السبت 09 نيسان , 2022 09:45

عملية "ديزينغوف" إضافة جديدة على إخفاقات "سييريت ماتكال"

نتيجة للفوضى العارمة التي ضربت  قلب " تل أبيب" بعد العملية المظفرة التي نفذها  الفدائي الفلسطيني " رعد فتحي حازم  في مقهى إيلكا بمنطقة "ديزينغوف" والتي  تعتبر درة التاج وبيئة النخبة في الكيان المؤقت  قامت وزارة الحرب باستدعاء مئات الجنود لتنظيم عملية بحث عن المنفذ الذي انسحب من مكان العملية على قدميه بهدوء قاطعاً المسافة بين ديزينغوف ومدينة يافا المحتلة على قدميه فيما كان كل المجتمع الامني والاستخباراتي الصهيوني يبحث عنه بما فيه أكثر الوحدات سرية وهي وحدة "السييريت ماتكال" .

وقد أثار قرار الاستعانة بالوحدات النخبوية السرية تساؤلات حول الهدف من ذلك سيما وأن وحدة " الماتكال" تصنف بأنها وحدة سرية  تعمل خلف خطوط " العدو " خارج أراضي فلسطين المحتلة ولا يتم الكشف عن وجوه أو هويات أفرادها حتى بعد مقتلهم وموتهم .إلا أنه وبمراجعة تاريخ عمل هذه الوحدة يتبين أنها شاركت في صنع أهم الخيبات الأمنية الصهيونية منذ عمليتها الأولى ضد مجموعة فلسطينية نابعة لمنظمة أيلول الأسود في مطار اللد "بتل أبيب" على أرض فلسطين المحتلة عام 1972 . حيث يتبين للباحث ان القيود السرية المفروضة على الوحدة كسرت عدة مرات من خلال الاستثناء الذي تحدده قيادة أركان جيش العدو وتنفذه بالاتفاق مع وزير حرب الكيان المؤقت ورئيس الحكومة عندما تتخذ القيادة العسكرية والامنية قرارات استدعاء بموجب حالات طوارئ محددة، ويرمز الى هذه القرارات باسم  (أمر استدعاء رقم ٨) حيث يمكن أإعلان قرار الاستدعاء  قبل اسابيع او ايام أو يمكن إصدار امر استدعاء فوري لأي وحدات تراها المؤسسة الامنية العسكرية مناسبة لذلك. ومن امثلة ذلك أمر استدعاء رقم ثمانية لكافة الوحدات العسكرية والامنية (النظامية والاحتياط) لتحييد "خطر ارهابي مميت في طور التوسع".

وفي سرد زمني لاستدعاءات سابقة يلاحظ المراقب والباحث إقترانها الشديد بالفشل والإخفاق في الانجاز والتنفيذ. ومن العمليات التي شاركت فيها "سييريت ماتكال" داخل فلسطين المحتلة العمليات التالية:

•  1972 – عملية النظائر - وهي عملية نفذتها منظمة ايلول الاسود ورغم فشل عملية الطائرة سابينا 571 في تحقيق أهدافها، حيث قُتل نصف منفذيها واعتُقل النصف الآخر، لكنها كانت حلقة في سلسلة عمليات كان الغرض الاستراتيجي منها لفت أنظار العالم، وهو ما نجحت فيه بالفعل.

فقد خطط القيادي الفتحاوي وأحد المسئولين عن منظمة أيلول الأسود محمد يوسف النجار (أبو يوسف) لعملية خطف طائرة تابعة لشركة سابينا البلجيكية الإسرائيلية، بهدف مساومة الاحتلال لإطلاق سراح أكثر من 300 أسير فلسطيني في سجونه، ووقع اختياره على أربعة من عناصر المنظمة للتنفيذ: الشهيد علي طه أبو سنينة، والشهيد زكريا الأطرش، وريما طنوس، وتيريزا هلسة، ولم يلتق أحدهم الآخر أو يعرفه سوى ليلة التحرك لتنفيذ العملية.

في الثاني من مايو/أيار 1972، استقلت المجموعة طائرة من بيروت إلى روما بهويات زائفة وجوازات سفر لبنانية، ومن روما توجهت المجموعة إلى ألمانيا، حيث حصلوا على جوازات سفر إسرائيلية، انطلقوا بها إلى بلجيكا، وفي الثامن من الشهر استقلوا طائرة الرحلة 571 لشركة سابينا المنطلقة إلى تل أبيب، مسلحين بمسدسين وقنبلتين يدويتين وحزامين ناسفين.

بعد توقف قصير (ترانزيت) في فيينا، أقلعت الطائرة ثانية، وبعد ثلث الساعة في الجو حلت ساعة الصفر. تحركت المجموعة بالشكل المتفق عليه: علي طه يسيطر على قمرة القيادة، زكريا الأطرش يحمي مدخل القمرة، تيريزا هلسة في منتصف الطائرة، وريما طنوس في نهاية الممر، وفي قمرة القيادة أمر علي طه الطيار اليهودي الإنجليزي ريجينالد ليفي – وكانت زوجته على متن الطائرة – بتوجيه الطائرة إلى مطار اللد (مطار بن غوريون حاليًا).

في المطار، أعلنت المجموعة مطلبها بالإفراج عن الأسرى، في تواصل مباشر مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشي ديان، ووزير المواصلات شيمعون بيريز، اللذين ماطلا في المساومة لكسب الوقت ريثما يتم إعداد مجموعة عمليات خاصة لاقتحام الطائرة وتحرير الرهائن.

«سييرت ماتكال»، أو سرية الأركان هي إحدى وحدات نخبة العمليات الخاصة بالجيش الإسرائيلي، والتي كُلفت بتحرير رهائن الطائر سابينا، وعُهد بقيادة العملية إلى قائد السرية «إيهود بروج»، الذي أصبح رئيس وزراء إسرائيل لاحقًا واشتهر بإيهود باراك، وكان أحد أفراد السرية الذين شاركوا بالعملية أيضًا رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

كان من المقرر في الخطة الأصلية تفجير الطائرة بمن فيها إن لم تتم الاستجابة لمطالب المجموعة الخاطفة خلال ست ساعات، لكن قيادة التنظيم أصدرت تعليمات للشهيد علي طه من خلال أجهزة الاتصال في قمرة القيادة بتمديد المهلة لساعات إضافية، وعند نهايتها صدرت أوامر جديدة بالتمديد.

خلال أربع وعشرين ساعة من المساومة والمماطلة مع سلطات العدو الامنية  ، تم تدريب باراك ونتنياهو ومجموعة سرية الأركان على اقتحام طائرة مماثلة للطائرة الهدف، ثم توجه أفراد السرية إلى المطار متنكرين بأزياء الصليب الأحمر البيضاء، إذ وافق الخاطفون على طلب إدخال رجال الصليب الأحمر للاطمئنان على أحوال الركاب وإدخال الطعام والماء ومساعدات أخرى.

عندما فتح الشهيد علي طه بابًا في أرضية قمرة القيادة لالتقاط الطعام عاجلته مجموعة الاقتحام برصاصة في رأسه أودت بحياته على الفور، وفي غضون ثوان تسلل أفراد سرية الأركان من منافذ مختلفة إلى الطائرة، وجرى اشتباك قتل فيه راكبان وأحد أفراد الماتكال وأصيب "نتنياهو بكتفه " كما استشهد  زكريا الأطرش، وأصيبت تيريز هلسة برصاصات في يديها، واعتُقلت بعد نهاية العملية  مع ريما طنوس.

•  1974 - عملية ترشيحا (معلوت) والتي نفذها ثلاث فدائيين من مجموعة الشهيد كمال ناصر من الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بالذكرى ال ٢٦ لنكبة فلسطين واستطاعوا اتخاذ ٢٧ رهينة من متدربي ضباط الصف في جيش العدو كانوا يتدربون لمصلحة وزارة الدفاع في المستوطنة  وطالب الفدائيون  باطلاق ٢٦ اسيراً مقابل حياة الرهائن تظاهرت سلطات الاحتلال بقبول مطالب الفدائيين، وفي الوقت ذاته أعدت خطة لاقتحام المدرسة نفذتها وخدة " سييريت ماتكال " في الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر قبل انتهاء الموعد بنصف ساعة فقط ودارت معركة عنيفة بين الفدائيين وجنود الماتكال أقدم الفدائيون في إثر نفاذ ذخائرهم على تفجير المبنى.

أسفرت عملية معالوت عن استشهاد الفدائيين الثلاثة أفراد الوحدة الاستشهادية ومقتل 27 من الرهائن والمهاجمين بينهم ضابط برتبة رائد في الماتكال  . وقد اعترفت غولدا مائير رئيسة حكومة العدو آنذاك في بيان لها عن العملية أمام الكنيست* بمقتل 24 فقط وجرح الكثيرين.

من جانبه كشف النائب أوري أفنيري عملية الخداع والتضليل التي قام به موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي، في يوم معالوت. فقد كتب أفنيري مقالاً في جريدة “هعولام هازيه” الإسرائيلية بتاريخ 22/5/1974 عن وقائع ذلك اليوم، موضحا بالتفاصيل مسؤولية دايان وحكومته وعملية الخداع التي مارسوها، حين أخفوا شروط الفدائيين الثلاثة الذين نفذوا العملية. ويتضح من خلال هذا المقال، والذي هو بمثابة وثيقة هامة، أن دايان قرر منذ البداية عدم الاستجابة لشروط الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بإطلاق سراح الأسرى المناضلين في سجون الإحتلال، وأنه قرر منذ البداية اقتحام مكان العملية بهدف ان يصبح بطلاً من جديد عن طريق الاستعانة بوحدة سييريت ماتكال .

•  1975 – عمليّة فندق "سافوي"

انتصف ليل الخامس من أذار/ مارس 1975، في قلب مدينة تل أبيب، بينما كان ثمانية مقاتلين من حركة فتح، يتسللون من البحر، انطلاقًا من الشواطئ اللبنانيّة لينفّذوا عملية فندق السافوي في قلب ميدنة تل أبيب، انتقامًا لاستشهاد الكمالين؛ ناصر وعدوان، وأبو يوسف النجّار.

خُطّة العملية، كانت تقضي باحتجاز إسرائيليين بعد نجاح المنفذين بالتسلل إلى تل أبيب، لمبادلتهم لاحقًا، بأسرى فلسطينيين. وقُبيل انتصاف الليل بنحو 45 دقيقة، وصل الفدائيون على متن زورقين حربيين إلى شاطئ تل أبيب؟ دورية الشرطة الإسرائيلية التي كانت في المكان اشتبهت بالمجموعة وفتحت النار صوبهم، ما أدّى لانفجار الزورق الذي كان مُحمّلًا بالذخائر والمتفجرات.

بعد انفجار القارب، تمكّن أفراد المجموعة من التسلل باتجاه الشاطئ، وقطعوا الشارع الرئيس وهم يطلقون النار ويلقون القنابل اليدوية، ثم اقتحموا فندق "السافوي" وأخذوا عددًا من الرهائن إلى الطابق العلوي. بعد ذلك حاول عنصران من المجموعة مغادرة الفندق لأخد المزيد من الرهائن، وعلى البوابة تبادلوا إطلاق النار مع جندي ، كان منزله قريبًا من المكان، فقتلوه.

تمركز الفدائيون في القسم العلوي من الفندق المكون من عدة طوابق، بعد فخخوا المبنى جيّدًا. وعند الساعة الواحدة فجرًا، وصلت إلى منطقة الفندق وحدة النخبة في جيش الاحتلال "سيريت ماتكال". هدد الفدائيون بقتل الرهائن إذا لم تفرج إسرائيل عن 20 أسيرًا فلسطينيًا وعربيًا من بينهم هلاريون كبوتشي في غضون أربع ساعات. أدار الفدائيون المفاوضات مع جيش الاحتلال عبر رهينة كانت تجيد اللغة العربية، واستمرّت المفاوضات نحو ثلاث ساعات، وافق خلالها الفدائيّون على تحرير عجوز ألمانيّ (60 عامًا)، أصيب في بدء العملية بجرح بليغة بترت على إثرها رجله.

وفي الساعة الـ 05:15 فجرًا، اقتحمت وحدة "سيرت ماتكال" المكان، ففجر الفدائيون عبواتهم ، ولحق دمار هائل بالفندق، وتمكّن الفدائيّون من قتل ثلاثة من عناصر القوّة المُهاجمة، وأصابوا ثلاثة آخرين بينهم قائد سابق لـ"سيرت ماتكال" هو العقيد عوزي يئيري، إضافة لمقتل ثمانية مدنيين إسرائيليين، وخبير سلاح ألمانيّ أدّى مقتله لعرقلة مشروع تطوير دبابة الميركافا.

انتهت العمليّة باستشهاد سبعة من الفدائيين، فيما اسر الفدائي موسى جمعة، الذي حُكم عليه بالإعدام، لكن جرى تحريره لاحقًا في عملية تبادل أسرى عام 1985 .

الفدائيّون الثمانية:

خضر أحمد جرام (الملازم خضر)، قائد المجموعة، من مواليد الرملة 1947

عمر محمود محمد الشافعي (أبو الليل الهندي)، من مواليد جنين 1955

أحمد حميد أحمد أبو قمر (أبو عبيدة الجراح)، من مواليد غزة 1948

عبد الله خليل عبد الله كليب (مصالحة خليل الهزّاع)، من مواليد طولكرم 1955

محمد ضياء الدين الحلواني (عصام بهاء الدين السيوفي)، من مواليد نابلس 1948

موسى العبد أبو ثريا (موسى عزمي)، من مواليد غزة 1957

نايف نجد إسماعيل الصغير (زياد طارق)، من مواليد أذنا-الخليل 1954

موسى جمعة حسن (موسى أحمد)، من مواليد السلط 1952، وهو الناجي الوحيد.

•  1978 - عملية "الشهيد كمال عدوان" التي يسميها العدو مذبحة الطريق الساحلي - لإنقاذ رهائن في حافلات وتسببت بمقتل ٣٠ او اكثر منهَم وقادها رئيس الحكومة الاسبق ايهود باراك وكان برتبة رائد في سييريت ماتكال .

وضعت الخطة على يد الشهيد القائد خليل الوزير (أبو جهاد)، وكانت تقوم على أساس القيام بعملية إنزال على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية والتوجه الى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست، حيث تسابق الفدائيون الفلسطينيون على المشاركة فيها وعلى رأسهم دلال المغربي التي كانت في العشرين من عمرها.

وتم اختيارها رئيسة للمجموعة التي ستنفذ العملية والمكونة من عشرة فدائيين، وقد عرفت العملية بعملية "كمال عدوان"، والفرقة باسم "دير ياسين".

في صباح يوم 11 آذار/مارس 1978 ركبت المجموعة سفينة نقل تجارية تقرر أن توصلهم إلى الشاطئ الفلسطيني، واستقلت المجموعة زوارق مطاطية بهدف الوصول إلى شاطئ مدينة يافا القريبة من تل أبيب حيث مقر "الكنيست" الهدف الأول للعملية، غير أن الرياح القوية حالت دون وصول الزوارق إلى الشاطئ في الوقت المحدد الأمر الذي دفع بالزورقين المطاطيين إلى البقاء في عرض البحر ليلة كاملة تتقاذفهما الأمواج حتى لاحت أضواء تل أبيب، ونجحت عملية الإنزال والوصول إلى الشاطئ دون أن يكتشفها الصهاينة ، كما نجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى الشارع العام المتجه نحو تل أبيب والسيطرة على  حافلة (باص) كان عدد ركابها 30 راكبا.

في الطريق استطاعت المجموعة السيطرة على "باص" ثان ونقل ركابه إلى "الباص" الأول وتم احتجازهم كرهائن ليصل العدد إلى 68 رهينة.

عند هذه المرحلة اكتشفت قوات العدو العملية فجندت قطعا كبيرة من الجيش لمواجهة الفدائيين، ووضعت الحواجز على الطرق المؤدية إلى تل أبيب، لكن الفدائيين تمكنوا من تجاوز الحاجز الأول ومواجهة عربة من الجنود الإسرائيليين وقتلهم جميعا الأمر الذي دفع بقوات الاحتلال إلى المزيد من تكثيف الحواجز، غير أن الفدائيين تجاوزوا حاجزا ثانيا وثالثا حتى أطلوا على مشارف تل أبيب، عندها جرى تكليف وحدة من " سييريت ماتكال " بقيادة إيهود باراك بمنع الباص من الدخول إلى تل أبيب فنصب جنود الماتكال حاجزاً ضخماً شمال تل أبيب استعملوا فيه آليات عسكرية كبيرة كالجرافات لقطع الطريق الدولي المؤدي إلى شمال تل أبيب .

عملت قوات الاحتلال على تعطيل إطارات "الباص" ومواجهته بمدرعة عسكرية لإجباره على الوقوف، فحاولت المجموعة الفدائية مخاطبة القوة التي قطعت الطريق من الماتكال  للتفاوض وأملا في ألا يصاب أحد من الرهائن بأذى، لكن باراك رفض ذلك.

أصدرت دلال أوامرها للمجموعة بمواجهة الجنود الصهاينة  بكل ما لديهم من أسلحة، وجرى اشتباك مع  قوة الماتكال التي كانت قد بدأت باطلاق النار وقذائف اللاو على الباص بناءاً للأوامر غير مبالية بالرهائن المحتجزين،

استشهدت دلال ومعها أحد عشر فدائيا بعد أن كبدت جيش الاحتلال حوالي 30 قتيلا وأكثر من 80 جريحا كرقم أعلنته قوات الاحتلال، فيما تقول مصادر فلسطينية إن الرقم تجاوز الـ100 قتيل بدليل وجود لوحة كبيرة على طريق تل أبيب الرئيسي مكتوب عليها عدد من الأسماء يفوق المائة اسم.


المصدر: مركز دراسات غرب اسيا




روزنامة المحور