الجمعة 16 نيسان , 2021 03:24

بايدن يُنقذ ملك الأردن من مؤامرة حاكها بن سلمان ونتانياهو

ديفيد هيرست
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الأردن، كتب الخبير البريطاني في الشأن السعودي ديفيد هيرست مقالاً ذكر فيه: على واشنطن أن تعلم ان من يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط ليسوا شخصيات كرتونية شريرة في إيران وتركيا.

كتب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست مقالاً في موقع عين الشرق الأوسط البريطاني قال فيه: لمرةٍ واحدة، لمرةٍ واحدة فقط اتّخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن القرار الصائب في الشرق الأوسط، وأنا أقول هذا بإدراكٍ لسجله السيئ في المنطقة.

وفقاً للمعلومات الاستخباراتية التي مرَّرها الأردنيون بأن وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان كان غارقاً حتى أذنيه في مؤامرةٍ لزعزعة استقرار حكم الملك عبد الله، تدخل بايدن وأوقف المخطَّط قبل فوات الأوان، وقد أحسن القيام بذلك.

كان لتصريحه بأن "الولايات المتحدة تقف وراء الملك عبد الله "؛ عواقب فورية على الشريك الآخر في المؤامرة أي بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء "إسرائيل".

 ففي الوقت الذي كان بن سلمان يحرم الأردن من الأموال (كما صرّح وزير الخارجية السابق مروان المعشر بانه لم يُقدِّم السعوديون أيَّة مساعدة ثنائية مباشرة منذ عام 2014)، كان نتنياهو يحرم المملكة من المياه التي تشربها "إسرائيل" من نهر الأردن.

 وبموجب الاتفاقات السابقة زوَّدَت "إسرائيل" الأردن بالمياه، وعندما يطلب الأردن دفعةً إضافية توافق "إسرائيل" عادةً دون تأخير، لكن هذا الأمر لم يحدث هذا العام، إذ رَفَضَ نتنياهو ذلك، في ردٍّ على رفض الأردن مرور مروحيته عبر المجال الجوي الأردني، لكن سرعان ما غيَّر نتنياهو رأيه بعد ورود مكالمةٍ هاتفية من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى نظيره الإسرائيلي غابي أشكيناز.

 ولو كان ما حدث والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض لكان من المشكوك فيه أنه سيحدث؛ وقد تتفاقم الأزمة في الأردن.

هذا يعني ان من غير دعم واشنطن العلني له لكان الملك عبد الله في مشكلة خطيرة، إذ سيكون ضحيةً لهجومٍ من شقين: من السعودية و"إسرائيل" من جهة، وسخط شعبه الغاضب، وأخيه الأصغر غير الشقيق الذي يعدُّ الأيام حتى يتسنَّى له أن يتولَّى زمام الأمور من جهة أخرى.

المشكلة مع الملك عبد الله

الملك عبد الله، الجندي المحترف، ليس بالضبط شخصيةً معارضة لدول الخليج في المنطقة، وليس رجلاً يركض وراء أحلام توسعية، وهو ليس بشار الأسد أو رجب طيب أردوغان أو آية الله علي خامنئي.

كان عبد الله على استعدادٍ تام للثورة المضادة ضد الربيع العربي، لقد انضمَّ الأردن إلى التحالف المناهض للدولة الإسلامية بقيادة السعودية، ونشر طائراتٍ لاستهداف الحوثيين في اليمن، وسحب سفيره وقنصله من إيران بعدما إقالة سفير السعودية في طهران والقنصل في مشهد، وبالتالي قطعت المملكة السعودية العلاقات الدبلوماسية.

كما حضر عبد الله القمة غير الرسمية على متن يختٍ في البحر الأحمر، تلك القمة التي عُقِدَت بغية تنظيم "مكافحة نفوذ تركيا وإيران في الشرق الأوسط"، أواخر 2015.

وفي كانون الثاني عام 2016، أخبَرَ عبد الله أعضاء الكونغرس الأمريكي برسالةٍ خاصة أن تركيا كانت تصدِّر إرهابيين إلى سوريا، الأمر الذي نفاه لاحقاً، لكن التصريحات قد وُثِّقَت في بيانٍ لوزارة الخارجية الأردنية.

وفي ليبيا، قامت القوات الخاصة الأردنية بتدريب رجال استخدمهم الجنرال خليفة حفتر، في محاولته الفاشلة للاستيلاء على طرابلس، وكان هذا هو أحد أهم مشاريع التي تقوم بها الإمارات في المنطقة.

وقد اتَّفَقَ عبد الله أيضاً مع الإماراتيين والسعوديين على خطةٍ لاستبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على أن يكون محمد دحلان في مكانه، وهو الخيار المُفضَّل بالنسبة للإماراتيين والإسرائيليين في خلافة عباس في السلطة.

لماذا إذن يعتبر حلفاؤه العرب (الرياض وأبو ظبي) هذا الرجل القوي في قضيتهم مصدر إزعاج ويجب التعامل معه؟

ولاءٌ غير كافٍ

تكمن الإجابة جزئياً في نفسيّة محمد بن سلمان، فبالنسبة إليه ليس من الجيد ان يتم الانضمام جزئياً إلى جدول أعماله، فأنت إما داخله أو خارجه كلياً.

في ظلِّ حكم عبد الله لم يتمكّن الأردن أبداً من الدخول في أجندة بن سلمان بشكلٍ كامل. وكما قال لي وزيرٌ سابق في الحكومة الأردنية: " سياسياً لم يكن محمد بن سلمان ووالده قريبين جداً من الهاشميين. أي ليس لديه أيَّة صلة بالهاشميين مثل إخوته الآخرين، لذا على الجبهة السياسية لا يوجد تقارب أو تعاطف".

وتابع: "لكنْ هناك شعورٌ في الرياض بأنّ الأردن والآخرين يجب أن يكونوا معنا أو ضدنا، ونحن لم نكن معهم بالكامل بشأن إيران، ولا بالكامل بشأن قطر، ولم نكن معهم بالكامل في سوريا. لقد فعلنا ما في وسعنا، ولا أعتقد أنه كان ينبغي علينا المضي قُدُماً، لكن بالنسبة لهم لم يكن ذلك كافياً".

من المؤكَّد أن مراوغات عبد الله لم تكن كافيةً بالنسبة للمحور المقصود في العصر الجديد، وهو تطبيع السعودية العلاقات مع "إسرائيل".

هنا كان الأردن قد شارك بشكلٍ مباشر. لو أن الملك قد وافَقَ على خطة ترامب لكانت مملكته في حالة تمرّد، فذلك كان سيخل بالتوازن الدقيق بين الأردنيين والفلسطينيين.

إضافةً إلى ذلك لم يستطع عبد الله الهروب من حقيقة أنه هاشمي، وان شرعيته تتخذ جزئياً من دور الأردن كخادمٍ للمسجد الأقصى والمشاعر المُقدَّسة في القدس. هذا أيضاً كان مُهدَّداً من قِبَلِ آل سعود.

أهمية العقبة

لكن على نحوٍ شخصي اعتبر كلٌّ من محمد بن سلمان ونتنياهو أن الخطة نفسها أكبر من أن تتوقَّف. فكل من السعودية و"إسرائيل" تمتلك خبراء في السياسة الخارجية والاستخبارات يقدِّرون مدى سرعة هذه الخطة في زعزعة استقرار الأردن والحدود الشرقية الضعيفة "لإسرائيل".

استغرقت الخطة عدة سنواتٍ من الإعداد، وكانت موضوع الاجتماعات السرية بين الأمير السعودي والزعيم الإسرائيلي. خاصة منفذ الأردن الوحيد على البحر الأحمر أي ميناء العقبة الاستراتيجي.

كانت مدينتا العقبة ومعان جزءاً من مملكة الحجاز من عام 1916 إلى عام 1925. وفي أيار 1925، تخلَّى آل سعود عنهما لتُصبحا جزءاً من إمارة شرق الأردن التي سيطرت عليها بريطانيا.

مرَّت 40 سنة أخرى قبل أن تتفق الدولتان المستقلتان على حدودٍ أردنية سعودية. حصل الأردن على 19 كيلومتراً من الخط الساحلي على خليج العقبة و6 آلاف كيلومتر مربع في الداخل، بينما حصلت السعودية على 7 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي

بالنسبة للفتى الجديد في المنطقة، محمد بن سلمان، الأمير الذي كان دائماً حسَّاساً بشأن شرعيته، فإن استعادة النفوذ السعودي على العقبة في صفقةٍ تجارية كبيرة مع إسرائيل سيكون جزءاً كبيراً من مطالبته باستعادة الهيمنة السعودية على المناطق النائية، وستزدهر حركة التجارة مع إسرائيل

ينفق محمد بن سلمان 500 مليار دولار على بناء مدينة نيوم، والتي يُفتَرَض أن تتسع في النهاية على امتداد المملكة العربية السعودية والأردن ومصر. ويقع الميناء الأردني عند مصبّ خليج العقبة، وسيكون جلياً في مرمى البصر السعودي.

وهنا يأتي دور باسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان الملكي الأردني، فقبل عامين من قطع علاقته بشكلٍ نهائي مع الملك عبد الله، وبينما كان لا يزال مبعوثاً للأردن في الرياض تفاوَضَ عوض الله على إطلاق ما يُسمَّى "بمجلس التنسيق السعودي الأردني".

وصرّح مسؤولون سعوديون عن هذا المجلس إنه كان "سيفتح الباب أمام مليارات الدولارات" للأردن المُتعطِّشة للسيولة. ووَعَدَ عوض الله بأن المجلس سيستثمر مليارات الدولارات السعودية في القطاعات الاقتصادية الرائدة في الأردن، مع التركيز على منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة".

كان عوض الله أيضاً مُقرَّباً من محمد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي، الذي كانت له أجندة خاصة به في الأردن. لقد أراد أن يضمن القضاء نهائياً على جماعة الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي في البلاد، وهو أمرٌ رفضه عبد الله، رغم أنه لا يدعم هذه القوى.

بالطبع نضب المال بعد ذلك، تقلَّصَ الدعم السعودي للمملكة إلى حدٍّ كبير، ووفقاً لوزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، توقَّفَت الأموال السعودية تماماً تقريباً بعد عام 2014.

كان ثمن فتح صنبور التمويل السعودي باهظاً جداً على عبد الله لدفعه، وهو الخضوع التام للرياض، وبموجب هذه الخطة كان الأردن سيصبح تابعاً لها، تماماً كما أصبحت البحرين.

كان لنتنياهو جدول أعمالٍ فرعي خاص به في التجارة الضخمة التي ستتدفَّق من نيوم، بمجرد اعتراف المملكة السعودية رسمياً "بإسرائيل".

فهو كعدوٍ مؤكَّد لخطة أوسلو التي تنص على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، دائماً ما كان ينَظَرَ نتنياهو واليمين الإسرائيلي بشوق ولهفة إلى ضمِّ "المنطقة ج" و"غور الأردن"، الذي يضم 60% من الضفة الغربية.

 في ظلِّ هذه النكبة الجديدة سيُجبَر عندها الفلسطينيون الذين يعيشون هناك، والذين حُرِموا من الجنسية الإسرائيلية، على الانتقال ببطءٍ إلى الأردن. على أن يحدث ذلك وفق خطة سعودية، حيث يمكن للعمال الأردنيين السفر بحريةٍ والعمل على أراضيها. واقعياً فإن تحويلات القوى العاملة الأردنية في المملكة السعودية هي شريان الحياة الاقتصادي للمملكة المُفلِسة.

فالأموال التي تتدفَّق إلى الأردن مصحوبةً بقوة عاملة عديمة الجنسية من الأردنيين والفلسطينيين، ستقضي أخيراً على الرؤى العظيمة لإقامة دولة فلسطينية ومعها حل الدولتين. لذلك سيتعامل محمد بن سلمان ونتنياهو بالطريقة نفسها مع هؤلاء، باعتبارهم قوى عاملة متنقِّلة وليسوا مواطنين في دولةٍ مستقبلية.

حمزة إبن الملك المُفضَّل

إن النظر إلى الأمير حمزة على انّه الوسيلة التي يتم من خلالها تجنيد الأردن لهذه الخطة يمثِّل المفارقة الأخيرة لهذه القصة الغريبة.

 إذا كان الدم الهاشمي عميقاً في أيِّ عروقٍ فهو بالتأكيد في عروقه هو (أي حمزة)، إذ كان الابن المُفضَّل للملك حسين. وفي رسالةٍ بعث بها إلى أخيه الأمير الحسن عام 1999، كتب الملك حسين: "حمزة، أطال الله في عمره، يُحسَد منذ صغره لأنه كان قريباً مني، ولأنه أراد أن يعرف كلَّ الأمور كبيرها وصغيرها، وكافة تفاصيل تاريخ عائلته. أراد أن يعرف عن كفاح إخوته وأبناء وطنه، لقد تأثَّرت بإخلاصه لوطنه ونزاهته، حيث بقي بجانبي ولم يتحرَّك إلا إذا أجبرته من حينٍ لآخر على القيام ببعض الواجبات في مناسباتٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد".

خالف عبد الله بذلك الاتفاق الذي أبرمه مع والده على فراش الموت، عندما جعل ابنه حسين ولياً للعهد في عام 2004، بدلاً من أخيه غير الشقيق. ولكن إذا كان الفخر الهاشمي بتاريخ الأردن فخراً عميقاً في حمزة، فإنه من بين جميع الأمراء كان سيدرك قريباً التكلفة التي يتحمَّلها الأردن لقبول مليارات محمد بن سلمان وتشجيع نتنياهو الضمني، تماماً كما أدرك والده.

أصدقاء حمزة ينفون بشدة أنهم جزءٌ من هذه المؤامرة، ويقلِّلون من أهمية العلاقات مع عوض الله. وبالنسبة لحمزة فإنه يشعر بالقلق الشديد من انخفاض مستوى الأردن في ظلِّ سنواتٍ من سوء الحكم. وفي هذا، حمزة مُحِقٌّ بنسبة %100

 ما يجب أن يحدث الآن واضح. يجب على الملك عبد الله أن يرى أنه في النهاية عليه القيام بإصلاح شامل للنظام السياسي الأردني، يكون عبر الدعوة إلى انتخاباتٍ حرة ونزيهة والالتزام بنتائجها. فقط هذا ما سوف يوحِّد البلاد من حوله.

وهذا ما فعله الملك حسين عام 1989 عندما واجَهَ تحدياً وتمرُّداً من قِبَلِ القبائل الأردنية في جنوب المملكة فأصلح حسين النظام السياسي وأجرى أكثر الانتخابات حريةً في تاريخ المملكة؛ فيما قادت الحكومة التي انبثقت عن هذه العملية البلاد بأمان في واحدةٍ من أصعب اللحظات التي عاشها الأردن: غزو صدام حسين للكويت، وحرب الخليج اللاحقة.  

الأشرار الحقيقيون

في غضون ذلك، يجب على جون بايدن أن يدرك أن ترِك محمد بن سلمان يُفلت من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي له تكلفة. لم يتعلَّم محمد بن سلمان مِمَّا حدث، واستمرَّ بنفس الطريقة تماماً، بشكلٍ متهوِّرٍ وسريع، ضد جارٍ وحليفٍ عربي، مع عواقب وخيمة مُحتَمَلة.

يجب على مؤسَّسة السياسة الخارجية الجديدة في واشنطن أن تنأى بنفسها عن فكرة أن حلفاء الولايات المتحدة هم أصدقاؤها. يجب أن يتعلم مرة واحدة والى الأبد ان من يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط ليسوا شخصيات كرتونية شريرة في إيران وتركيا.

في المقابل، فهم أقرب حلفاء الولايات المتحدة، حيث تتمركز لديهم القوات الأمريكية والتكنولوجيات العسكرية، أو كما في حالة "إسرائيل"، فإنهم حلفاء متشابكون بشكلٍ لا ينفصل: السعودية والإمارات وإسرائيل.

والأردن، الدولة المعزولة على مرِّ الزمن، مثالٌ على ذلك.


مرفقات


المصدر: الموقع البريطاني Middle East Eye

الكاتب: ديفيد هيرست




روزنامة المحور