الإثنين 26 أيلول , 2022 02:32

المياه والتنمية الاقتصادية والتوطين في العقل الصهيوني

المياه والكيان المؤقت

سارع الكيان المؤقت في السنوات الأولى التي تلت اغتصابه فلسطين، إلى استجلاب مئات الألوف من يهود العالم إلى هذا البلد، وإحلالهم في مساكن العرب الذين شردهم.

ولهذا كانت "الأصولية الصهيونية" أول من نادى بتصفية القضية الفلسطينية عامة، وقضية اللاجئين خاصة، في إطار التوطين في البلدان العربية عن طريق خطط وبرامج للتنمية الاقتصادية في تلك البلدان، أو عبر التعاون العربي الإسرائيلي في هذه التنمية. وكانت الصهيونية تأمل أن يتحقق ذلك، في الوقت نفسه، إثنين من أغراضها، الأول انهاء اعتبار قضية فلسطين قائمة، وانهاء نظر الهيئات الدولية إليها كقضية قائمة، والثاني؛ تنمية الاقتصادات العربية تنميةً تزيد من قدرة المجتمعات العربية على الاستهلاك والتي جعلت البلدان العربية أسواقاً جيدة للمنتجات الإسرائيلية.

 بدأت محاولات "الأصولية الصهيونية" منذ العام 1949 ربط قضية اللاجئين الفلسطينيين، بقضية المياه، وقضية التنمية الاقتصادية في الشرق على نطاق إقليمي، أي النظر إليها كقضية اقتصادية، ومعالجتها عن طريق التذويب والإدماج – أي التوطين في إقليم الشرق الأوسط الحالي، أو إقليم الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.

ولقد ظهرت منذ عام 1939 مشاريع دولية للتنمية في الشرق الأوسط في إقليم الشرق الأوسط من أجل تسويق "التوطين". كان الأول "مشروع "أيونيدس" وهو عبارة عن معلومات وتوصيات ومقترحات أصبحت فيما بعد أساساً ومنطلقاً لمعظم المشاريع والدراسات التي جاءت بعد.

وقد جاء هذا المشروع بعد توصية لجنة "بيل" المكلفة بالتحقيق في أسباب الانتفاضة الفلسطينية 1936-1939 وتقديم الحلول لها.

ويقضي المشروع بتحويل جزء من مياه اليرموك بواسطة قناة تمر عبر الأراضي الأردنية بهدف تجميع مياه أودية العرب لرفع كمية المياه المستخرجة من مياه نهر اليرموك من 1.6 في الثانية إلى 2.56 متر في الثانية في نهاية عملية التجميع وذلك لري مساحة 45.300 دونم في أراضي الغور الشرقي.

-تخزين فائض مياه نهر اليرموك في بحيرة طبريا لسحب مياهها لري مساحة 300000 دونم من أراضي الغور الشرقي.

               -استثمار مياه اليرموك وطبريا مرتبط بحق امتياز شركة روتنبرغ.

تقدم كمية المياه التي يمكن تأمينها للري في شرق الأردن ب 742 مليون متر مكعب موزعة على الشكل التالي:

460 مليون متر مكعب من طبريا.

282 مليون متر مكعب من مجاري الوديان والآبار.

ويلاحظ أن المشروع يكرس الوجود اليهودي وسيطرته على الموارد المائية في فلسطين مع امتداد للكيان المؤقت إلى داخل الضفة الشرقية، وفي حال أي حل لمشاكل الفلسطينيين واحتياجاتهم للمياه فسيتم ذلك على حساب الأردن.

لم يرحب اليهود بمشروع "أيونيدس" لأنه لا يرمي إلى تلبية المطامع الصهيونية في فلسطين من ناحية السيطرة على الموارد المائية الفلسطينية بسبب معالجته لمسألة المياه حيث تغطي كل من فلسطين والأردن وحقوقهما وتأمين المياه للأردن على حساب مياه نهر اليرموك وبحيرة طبريا. وقد جاء الرفض وعدم الترحيب في الكتاب الذي وضعه "والتر كلاي لاودر ميلك" – أرض الميعاد – عام 1944 وتضمن الكثير من الأفكار والمقترحات والتوصيات التي شكلت نواة لمشروع باسمه. والذي أرسل إلى فلسطين عام 1938 من قبل الولايات المتحدة الأميركية لدراسة استثمار مياه نهر الأردن لإرواء الجنوب الفلسطيني وقد قام بدراسته خلال الحرب العالمية الثانية ووضع مقترحاته وتوصياته في كتابه السابق الذكر، ومن المقترحات التي ذكرها في كتابه:

  • أن كمية مياه حوض نهر الأردن تقدر بـ 1800 مليون متر مكعب تكفي لري 1200000 دونم، ومساحة الأراضي القابلة للاستثمار الزراعي في حوض نهر الأردن تقدر بـ 540000 دونم تحتاج إلى 800 مليون متر مكعب هذا يعني أن هناك فائضاً يقدر بـ 1000 مليون متر مكعب لتعويض البحر الميت عن المياه التي تصب فيه من خلال فتح قناة تربط البحر المتوسط بوادي الأردن لتحقق سقوطاً من على ارتفاع 400 متر واستخدامها في توليد الطاقة الكهربائية.
  • تشكيل هيئة عليا على غرار هيئة "وادي تنسي" في الولايات المتحدة الأميركية التي شًكلت لامتصاص اليد العاملة الأميركية العاطلة عن العمل، وتحريك رؤوس الأموال الأميركية. أي تشكيل الهيئة لامتصاص اليد العاملة الفلسطينية، وتحريك رؤوس الأموال اليهودية.
  • السيطرة على المشروع يجب أن تكون بيد اليهود.

ثم جاء مشروع وزير الداخلية البريطاني هنري موريسون الذي أعده في 20 كانون الأول 1943، والمحلق المتمم له في 24 كانون الأول 1944، والذي تم نشره في صحيفة "الغارديان" البريطانية في العدد الصادر في 11 كانون الثاني 1972، وقد اقترح المشروع والملحق المتمم له تقرير مصير المشرق العربي وفق الخطة التالية:

-              إنشاء سورية الكبرى (لم يشر المشروع كيف).

-              إقامة الدولة اللبنانية الصغيرة – جبل لبنان –

-              تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية وأخرى عربية مع بقاء جيبين عربيين في الناصرة وآخر ما بين صفد وعكا.

-              تدويل مقاطعة القدس.

ورأى المشروع أن يدفع هذه الدول الأربع، إلى إقامة رابطة تعاهدية فيما بينهما لتتمكن من التوصل إلى ترتيبات للاتفاق على إدارة مشتركة للنقد والبريد والبرق والسكك الحديدية (أي دفعها نحو الاتحاد الكونفدرالي بلغتنا اليوم).

-              كما أوصى المشروع بضمان استقلال كيانات هذه الدول الأربع بموجب معاهدات "أنكلو-فرنسية" إن أمكن أو بمعاهدة "أنكلو-أميركية" مع ضمان المصالح الاستراتيجية "الأنكلو-فرنسية" في هذه الحالة.

-              أما ملحق هذا المشروع فقد طلب بعدم ضم الجليل وجنوب لبنان إلى سورية الكبرى واقترح اقتطاع جزء صغير من المنطقة الممنوحة للدويلة اليهودية في سهل الحولة بهدف إيجاد ممر يربط القسم الغربي من الجليل بسورية دونما حاجة لاجتياز لبنان.

ويجب التنبه إلى التوضيح الذي قدمه الوفد اليهودي إلى محادثات الهدنة عام 1949 والذي أكد فيه رفضه للحدود الحالية "لأن رسم حدود خارطة التقسيم التي وافقت عليها الأمم المتحدة تم على أساس وجود السلام والتعاون الاقتصادي بين إسرائيل وجيرانها ولكن الأوضاع القائمة بسبب العدوان العربي جعلت هذه الحدود غير مقبولة".

هدفت المشاريع في الظاهر لتوزيع المياه، والهدف المُعلن التنمية الاقتصادية لمساعدة اللاجئين، ولكنها في الأساس تهدف لترسيخ الكيان المؤقت وتأمين احتياجاته إن من حين الموارد المائية أو الموارد الاقتصادية.





روزنامة المحور