الخميس 07 تموز , 2022 04:23

NISS: إسرائيل التزمت الصمت أمام المسيرات بسبب ضعف نظامها السياسي

كاريش

حلّقت مسيرات حزب الله فوق حقل "كاريش" في البحر الأبيض المتوسط، فيما حاول المستوى السياسي للكيان المؤقت التعتيم على الموضوع حيث ضغطت وزارة طاقة الاحتلال على الجهات الأمنية لعدم نشر خبر خوفًا من الأضرار على الإقتصاد الإسرائيلي. لم تقتصر أضرار نشر الخبر على الاقتصاد، بل إن أضراراً لحقت في "قوة الردع" الكيان حيث انتقد الاعلام العبري الصمت الإسرائيلي وعدم الرد.  

في هذا الإطار، قال مركز دراسات الأمن القومي أن احتمال الرد الإسرائيلي كان ضئيلاً بسبب "ضعف النظام السياسي في إسرائيل وتفضيلها لهضم الاحداث التي تنطوي على احتمالية التصعيد"، معترفاً برسالة حزب الله وهي أنه "لا يخاف من إسرائيل، ومستعد لمواجهتها".

المقال المترجم:

أطلق حزب الله بعد ظهر يوم السبت، 2 تموز / يوليو ثلاث طائرات غير مأهولة فوق البحر المتوسط باتجاه منصة الحفر في حقل الغاز الطبيعي "كاريش"، الواقع في الحدود البحرية الاقتصادية الإسرائيلية المعروفة في المنظومة الدولية. حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض وبسرعة بطيئة لكي تجعل من الصعب على انظمة الاستكشاف الرادارية الإسرائيلية تعقبها وتشخيصها، لكن الجيش الإسرائيلي اكتشفها واعترضها من خلال طائرة حربية باستخدام صواريخ (البرق) والتي أطلقت من سفينة تابعة لسلاح البحرية. حسب تقدير جهات أمنية إسرائيلية لم تحمل الطائرات المسيرة أي مواد متفجرة اذ إنه بالفعل لم تشاهد انفجارات فرعية خلال الاعتراض.

بفضل اكتشاف حقول النفط في المياه الاقتصادية قبل حوالي عقدين شرعت إسرائيل في السنوات الاخيرة بإنتاج كمية وفيرة من الغاز للاستهلاك المحلي وكذلك تصديره إلى مصر، الاردن، وقريبا إلى اوروبا أيضًا. منصة الحفر في حقل " كاريش " تنتصب على بعد كيلومترات جنوبي المنطقة المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل حول خط الترسيم بين المياه الاقتصادية لكلا الدولتين، القضية التي تجري بشأنها المفاوضات بوساطة امريكية، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن خط الحدود البحرية وحول استخدام الطرفين لحقول الطاقة.

على ما يبدو فإن هدف حزب الله هو تهديد إسرائيل من خلال استعراض القدرة على التسلل إلى منطقة المنصة بل والتهديد بمهاجمتها في المستقبل، وكذلك عرض صور جوية كمادة دعائية للتنظيم. وأتت اهداف أهداف حزب الله كالآتي:

_ تقديم نفسه كمدافع عن مصالح دولة لبنان والاهتمام بمستقبلها في مجال الطاقة.

_ إثبات انه لا يخاف من إسرائيل، وانه مستعد لمواجهتها من خلال استعرض قدرته على مهاجمة منصات الغاز الإسرائيلية في البحر الابيض المتوسط.

_ زيادة التوتر في سياق الخلاف بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وتقاسم موارد الطاقة في البحر، وفي ذات الوقت ردع الشركات الاجنبية عن الاستثمار في المشاريع التي تخدم إسرائيل.

_ تحسين المواقف أمام الولايات المتحدة التي ترعى الوساطة، او بدلا من ذلك احباط امكانية التوصل إلى اتفاق.

يبدو أن حزب الله تجاوز نقطة الاحتمال الضئيل للرد الإسرائيلي في الوقت الراهن، بسبب ضعف النظام السياسي في إسرائيل وتفضيلها لحد وهضم الاحداث التي تنطوي على احتمالية التصعيد، لا سيما قبيل زيارة بايدن إلى إسرائيل والسعودية.

يمكن التكهن ان إيران تقف خلف كواليس إطلاق المسيرات، كشريكة في التخطيط. خلال السنوات الاخيرة وسعت إيران إلى حد كبير صناعة انتاج المسيرات من مختلف الطرازات، بما في ذلك المسيرات الهجومية - المحملة بالمواد المتفجرة ومدى تشغيلي يبلغ مئات الكيلومترات. كما تسعى إيران جاهدة إلى نقل المسيرات المتنوعة إلى وكلائها في الشرق الاوسط: في العراق، سوريا، لبنان، اليمن وحتى في قطاع غزة. هكذا وبالتدريج أصبحت المسيرات الهجومية تهديدا مركزيا في جميع انحاء الشرق الاوسط، مع استغلال صعوبة تعقب بصمة اصابع الجهة المطلقة في بعض الأحيان، ومحدودية اكتشاف مسارات التحليق على ارتفاع منخفض جدا، والتعامل معها على أنها سلاح يستخدم دون عتبة الحرب.

زعيم حزب الله حسن نصر الله يرى في استخدام المسيرات ومنظومات الدفاع الجوية نوعاً من التوازن الاستراتيجي مع التفوق الجوي الاقليمي الإسرائيلي. كما أن حزب الله ضاعف مؤخراً من استخدامه للمسيرات والماسحات للتصوير لخدمة دعايته ضد إسرائيل، على أساس يومي تقريبا، وتعقب أعمال بناء العائق الامني على امتداد الحدود الإسرائيلية - اللبنانية. قبل حوالي ثلاثة أشهر تسللت طائرة صغيرة من غير طيار في عمق المجال الجوي الإسرائيلي. حتى ان زعيم حزب الله حسن نصر الله تفاخر في العام المنصرم بأنه "منذ ان بدأنا استخدام منظوماتنا الدفاعية الجوية " نجح تنظيمه في تقليص حرية التحرك الجوي الإسرائيلي في أجواء لبنان. في 5 ابريل 2022 حظيت هذه الاقوال على مصادقة على لسان قائد سلاح الجو المغادر الجنرال عامي كام نوركين، الذي اعترف في لقاء امام الكاميرات بقوله انه في السنة المنصرمة تضررت بالفعل حرية التحرك الإسرائيلية في لبنان.

ناحية أخرى يتحدى عندها حزب الله إسرائيل هي تسلل المسيرات إلى اراضيه (يمتلك التنظيم مئات المسيرات لجمع المعلومات وللهجوم أيضًا) وكذلك في اثبات التهديد المباشر للمواقع الاستراتيجية في إسرائيل وفي مياهها الاقتصادية. رغم نجاح الجيش الإسرائيلي في اكتشاف واعتراض المسيرات التي أطلقها حزب الله، فإن عدم رد إسرائيل على تسللها سيؤدي بنا بالضرورة إلى الحدث القادم، والذي من الممكن ان يحدث في ظروف اقل اريحية لإسرائيل. من جهة إيران وحزب الله الاغراء الكبير لضرب منصة الحفر الإسرائيلية خارج مياهها الاقليمية بحجة انها منطقة بحرية محل خلاف بين البلدين. يصعب ان نستبعد التقدير بأن حزب الله وإيران سيحاولان ان يختبرا عما قريب اصرار الحكومة الإسرائيلية الانتقالية، وفحص مساحة ضبط نفسها بل ومحاولة خلق فرصة لتغيير قواعد اللعب على هذه الساحة.

وعليه نوصي بأن تدرس إسرائيل الاستفادة من الصراع الدائر في المجال الجوي في مهاجمة المنظومات الدفاعية الإيرانية التي تزود بها حزب الله في لبنان. وذلك من اجل التلويح للتنظيم بأن إسرائيل ليست مرتدعة عن المواجهة وأنها لن تسمح له بتوسيع حدود المعركة التي يخوضها ضدها. رغم ان في ذلك مخاطرة بالتصعيد، بسبب حاجة حزب الله إلى الرد وحاجة نصر الله شخصيا " إلى قول الكلمة الاخيرة " (في كل جولة)، لكن التوقيت الحالي - الازمة الاقتصادية والسياسية في لبنان والمناقشة بين الدول العظمى وإيران حول تجديد الاتفاق النووي - لا يناسب التصعيد الموسع حد الحرب بالنسبة له وبالنسبة لإيران بحيث من المتوقع أيضًا ان يحاول تقليص المواجهة بتبادل الضربات المحدودة في الزمن والقوة دون الانزلاق إلى حرب واسعة النطاق ومتواصلة.


المصدر: مركز دراسات الأمن القومي




روزنامة المحور