الثلاثاء 25 شباط , 2025 03:13

وداعًا للسيد حسن نصر الله: تشييعٌ يعيد تشكيل وعي الشعوب بالمقاومة والعدالة

تشييع السيد حسن نصر الله

في عالمٍ تتفكّك فيه الروابط الإنسانية وتتآكل القيم المشتركة تحت وطأة الصراعات السياسية والاقتصادية، تظهر لحظاتٌ نادرةٌ تذكّرنا بأنّ الإنسانية ما زالت قادرةً على التضامن في وجه الظلم. تشييع السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، كان واحدة من تلك اللحظات التي تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، لتصبح حدثًا عالميًا يعكس صراع الشعوب من أجل الحرية والكرامة. لم يكن هذا التشييع مجرد وداعٍ لرجلٍ، بل كان تعبيرًا عن إجماعٍ شعبيٍّ على قيم المقاومة والعدالة، وإعادة تشكيلٍ لوعي الشعوب بقضايا التحرّر.

النهر البشري: مشهديةٌ تعيد تعريف المقاومة

في صباح يوم التشييع، تحوّلت شوارع بيروت إلى نهرٍ بشريٍّ جارف، يتدفق من كل حدبٍ وصوب. لم يكن هذا الحشد مجرد تجمّعٍ لأتباع حزب الله أو المؤيدين لخطابه السياسي، بل كان تعبيرًا عن إجماعٍ شعبيٍّ على قيم المقاومة والعدالة. من الجنوب اللبناني إلى البقاع، ومن الشمال إلى الضاحية الجنوبية، سار الناس على الأقدام، متحدّين البرد القارس والعواصف الثلجية، ليودّعوا رجلًا أصبح رمزًا للمقاومة ضد الظلم والاحتلال.

لم يكن السيد حسن نصر الله مجرد قائدٍ سياسيٍ أو عسكريٍ، بل كان في نظر الكثيرين تجسيدًا لفكرةٍ أكبر من ذاته. لقد حوّل المقاومة من فعلٍ عسكريٍ إلى مشروعٍ ثقافيٍ واجتماعيٍ، حيث أصبحت الكلمة والمنطق سلاحًا لا يقلّ أهميةً عن الرصاص. في خطاباته، كان يخاطب العقل قبل القلب، ويقدّم حججًا متماسكةً تثير الإعجاب حتى لدى خصومه. لقد أثبت أنّه يمكن للفكر أن يكون أداة تغييرٍ قويةٍ، وأنّ المقاومة ليست مجرد رد فعلٍ على الظلم، بل هي رؤيةٌ لمستقبلٍ أفضل.

التشييع كحدثٍ عالمي: وحدة النضال ضد الظلم

في تشييعه، لم يكن الحضور مقتصرًا على اللبنانيين أو العرب، بل امتدّ ليشمل ممثلي الشعوب المضطهدة من كل أنحاء العالم. جاء القوميون لوداع البطل العربي، واليساريون لتكريم نصير الفقراء، والإسلاميون لتقدير من جنّب لبنان الفتنة الطائفية، وحتى المسيحيون الوطنيون الذين رأوا في السيد حسن امتدادًا لروح المسيح الفدائي. لقد كان التشييع تعبيرًا عن وحدة النضال ضد الظلم، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو السياسية.

 

هذا المشهد لم يكن مجرد حدثٍ عابرٍ، بل كان لحظةً فارقةً في تاريخ الوعي الإنساني. لقد أثبت السيد حسن نصر الله أنّ المقاومة ليست مجرد كفاحٍ مسلّحٍ، بل هي أيضًا كفاحٌ فكريٌ وثقافيٌ. لقد حوّل المقاومة إلى مشروعٍ إنسانيٍ، يتجاوز الحدود الضيقة للهوية الوطنية أو الدينية، ليصبح إلهامًا للشعوب المضطهدة في كل مكان.

إرث السيد حسن: من الفكرة إلى الوجدان

في لحظة وداعه، لم يكن الناس يودّعون رجلًا فحسب، بل كانوا يودّعون فكرةً، ورؤيةً، وحلمًا. لقد ترك السيد حسن إرثًا يتجاوز حياته الشخصية، إرثًا سيستمر في إلهام الأجيال القادمة للنضال من أجل الحرية والعدالة. وفي هذا المعنى، لم يكن رحيله هزيمةً، بل كان انتصارًا جديدًا لفكرة المقاومة، التي تظلّ حيةً في قلوب وعقول من يؤمنون بأنّ الظلم لن يدوم إلى الأبد.

لقد أثبت السيد حسن أنّ المقاومة ليست مجرد فعلٍ عسكريٍ، بل هي أيضًا فعلٌ ثقافيٌ وفكريٌ. لقد حوّل المقاومة إلى مشروعٍ إنسانيٍ، يتجاوز الحدود الضيقة للهوية الوطنية أو الدينية، ليصبح إلهامًا للشعوب المضطهدة في كل مكان. وفي هذا المعنى، كان تشييعه تعبيرًا عن وحدة النضال ضد الظلم، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو السياسية.

المقاومة كفعلٍ إنسانيٍ

في النهاية، تشييع السيد حسن نصر الله لم يكن مجرد حدثٍ لبنانيٍ أو عربيٍ، بل كان حدثًا عالميًا، يعكس صراع الشعوب من أجل الحرية والكرامة. لقد أثبت أنّ المقاومة ليست مجرد فعلٍ عسكريٍ، بل هي أيضًا فعلٌ ثقافيٌ وفكريٌ، وأنّ الانتصار الحقيقي هو انتصار الفكرة، التي تظلّ حيةً حتى بعد رحيل الأفراد. وفي هذا المعنى، كان تشييعه لحظةً فارقةً في تاريخ الوعي الإنساني، لحظةً تذكّرنا بأنّ النضال من أجل العدالة والحرية هو نضالٌ إنسانيٌ، يتجاوز الحدود والهويات.


الكاتب:

د.محمد الأيوبي

كاتب صحفي فلسطيني
بكالوريوس في الصحافة والإعلام
دكتوراه في الحقوق
[email protected]




روزنامة المحور