الأربعاء 06 آب , 2025 11:03

قرار العار: الحكومة تضع لبنان تحت الاحتلال وتفتح الباب لدماء اللبنانيين

جوزاف عون ونواف سلام

لم يكن قرار الحكومة اللبنانية الأخير بحصر السلاح بيد الدولة مفاجئًا لمن تابع التحضيرات الأميركية والسعودية التي سبقت الجلسة الحكومية المثيرة للجدل. القرار جاء تتويجًا لضغوط هائلة مورست على رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، وبعد تدخل مباشر من المبعوث الأميركي توماس براك والمندوب السامي السعودي يزيد بن فرحان، في نسخة محدثة من مشهد 17 أيار عام 1983، يوم سلخت السلطة آنذاك لبنان عن معادلة القوة والمقاومة، وسلّمته على طبق من ذهب لإسرائيل بحجة تحقيق الاستقرار.

منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أنّ رئيس الحكومة نواف سلام محكوم بالأجندة السعودية – الأميركية. أما رئيس الجمهورية جوزاف عون فكان يظهر انه يريد تدوير الزوايا وعدم أخذ لبنان الى الهاوية، لكن الواقع كشف ما دار في اجتماعه مع الوسطاء الأميركيين والسعوديين ونقله لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد في لقائهما الأخير: "لا أستطيع تحمّل هذه الضغوط". هذه العبارة تكفي لتلخيص حقيقة القرار الحكومي: ليس دفاعًا عن الدستور ولا حمايةً للسلم الأهلي، بل رضوخ تام لإملاءات الخارج، على حساب دماء اللبنانيين ومستقبل بلدهم.

قرار غير دستوري يهدد السلم الأهلي

المشكلة في القرار الحكومي ليست سياسية فحسب، بل قانونية ودستورية أيضًا. فملف السلاح لا يمكن البتّ فيه من دون ميثاقية واضحة، إذ يتعلّق بإجماع طائفة كبرى تمثل مكونًا تأسيسيًا في الكيان اللبناني. ومع ذلك، تعاملت الحكومة مع هذا الملف كأنه مجرد تعيين إداري، متجاهلةً الميثاقية، ومتناسيةً أن أي تصويت على هذا النوع من القرارات لا يكتسب الشرعية الدستورية إذا غاب عنه الإجماع الوطني، كما ان قرار الحكومة لا يمكن ان يكون فوق الدستور أي وثيقة الطائف التي شرّعت لللبنانيين حق الدفاع عن النفس.

الأخطر من ذلك، أنّ القرار يجعل الدولة اللبنانية شريكًا مباشرًا في دماء اللبنانيين. فإسرائيل في أي عملية عدوانية على لبنان بعد اليوم سوف تدّعي أنها تساعد في تطبيق قرار لبناني رسمي يطلب "نزع سلاح حزب الله". هذا القرار سيكون منصة ضغط سياسي وإعلامي، وتبريرًا لأي عدوان، حتى لو بقي حبرًا على ورق ولا إمكانية لتطبيقه عملياً، لا سيما وانه لا يوجد قوة في لبنان قادرة على نزعه بالقوة.

جيش مأزوم في مواجهة نار الداخل والخارج

القرار الحكومي يضع الجيش اللبناني في فوهة المدفع، ويرمي كرة النار إليه. يُطلب منه أن يضع خطة لنزع سلاح المقاومة وتنفيذه في مهلة زمنية حتى نهاية عام 2025، في حين أن ضباطه وجنوده ينتظرون راتب المئة دولار آخر كل شهر، وتسليحه محاصر أميركياً. أي مغامرة عسكرية ستقود حتمًا إلى تفكك الجيش وانقسامه إلى جيشين، وتفتح الباب على مصراعيه لتهديد السلم الأهلي. إنها الحلقة الأخيرة من مخطط تدمير الجيوش العربية، بعد العراق وسوريا، وها هو الدور يصل إلى الجيش اللبناني! هذا ما يريده الأمريكي والإسرائيلي.

لبنان على حافة 17 أيار جديد: حكومة تبيع الأمن والسيادة لأوهام الخارج

جوهر هذا القرار ليس جديدًا: إنه نسخة معاصرة من اتفاق 17 أيار، مع فارق أن المخرج اليوم سعودي – أميركي، وليس إسرائيليًا مباشرًا. ورقة توماس براك التي وافقت عليها الحكومة تضع جدولًا زمنيًا لنزع سلاح حزب الله مقابل وعود بالاستقرار، وحوافز مالية ومؤتمرات إعادة إعمار. أوهام تتكرر منذ أكثر من 40 عامًا: "الاستقرار تحت الاحتلال يجلب الازدهار". ولدينا شواهد واضحة عن هذه النماذج في كل من مصر والأردن اللتين طبعتا مع الاحتلال وازدادت أوضاعهما الاقتصادية سوءا.

لكن التاريخ يعيد نفسه: لن تجلب هذه القرارات إلا الخراب، وستسجل في التاريخ كخيانة وطنية تشبه خيانة 17 أيار. الفرق الوحيد أنّ المقاومة اليوم أقوى وأكثر رسوخًا، ولن تسلّم سلاحها مهما اشتدت الضغوط. كما قال الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله: "حزب الله لن يسلم سلاحه حتى لو اجتمع العالم كله".

سيناريوهات المرحلة المقبلة

المرحلة المقبلة لن تكون هادئة. السيناريو الأقرب هو تصعيد سياسي وإعلامي أميركي – سعودي ضد حزب الله، مع استمرار الضغط على الجيش والحكومة لتطبيق قرار نزع السلاح تدريجيًا. في المقابل، ستتمسك المقاومة بسلاحها باعتباره الضمانة الوحيدة لبقاء لبنان، في مواجهة الأخطار الخارجية من الجنوب والشرق، وأخطار الداخل من الجماعات التكفيرية والعناصر الإرهابية المتسللة من سوريا.

الحكومة، برؤسائها ووزرائها الذين رضخوا، ستتحمل المسؤولية الكاملة عن أي انزلاق أمني أو دماء تسفك على أرض لبنان. سيكتب التاريخ أنّ هذه السلطة تخلّت عن حماية بلدها، وتوهمت أنّ الرضا الأميركي والسعودي سيحمي لبنان من العدو الإسرائيلي، الذي لم يعترف يومًا بقانون دولي، ويعلن أنه "شعب الله المختار" وانه فوق كل القوانين والقرارات الدولية وفق الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سيموتريش.

أما وقد بدأت حكومة نواف سلام الحرب على المقاومة، فقد بات الحزب أمام خيارات صعبة أحلاها مر، وقد يكون من المناسب ان تكون أولى الخطوات الدعوة لمظاهرات حاشدة في بيروت والمناطق لرفض قرار الحكومة والاعتراض عليه، ذلك للتأكيد على ان القرار لن يستطيع سحب المشروعية عن المقاومة وسلاحها، لأن مشروعيتها مستمدة من الشعب اولاً، ومن القوانين والمواثيق الدولية والدستور الذي يعطي اللبنانيين الحق في الدفاع عن النفس ثانيا، هذه الخطوة تتزامن مع بيان صادر عن الحزب يُفنّد فيه القرار الحكومي دستورياً وسياساً، ويعلن فيه موقفه الحاسم والقاطع منه.

أسئلة معلّقة على أبواب الانفجار

مع صدور القرار الحكومي، تتكدس الأسئلة الثقيلة:

-ماذا بعد صدور القرار؟ هل الدولة قادرة على تنفيذه؟

-هل السيناريو السعودي الأميركي يقود لبنان نحو مواجهة حتمية بين المقاومة والجيش؟

-هل سيستغل العدو الإسرائيلي القرار لشن عدوان جديد على لبنان من بوابتيه الجنوبية والشرقية؟

-ماذا بعد نزع السلاح؟ هل ستوقف إسرائيل اعتداءاتها اليومية؟

-من سيحمي الجنوب والبقاع وبيروت إذا تم تسليم السلاح؟

-هل تستطيع السلطة أن تفرض على الشعب اللبناني أن يعيش بلا قوة تحميه؟

-ومن يضمن ألّا يتحول لبنان إلى ساحة مفتوحة لاعتداءات العدو، أو إلى نسخة ثانية من غزة أو سوريا ما بعد سقوط بشار الأسد ووصول أحمد الشرع (الجولاني) الى السلطة؟

-ما هي الإجراءات التي ستتخذها قيادتا حزب الله وحركة أمل؟ وما هي الخيارات المتاحة لديهم سياسياً وشعبياً وغيرها؟ هل سينتقلان من مرحلة الدفاع إلى الهجوم؟ هل سيتحرك الشارع الغاضب؟ هل نحن أمام حدث دراماتيكي غير مسبوق؟

الحقيقة أنّ هذا القرار يضع لبنان رسميًا على أبواب مواجهة محتومة. إما أن ينهار تحت الضغط الأميركي – السعودي، وإما أن يختار خيار المقاومة والصمود. أما الحكومة الحالية، فقد اختارت أن تسجل اسمها في التاريخ تحت عنوان: "شركاء في الدم اللبناني". 


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني. 

[email protected]




روزنامة المحور