هو أكثر من وقف إطلاق للنار غير مشروط، هو انتصار حققته الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد مواجهة دامت أكثر من 11 يوماً، عندما أفشلت كل أهداف العدوان الأمريكي الإسرائيلي عليها، وأوقعت خسائر جسيمة في الكيان المؤقت، لن يكون سهلاً على نتنياهو وحلفائه في القادم من الأيام التستر عليها، فضلاً عن تعويضها.
فكيان الاحتلال الذي كانت فلسفة وجوده واصطناعه من قبل الغرب والحركة الصهيونية، هي أن يكون قاعدة أمامية بمواجهة "آسيا المتوحشة". أظهر بأنه عاجز عن مواجهة دولة محاصرة منذ أكثر من 45 عاماً وبقدراتها الذاتية فقط، وبأنه ليس ملاذاً آمناً لملايين المستوطنين، رغم عقود من الدعم الغربي المفتوح، عسكرياً ومالياً وتكنولوجياً، كماً ونوعاً مع ضمان لحفاظها على عامل التفوق في منطقة غربي آسيا.
ويكفي استعراض أهداف العدوان – المعلنة وغير المعلنة - التي صرّح بها بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى لعملية "الأسد الصاعد"، وقياس مدى تحققها، كي يُستدل على الفشل الإسرائيلي الكبير:
_القضاء على البرنامج النووي الإيراني نهائياً:
هذا الأمر لم يتحقق إطلاقاً، لا عبر استهداف المنشآت ولا حتى باغتيال العلماء النوويين والمتخصصين الشهداء. فالجمهورية الإسلامية استعدت لحصول هذا السيناريو منذ سنوات، من خلال توطين المعرفة النووية وجعلها قادرة على النمو والتكاثر، ومن خلال تعزيز أمن المنشآت النووية بحيث لا تستطيع أخطر القنابل والقذائف الخارقة للتحصينات الوصول إليها.
وعليه بعد 11 يوماً، ووفقاً لتصريحات مسؤولي الجمهورية الإسلامية حول هذا الأمر، ستعيد إيران تفعيل نشاطها النووي الى سابق عهده، وربما بوتيرة مضاعفة.
_ القضاء على البرنامج الصاروخي الباليستي:
تمكنت إيران من ضرب عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، بقوة عسكرية غير مسبوقة في تاريخ الكيان، بنوعية متطورة من الصواريخ والمسيرات، وبأعداد كبيرة وصلت الى حوالي 600 صاروخ و1000 مسيرة، واستطاعت تخطي أكثر من 5 طبقات من الدفاع الجوي والاعتراضي.
_إضعاف نظام الجمهورية الإسلامية:
أكّد العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران من جديد، بأن شعب الجمهورية الإسلامية بمختلف مكوناته السياسية والعرقية، يواجه الحرب الخارجية بأرقى شكل من الوحدة، في ظلّ قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي.
مجلس الأمن القومي الإيراني يعلن الانتصار
وبالرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية ومن بعدها كيان الاحتلال الإسرائيلي الوصول الى اتفاق لوقف إطلاق النار. كانت الضربة الهجومية الأخيرة من نصيب الجمهورية الإسلامية، كونها الطرف المُعتدى عليه، وصاحبة الحق في هذه المواجهة. وكانت الهجوم الإيراني الأخير مدمراً بشكل كبير، لا سيما في منطقة بئر السبع التي سقط فيها 6 قتلى حسب تصريح الإسرائيليين.
ولم يدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إلا بعد بيان مجلس الأمن القومي الإيراني الذي جاء فيه:
"بشأن فرض وقف الحرب على العدو الصهيوني وحلفائه الأشرار، أيّها الشعب الإيراني الشامخ والمقاوم، في مواجهة عدوان العدو الصهيوني، لبّى أبناؤكم الشجعان والمضحّون في القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية نداء القائد الأعلى للثورة الإسلامية والقائد العام للقوات المسلحة، وردّوا على كل شر وعدوان من العدو بردٍّ ساحق وبشجاعة نادرة. وقد كان آخر هذه الردود استهداف قاعدة “العديد” الأمريكية، ثمّ تلاه قصفٌ صاروخي شامل طال الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
إنّ وعيكم وتوقيتكم الدقيق، وصمودكم ووحدتكم النادرة، أسقطت الاستراتيجية الأساسية للعدو، ومهّدت الطريق ليظهر المقاتلون الإسلاميون قوّتهم المذهلة التي بُنيت على سنوات من الجهاد الإبداعي والمثابرة المستمرة، حيث استطاعوا خلال 12 يومًا من المقاومة الدموية والمدروسة، أن يردّوا على كل عدوان في حينه وبالشكل المناسب.
إنّ النصر الذي تحقق، هو هبة إلهية، تتويجًا لمواقف هذا الشعب العميقة والواعية، ولمجاهدات المقاتلين الأبطال، ولقيادة حكيمة تمثّلت في تدبير الإمام، وقد أجبر هذا النصر العدو على الندم وقبول الهزيمة ووقف هجماته من جانب واحد.
وعليه، تُعلن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية لشعبنا العزيز والبطل، أنّ القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، دون أن تولي أي ثقة بكلام الأعداء، ما زالت في حالة تأهّب تام، وأصابعها على الزناد، وهي مستعدة للرد الحازم والمُوجع على أي عدوان قادم."
صراع داخلي قادم في الكيان
في المنقلب الآخر، بدأ ما يشبه الإجماع الذي حققه نتنياهو خلال عدوانه على إيران يتصدع، بسبب فشله في تحقيق الأهداف. وفور وقف إطلاق النار خرجت أصوات لمسؤولين معارضين وخبراء ومحللين تؤكد بأن الحرب لم تحقق أهدافها، وبذلك فإن نتنياهو لم يخرج من الحرب بطلًا كما كان يطمح، بل كمتهوّر تسبب بخسائر جسيمة للكيان ومستوطنيه (مواقف أفيغدور ليبرمان، وغادي إيزنكوت، ويائير لابيد، يائير غولان…).
وعليه فإنه من المرجّح جداً في الفترة القادمة أن تتصاعد حدّة الصراع الداخلي في إسرائيل، خاصةً بعد تكشّف حجم الخسائر الحقيقي التي لحقت بالكيان خلال العدوان.
الكاتب: غرفة التحرير