذلك أن يعزز إلى حد كب قدرتنا على دعم الحلفاء في الوقـت الـذي يواجهون فيـه التهـديـدات ويردعونهـا، ومع وجودنـا البحري في البحرين، وعنـاصر جويـة في الإمارات العربية المتحدة وقطر، وأدوار تقليدية ولكن معززة في عن والكويت والمملكة العربية الســعودية، من شأنها أن تجعلنا حليفا إقليميًا عبر نطاق أوسع.

أمن الخليج والعلاقة الخـاصـــة

 في النظام الدولي بعد الحرب، كانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة الخارجية الرئيسـية في الخليج. مع الأخذ بعين الاعتبار التجربة المريرة للعراق وأفغانسـتان، فضـًلًا عن وجهة نظر الولايات المتحدة بأن شرق آسـيا سـتكون المحور الديموغرافي والاقتصـادي والجيوسـياسي للعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، ربما نشــهد تغييراً في الاســتراتيجية الأمريكية الكبرى من إســتراتيجية انخراط عميق إلى إســـتراتيجيـة خفض الإنفـاق، وإن كـان مع اختلافـات إقليميـة تعتمـد على قراءة كـل منهـا لأهميـة المنطقـة.

بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي. أياً كانت الرؤية، فمن الواضح أن الخليج والشرق الأوسط عمومًا، ومن باب التقييم النسبي للأولويات، لم يعودا أولوية بالنسبة للولايات المتحدة

وسـط التغيرات الجيوسـياسـية الإقليمية وتوازنات القوى، تسـعى المملكة المتحدة إلى تطبيق إسـتراتيجيتها الأوسـع نطاقاً للانخراط العميق في الخليج:

أولاً، هناك فائدة اقتصـادية كبيرة للمملكة المتحدة ليسـت فقط اللاعب الأوروبي الرائد في الخليج، ولكن أيضًـا اللاعب الغربي الرائد. ولا يمكن إنكار أن مؤســســة الدفاع والســياســة في المملكة المتحدة لا تزال تجد أنه من السهل التعامل مع نظرائهم في الخليج بطريقة ربما غالبًا ما استعصت على الأمريكي.

ثانياً، مبرر عســـكري "محلي" للمملكـة المتحـدة، التي شـــهـدت عقودًا من الخبرة في الحفـاظ على القوات في الخـارج، الـذي تقلص فجـأة، م يعني أن بعض تلـك العنـاصر التي جعلـت الجيش البريطـاني مميزًا عن نظرائهم الأوروبيين قد تآكل.

ثالثاً، ركيزة أخرى تدعم مبادرة المملكة المتحدة لإعادة التعامل مع الخليج، وهي علاقتها الخاصـة مع الولايات المتحـدة. يبـذل الجيش البريطـاني المزيـد من الجهـد في الخليج، بهـدف إبقـاء جميع المعنيين منشـــغلين بـالمهـام الدفاعية الممســوكة، بما في ذلك على ســبيل المثال إرســال إشــارات طمأنة إلى اللاعب الإقليمي الرئيســي؛ المساعدة في التوسط في التوازن الجيوسياسي "الساخن" بشكل متزايد الآن بين المملكة العربية السعودية وإيران؛ واحتواء تهديد داعش حيث أمكن.

لكن مع ذلك، فإن المملكة المتحدة لها مصـلحة رئيسـية في الاسـتمرار في لعب دور عالمي كقوة ذات صـلة من الدرجة الأولى تساعد بش كل استراتيجي في دعم النظام الدولي الليبرالي الذي لا تزال تقوده الولايات المتحدة؛ ما أطلق عليه تقرير الدفاع والأمن الاستراتيجي لعام 2015 النظام الدولي القائم على القواعد.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور