الإثنين 01 تشرين ثاني , 2021 09:38

لبنان ليس حضانة، وانتهى زمن المربيات!

سيادة لبنان

هكذا تعودنا في لبنان، رجال السياسة بمعظمهم إما منحدرون من إقطاعيات المال والبيوت السياسية أو متسلقون عليها، وهذا ما يصعب الأمر عليهم حين يأتي أوان الفصل ما بين الكلمة الحرة والموقف الوطني الصادق من جهة، وما بين مصالح ذلك النائب أو ذاك الوزير التجارية والمالية من جهة أخرى. فالأول لا يمكنه الخروج عن خط الدولة والوطنية، والثاني لا يسير إلا على خط المال والمصالح. بالتأكيد هناك صحافيون يباعون ويشرون بالمال، وهناك صحافيون يعانون الفاقة لأنهم أصحاب مبادئ. كما أن هناك سياسيين أصحاب مبادئ وآخرين يقيسون مصالح الدولة بحسب مصالحهم. ولكن الفرق ما بين ذلك وذاك، هو مقياس الشجاعة، وصاحب المال في الغالب جبان.

ليس من السهل على أيّ حرّ في لبنان أن يمرّ على ما حدث مع وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي مرور الكرام. ما يحدث معه ينسب للئام! وليس من السهل على من آمن بالمقاومة كأسلوب حياة، أن يقابل التنمر بكلام التراضي. وبصراحة هناك فرق شاسع في انتهاج المواقف ما بين رجال المال والرجال الرجال في الإعلام والسياسة، وفي لبنان تختلط الأمور لحد خبصها أحياناً. لكن جورج قرداحي استطاع عبر الكلام الذي صرح به في مؤتمره الصحفي أن يكون رجل دولة حرٍّ ومستقل. 

في الحقيقة، لم يزعج الأمير السعودي تصريح الصحافي جورج قرداحي حول حرب اليمن العبثية، بقدر ما أهانته شجاعة الوزير في مؤتمره الصحافي، لن نعيد ما قال، ولكن يكفي أنه صاحب موقف، فصل الصحفي فيه عن رجل الدولة في الحكومة اللبنانية، ورفض في الوقت نفسه أن يعامل كطفل في حضانة، تديره المربية كيفما شاءت. فلقد نضج جورج قرداحي الإنسان والمثقف والسياسي منذ زمن طويل، وهو ليس بحاجة لمن يوجهه بما فيه خير لبنان وخير منصبه كوزير للإعلام.

ابتدأ موت لبنان السريري في العام 2011، عندما ارتضى لبنان أن يسلم الثور الأبيض، لكي يأكله الذئب، لأنه ارتضى بالناي  بنفسه عن سوريا يومها، وهيهات فسوريا ليثُ وأكبر بكثير من ذئب. وبعد التهديد بإغلاق البنك اللبناني الكندي ووضعه على قائمة الإرهاب في العام 2011، كانت الفاتحة في إدراج العقوبات الأميركية على بنوك أخرى ووضعها على لائحة أوفاك، وصولاً إلى جمال ترست بنك في العام 2019. تخاذل أصحاب البنك اللبناني االكندي يومها وركضهم للإندماج مع بنك سوسيته جنرال لم يعفهم من العقوبات والملاحقات الأميركية، لأن الأخير رفع عليه دعوى من قبل أهالي الأميركيين الذين قتلوا في العراق، فيما لا تخضع أيّ من بنوك العراق لأية عقوبات.

كان يجب تعلم الدرس في العام 2011، ولكن من سمح للذئب يومها بالتقدم لأكل الثور الأبيض، في كل مرة وللأسف يعود ليرتكب الخطأ نفسه. واليوم هو من يحاول تقديم الوزير قرداحي أضحية على مذبح السعودية. جوقة الخليج التي عزفت على موسيقى التطاول على السعودية والتضامن معها والوقوف إلى جانبها، هي جوقة بدأت بتلمس رأسها. فبعد سنين من حصار اليمن ومحاولة إغراق أهله بالفقر والعوز، بسبب انقلابه على الملكية، ووقوفه ومصر جمال عبد الناصر جنباً إلى جنب ضد السعودية، مايزال يدفع حتى اليوم ثمنه حقداً عليه، لأنه خرج عن اجماع الأنظمة الحاكمة الملكية في باقي الجزيرة العربية. وإذا ما انتصر اليمن، وسينتصر في حربه على الإرهاب السعودي المتمثل بالقاعدة، وعلى التحالف السعودي، باسم التحالف العربي، وهو ليس من العرب بمكانة، وانتصر على التحالف الصهيوني وبقي وفياً لفلسطين وأهلها، فسيكون قد انتصر مع الأحرار في الجزيرة العربية على التحالف الملكي والأميري، ولا أحد يعرف من ستكون دولة الإنقلاب القادمة.

صدمت المملكة بأن اليمني قد تخرج من الحضانة، وأنه انطلق لملاقاة الحياة، تماماً كما صدمها وجود متفلت من مدرستها في حكومة ميقاتي، اسمه جورج قرداحي، الوزير المسيحي الجريء في موقعه. واليوم، لا أحد يعلم من هم الآخرون الذين سيلاقونه ليكملوا معه الطريق. في الحقيقة، الطريقة التي تحدث بها رئيس وزراء الدولة اللبنانية تعيدنا إلى مربع النأي بالنفس الذي ابتدأ به احتضار لبنان، عندما قطعت العلاقات مع الشام، وامتلأت ساحاتها ومدنها وبيوتها بإرهابيي السعودي والإماراتي والقطري والتركي ودول الغرب مجتمعة قادمين من لبنان. وقطع شريان رئيسي يتزود منه لبنان بالدم والأكسجين. فهل نعيد الكرة؟

أسباب نبش لقاء آب للوزير قرداحي لم يكن بريئاً بالتأكيد، وهو مرتبط بنوايا مبيتة ومنها: تعطيل الحكومة، أو دفعها نحو الإستقالة، أو ثأر شخصي من أجل الإنتقام من كلامه، أو لعب على الإنتخابات النيانية القادمة أو تعطيلها. كلها أسباب قائمة! ولكن المؤسف فعلياً، هو توالي التصريحات اللبنانية من مسؤولين سابقين وحاليين، كل يتشدق بما يناسب مصالحه الشخصية. وبصراحة، مشكلة جورج قرداحي: أنه مسيحي لبناني وطني عروبي أولاً، وقف وقفة حق، وتخرج من مدرسة الأحرار، ولم يلتحق بحضانة دخلها الكثير من السياسيين في لبنان ومازالوا ينتظرون فيها إذن مربيتهم بإستخدام بيت الخلاء.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: عبير بسام




روزنامة المحور