الثلاثاء 27 نيسان , 2021 03:28

هل تسعى إيران لحيازة القنبلة؟

محطة نووية إيرانية

إنسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية دولية تمنع إيران من حيازة السلاح النووي وتفرض عليها رقابة دقيقة بهذا الشأن، لكنها الآن تحاول العودة إلى الإتفاق بقوة لكن بشروط. النقاش السياسي الدائر حول هذه القضية أخذ بعين الإعتبار قضايا النزاع بين إيران والمحور الغربي، مرة للقول بأن المشكلة ليست في المسألة النووية بل في خوف الإستعمار الغربي الحديث من حالة التحرر التي تدعهما إيران في كل المنطقة، ومرة أخرى للقول بأن التفاوض حول المسألة النووية لوحدها غير كافٍ ولا بد من إدراج عناوين إضافية على الطاولة.

بعيداً عن النقاش السياسي، المسألة النووية بحد ذاتها تستحق النقاش، لناحية الثقة وإجراءاتها الضرورية لأي توافق بين طرفين، فهل طرح الغرب المسائل الإقليمية وقضية الصواريخ الباليستية لأنه يستخدم القضية النووية كحجة للإكراه، وكمفتاح للتفاوض، أم أن المسألة النووية بحد ذاتها هي محل التركيز، والقضايا الإضافية تبقى محل اهتمام لكنها لا تصعد إلى مستوى الأولوية.

تعامل ترامب بشكل معاكس، مدفوعاً بضرورة الإنكفاء من المنطقة التي ورطت أمريكا بسبع تريليونات من الدولارات، ومستنداً إلى توقعات مبالغ فيها بشكل مفرط لناحية فاعلية حملة الضغوط القصوى، إلى حد قول مستشاره للأمن القومي جون بولتون أنه سيقضي عطلة رأس السنة في طهران، فالضغوط القصوى كانت بنظر فريق ترامب ستؤدي إلى منع ايران من اعتماد سياسة صلبة تسمح لها باتخاذ قرارات تطوير التخصيب سواءً بحدود عسكرية أو حتى أقل من ذلك، هكذا كان يأمل ترامب، لكن آماله بدأت بالتراجع، وجاءت جائحة كورونا لتعيد له الأمل في نهاية ولايته بامكانية تراجع إيران، لكن دون جدوى.

أدرك بايدن أن طريق العقوبات خائب وغير مجدٍ حتى في المدى المتوسط او البعيد، ولذلك يعود الآن إلى المفاوضات النووية رغم الصعوبات التي تعترضه في العملية التفاوضية أو حتى في الداخل الأمريكي بمعارضيه ومشكلاته، فهل هذه العودة جاءت كاستجابة للتهديد النووي بحد ذاته أم استجابة للضرورات وللظروف الإقليمية؟

للإجابة نحتاج للبحث في مسألة الثقة، هل لدى الأمريكي والغربي شك بأن إيران يمكن أن لا يكون لديها مشروع نووي عسكري؟ أو بصيغة أخرى، ما هو احتمال أن لا يكون هناك مشروع إيراني لقنبلة نووية في العقل الغربي؟ لا أريد في الإجابة عرض الطروحات الغربية والآراء المختلفة في هذا المجال، لأنها يمكن أن تصنف، بشكل منطقي، في خانة تحضير البيئة الإعلامية للتفاوض والعقوبات الملحقة به، لكن لنذهب إلى مطالعة من عدة جوانب حول مسألة الثقة وتحديداً الثقة الغربية في سلمية المشروع النووي. ما هي عوامل الثقة وما هي نقاط الضعف التي تشوبها؟ سنقارب المسألة من عناوين خمس : الحاجة، القدرة، الثورة، الثقافة والرقابة، وهي العناوين التي تشكل الأسئلة المقلقة للغرب فيما يخص القنبلة النووية الإيرانية.

  1. الحاجة

هل تحتاج إيران إلى القنبلة؟ وإلى أي حد؟ وما هي الدوافع والنقائص التي تدفعها إلى ذلك؟ لا شك أن دوائر التحليل الغربي تأخذ بعين الإعتبار حجم الاعتداءات التي تعرضت لها إيران خلال الحرب المفروضة والدمار الذي خلفه القصف العراقي، وكذلك الاتجاه الاستقلالي الصارم لدى إيران والذي لا يمكن أن تقبل به الدول الغربية، وبالتالي حاجة إيران إلى المزيد من الردع، كلما اكتسبت المزيد من القدرة والتطور. من جانب آخر فإن المشروع الصيني واعتماده على إيران كنقطة محور جغرافياً ومرتكز استراتيجياً، سيعرض إيران للضغوط من الدول الغربية المسلحة بالقدرات النووية، ويدفعها لحيازة المزيد من أوراق الردع، وهذا ما ينبغي أن يكون المحلل الغربي قد وضعه في الحسبان. والنقطة الأخيرة، هي دعم إيران لحركات تعمل للتحرر من هيمنة وتسلط الكيان الصهيوني، واحتمال تعرضها لعمليات انتقامية من قبل إسرائيل، الدولة النووية. إذن ثمة جوانب عديدة تشكل الحاجة الإيرانية للقنبلة في المنظار الغربي، وهذا صدع أساسي في الثقة.

  1. القدرة

تمتلك إيران الموارد الكافية للقيام بتصنيع السلاح النووي، ولذلك من غير المفهوم، مع وجود الحاجة الملحة والمصيرية لذلك، أن تمتنع عن السعي لتحصيل ورقة ردع ضرورية، كما أنها تملك الخبرات الكافية والتي تعتمد على الكوادر المحلية، ما يجعل مشروع القنبلة غير مرتبط بأي قرار سياسي خارجي. في المنظار الغربي هذا صدع آخر، واجتماع الحاجة مع القدرة يدفع بطبيعة الحال إلى المزيد من القلق.  

  1. الثورة

تمتلك إيران مشروعاً طموحاً، ولذلك فإن توفر القنبلة سيسمح لها باستكمال هذا المشروع بشكل آمن ودون التعرض للتهديد والردع النووي، كما أن إيران ومنذ انتصار الثورة عام 1979 مثلت حالة خاصة لناحية اندفاعها الكبير والطاقة الدافعة نحو الخارج والتي جعلت منها عنصر تأثير إقليمي وعالمي باتجاه ثوري، والاتجاه الثوري الذي يعمل دوماً لتخطي الحدود والحواجز والتحرر من القيود، من الطبيعي أن يذهب باتجاه وإلى مدى امتلاك القنبلة. من جهة أخرى، يناقش الغربي في قضية التقية، ويظن أن إيران تعتمد موقفاً براغماتياً من المسالة النووية العسكرية، ولا يمكنه أن يتصور التعارض بين الاتجاه الثوري والحكم الديني، بحيث يتحكم الحكم الديني بالاتجاه الثوري، رغم كثرة المؤشرات التي تدل على ذلك.

  1. الثقافة

يعاني الغرب من انعدام القدرة على فهم حقيقة مسألة الفتوى الشرعية، ومدى حاكميتها وتأثيرها النفسي والمعنوي والمؤسساتي والقانوني في الجمهورية الإسلامية، كما يعاني من عدم القدرة على المقارنة بين ثقل الحاجات والقدرات والقناعات التي تدفع باتجاه امتلاك القنبلة، وبين ثقل الفتوى، فلا يمكنه تصور أن الفتوى التي تبنى على أساس ديني أخلاقي يمكن أن تكبح كل هذه الدوافع الضرورية. فالغرب لا يعمل من خلال الضوابط الأخلاقية، ولذا لا يمكنه أن يتصور أن تتحكم الأخلاقيات بالسياسة خصوصاً في القضايا المصيرية.

كما يقلق الغربي من نقطة دقيقة، وهي الحافة النووية، أي امتلاك إيران كل القدرات اللازمة لبناء القنبلة النووية، لكن دون جمعها في منظومة الإطلاق والتفجير، بحيث تكون الجهة التي وصلت إلى الحافة النووية قادرة على صناعة القنبلة خلال أيام معدودة، وبذلك تمتلك ردعاً متضمناً تحت مستوى الفتوى الشرعية، وهو ما تقترب الآن منه عملياً مع وصول التخصيب إلى نسبة الستين في المائة.

يقلق الغربي من نقطة أخرى كذلك، وهي امكانية أن الفتوى الشرعية تحرم امتلاك القنبلة لا استخدامها وفق رؤيته، فامتلاكها سيكون أمراً أخلاقياً ولا يتجاوز الحدود الشرعية التي أقرتها الفتوى، وهذا الامتلاك بحد ذاته سيشكل بنية الردع الإيراني القادم، والذي سيعني الكثير لإيران وللمنطقة ولقوى التحرر.

  1. الرقابة

 يخشى الغرب من أن الرقابة التي كانت قائمة خلال فترة الإتفاق، وخلال مرحلة انسحاب الولايات المتحدة منه، وحتى اعلان ايران تحررها من القيود وبدئها رفع مستوى التخصيب، تلك الرقابة يمكن أن تتعرض للاختراق، ويسير البرنامج العسكري بصمت خلف الكواليس، وكان ثمة مؤشرات غربية كثيرة بهذا الصدد. أعتقد أن الغرب يحاول أن ينزع أدوات القوة غير التقليدية (الصواريخ الباليستية، دعم حركات التحرر) التي تشكل القوة الفعالة، في حين تشكل القنبلة النووية القوة المعنوية الرادعة، فبعد نزع تلك الأدوات لا يفيد امتلاك القنبلة ايران، اذ لن تتمكن من توظيفها سياسياً، لنأخذ نموذج باكستان، فهل حلت مشاكلها الأمنية والسياسية وبالتالي الإقتصادية من خلال امتلاك القنبلة؟ فالرهان الغربي قام على أساس وقف البرنامج النووي المعلن وتجريد إيران من القوة التي قد تستخدمها تحت غطاء قنبلة نووية سرية، فالرقابة لوحدها لا تكفي وهذا صدع أساسي في الثقة، حيث أن الرقابة تشكل خط الدفاع الأخير الثقة في حال سقطت الخطوط الأخرى، فهي أداة مباشرة وملموسة.

بناءً على كل ما تقدم، فإن العودة الأمريكية إلى الإتفاق يمكن أن تخفف من القلق الغربي لكنها لن تلغيه، في حين أن عدم رفع العقوبات يؤدي في المنظار الغربي إلى حتمية القنبلة الإيرانية في وقت قريب، لذلك يطرح بعض المعلقين الصهاينة الذهاب إلى اتفاق مؤقت، تجري بعده مفاوضات لنزع أدوات القوة يبنى عليها التحرر من العقوبات بشكل كلي، وهذا ما يعطي للغرب القدرة على اعادة العقوبات بذريعة أسباب القلق نفسها في المستقبل في حال ظهرت أي مؤشرات تحررية لدى إيران أو نظرائها من حاملي فكرة التحرر، كما سيعيطه القدرة بطبيعة الحال على فرض ما يستيطع من الشروط من خلال الإبتزاز الأبدي.

فسواءٌ ارادت ايران صناعة القنبلة أم لا، أو امتلكت القنبلة أم لا، فإن الغرب ينظر إلى ايران كحالة تحررية تستفيد من كل الفرص والامكانات للتخلص مما يعرف بالإستعمار الحديث ولدعم كل من يريد التخلص منه، ولذلك فإن الضغوط عليه ستزداد بشكل هائل للعودة إلى الإتفاق، وسيضطر للتنازل عن الشروط بالتدريج، أو الذهاب إلى الحرب أو المصالحة مع الذات بشأن القنبلة الإيرانية وكونها واقعاً لا يمكن تفاديه.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

هادي قبيسي

مدير مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير، باحث متخصص في الشؤون السياسية، وخبير في السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.




روزنامة المحور