نجح العراق حكومة وشعباً بعكس ما كان يتمنى أعداؤه، في المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية بجولتها السادسة ما بعد سقوط نظام صام حسين. فبالرغم مما حصل خلال الأشهر والأسابيع السابقة، من إثارة مناخات التخويف بالحرب أو بحصول عمليات أمنية أو بتأجيل الانتخابات، أو حتى محاولة تثبيط العزائم لتقليل نسبة المشاركة. بلغت نسبة المشاركة في التصويت بالانتخابات بمرحلتها الأولى الخاصة بأفراد الأمن والمؤسسات العسكرية ونزلاء السجون والمستشفيات والنازحين أكثر من 82%، من بين مليون و313 ألف ناخب، وهو ما اعتُبر مؤشرًا إيجابيًا مهمًا قبيل انطلاق الاقتراع العام غدا الثلاثاء.
فهذه النسبة تعدّ إنجازًا مرتفعًا قياسًا بتجارب سابقة، وقياساً بمناخات التشاؤم التي حاولت وسائل إعلام أمريكية وعربية إثارتها لتضعيف المشاركة. فهذه النسبة العالية أوجدت أجواءً من التفاؤل في الأوساط السياسية العراقية، كما أكد العديد من مسؤولي مفوضية الانتخابات أن العملية تمت بسلاسة من خلال الكشف عن المؤشرات التالية: تطابق عملية العد والفرز اليدوي والإلكتروني بالتصويت الخاص، عدم تسجيل فرق المفوضية لخروقات حصلت خلال عملية التصويت، عدم تسجيل أيّ حالة توقف أو تلكؤ في أداء الأجهزة الإلكترونية خلال عملية التصويت.
وهذا ما دفع برئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني الى التعبير عن شكر للمصوّتين من خلال تدوينة له عقب انتهاء عملية التصويت جاء فيها: "أشكر أبناء قواتنا الأمنية والعسكرية البواسل، نتقدم لكم أولًا بالتهنئة على ممارسة حقكم الدستوري ومشاركتكم الفاعلة والواعية في الانتخابات، واختياركم لممثليكم في مجلس النواب المقبل"، داعياً الى أن تكون "هذه الانتخابات نموذجًا يُحتذى به في الانضباط، والالتزام، والوعي، والدفاع عن حقّ المواطنين في ممارسة استحقاقهم الدستوري".
أما ائتلاف دولة القانون بزعامة نائب الرئيس الأسبق نوري المالكي فأكد أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وجميع الأجهزة الأمنية والوزارات والمؤسسات الساندة ساهمت في إنجاح عملية التصويت الخاص، الذي جرى بانسيابية وتنظيم عال. معّلقاً في بيانه على نسبة التصويت العالية جداً بأنها "تؤكد تصاعد مستوى الوعي الوطني والمسؤولية لدى الناخبين تجاه العراق ومستقبله".
نقاط لافتة حول العملية
ومع ترقّب ما سيحمله يوم التصويت العام (11/11/2025) من مشاركة وربما نتائج أولية، فإن هناك عدة نقاط لافتة يجب ملاحظتها:
_ يعتبر الكثير من المراقبين المحليين والعرب والأجانب، بأن هذه الانتخابات ونتائجها ستشير الى المزاج الشعبي العراقي تجاه المتغيرات التي حصلت في المنطقة، خاصةً خلال معركة طوفان الأقصى. ويجمعون على أن أمريكا تنظر بحذر الى هذه الانتخابات (رغم ترداد واشنطن بأنها تحترم الديمقراطية بالمطلق) وما قد تفرزه من نتائج لصالح فصائل المقاومة العراقية، وبالمقابل فإن الجمهورية الإسلامية في إيران – بحسبهم أيضاً – يهمها بشكل اولوي استقرار العراق وانتظام حياته السياسية مهما كانت نتائج العملية.
_على صعيد أبرز المنافسات فهي التي تدور داخل الإطار التنسيقي، ما بين رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني الذي يرغب بولاية ثانية) ونائب الرئيس الأسبق نوري المالكي (الذي يسعى للعودة الى هذا المنصب لأنه يرى نفسه الأجدر لتولي ذلك في ظل التطورات الدقيقة التي تمر بها منطقنا).
وعلى الصعيد العام للتنافس الانتخابي، تتوزع الخارطة السياسية للقوى على 3 محاور رئيسية: القوى التقليدية الحاكمة، والقوى المدنية، والمستقلين.
ويأتي في مقدمة القوى التقليدية الحاكمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والقوائم القريبة من فصائل المقاومة مثل: صادقون، وحقوق، وقائمة بدر، وقائمة خدمات، وقائمة أيشر يا عراق، وتحالف قوى الدولة الوطنية، وقائمة "تصميم". أما الرئيس محمد شياع السوداني فيقود "ائتلاف الإعمار والتنمية" الذي يضم عدة أحزاب وقوى. وأما التيار الصدري الذي لا يزال مؤثراً في الحياة السياسية فقد أعلن منذ أشهر عن مقاطعته للانتخابات (مع ترجيح مشاركة أنصاره في العملية لدعم بعض الأطراف بشكل مبطّن). وتمتلك هذه القوى نفوذاً واسعاً في مؤسسات الدولة، وقدرة تنظيمية وتحشيدية كبيرة، ما يرجّح قدرتها على الحفاظ على نسبة تمثيل معتبرة داخل البرلمان المقبل.
ووفقاً لبعض الخبراء فإن الرئيس نوري المالكي والشيخ قيس الخزعلي يراهنان على قواعدهما التقليدية، بينما يراهن الرئيس محمد شياع السوداني والسيد عمار الحكيم والرئيس محسن المندلاوي والشيخ همام حمودي لاستقطاب جمهور شيعي "رمادي"، وهو ما يبدو واضحا من كيفية اختيارهم لمرشحيهم.
أما على صعيد القوى السنّية، فقد كرّست هذه الانتخابات مرةً أخرى حال التنافس الشديد ما بين حزب "السيادة" الذي يتزعمه السياسي خميس الخنجر، وتحالف "تقدم"، بقيادة الرئيس الأسبق لمجلس النواب محمد الحلبوسي. وانضم الى المنافسة قوتان صاعدتان هما "تحالف العزم" بزعامة النائب مثنى السامرائي، وتحالف "الحسم الوطني" الذي يقوده وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي. لكن برز الخطاب المذهبي (الذي يرقى الى المستوى الفتنوي) عند الخنجر والحلبوسي وكأنه الوسيلة الأنجع لشد العصب الانتخابي، وهذا ما قد يكون بإيعاز خارجي يستفيد من إشعال التوترات المذهبية في العراق مرةً أخرى.
وعلى الصعيد الكردي، لا تزال المنافسة منحصرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني.
_ تبرز في هذه الدورة النسبة الكبيرة للمرشحين الشباب، وهو ما يعكس حيوية عالية في الحياة السياسية العراقية، إذ أن ما يقرب من 40% من المرشحين المسجلين هم من الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً.
_ بعد التصديق على النتائج من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا، سيجتمع البرلمان الجديد المكون من 329 عضواً لانتخاب رئيس للبرلمان ونوابه، ثم يُنتخب رئيس الجمهورية، الذي يكلف الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة.
الكاتب: غرفة التحرير