الإثنين 18 آب , 2025 01:14

جوزاف عون يختار الاستسلام وبرّاك يبيع اللبنانيين الأوهام

توم برّاك وجوزاف عون

منذ اللحظة الأولى لزيارة المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت، كان واضحاً أن الرجل جاء حاملاً "ورقة أميركية-إسرائيلية" لا تقل خطورة عن اتفاق 17 أيار المشؤوم، خطة كاملة تهدف إلى نزع سلاح المقاومة، وتجريد لبنان من قوته الوحيدة أمام العدو الإسرائيلي، مقابل وعود وهمية بانتعاش اقتصادي، وحزم مساعدات مالية، وعدم تقديم أي ضمانات، مع تلميح وتهديد بإطلاق يد الكيان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً ليفعل ما يشاء عسكرياً وأمنيا، وأن لبنان سيكون وحيدا في هذه المواجهة.

المفاجأة لم تكن في كلام برّاك فحسب، بل في تصريحات رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال مقابلته مع قناة "الحدث/العربية" السعودية. الرئيس بدا وكأنه الناطق الرسمي باسم الحلف الأميركي – السعودي، مردداً معادلة استسلامية: "إما أن نقبل بالورقة الأميركية، أو أن إسرائيل ستهاجم وتأخذ مجدها". أي رئيس هذا الذي يتحدث بلغة التهديد باسم العدو، بدلاً من أن يتصرف كقائد أعلى للقوات المسلحة، ويرفض تسليم لبنان لإسرائيل، ويدين أكثر من 5000 خرق إسرائيلي للسيادة اللبنانية؟!

هذا الخطاب ليس سوى نسخة محدثة عن منطق أمين الجميل عام 1983: "إما الاحتلال أو الاستسلام". والنتيجة معروفة: لم يخرج الاحتلال إلا بالمقاومة، وسقط اتفاق 17 أيار، وسقط معه الجمّيل في مزبلة التاريخ. واليوم يعيد عون الخطأ ذاته، وكأنه لم يقرأ دروس الماضي.

اليوم يعيد عون الخطأ نفسه حيث يقدم تنازلات مجانية للعدو قبل أن يحصل حتى على أي ضمانة أو التزام. متجاهلاً أن إسرائيل لن تعطيه شيئاً بالمقابل، ولن تنسحب من مزارع شبعا ولا من أي شبر من الجنوب. قدّم عون لإسرائيل خدمة مجانية "قرار حصر السلاح"، الذي يرفضه غالبية اللبنانيين حسب استطلاعات الرأي لا سيما الطائفتين السنية والشيعية وبعض المسيحيين، وفي المقابل لم تعط إسرائيل أي شيء، بل يزور رئيس أركانها إيال زامير الجنوب ويتحدث عن البقاء مدة طويلة في لبنان، فإسرائيل اليوم هي في مكان آخر، وتسعى لتنفيذ مشروعها "إسرائيل الكبرى" ولبنان جزء منه. لكن هل من يقرأ ويسمع!

برّاك.. أوهام ووعود زائفة

أما المبعوث الأميركي توم برّاك، فقد أطلّ ليبيع اللبنانيين "أحلاماً مغلفة بالحرير" خطوة مقابل خطوة، وعود بالازدهار، ونزع السلاح لمصلحة الشيعة لا ضدهم! وكأن واشنطن التي لم تلتزم يوماً بوعودها ستتحول فجأة إلى وصيّ رحيم على لبنان وعلى شيعة لبنان ما أثار سخرية اللبنانيين على شبكات التواصل الاجتماعي.

إن الواقع يثبت بما لا يقبل الشك أن الكيان المؤقت لا يرى في الورقة الأميركية سقفاً نهائياً، بل مجرد محطة أولى لفرض شروط جديدة تباعاً. وزير الخارجية الأسبق فارس بويز كشف بوضوح في تصريح له حقيقة المطالب الإسرائيلية وقال: "سيطلبون مراقبين في مطار بيروت، مراقبين في داخل الجيش اللبناني، مراقبين على مصرف لبنان والتحويلات". أي أن الهدف ليس فقط سلاح حزب الله، بل وضع لبنان كله تحت وصاية أمنية ومالية شاملة.

موقف الحزب وحلفائه

في المقابل، جاء موقف المقاومة حاسماً كما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: لا تخلّي عن السلاح، ولا قبول بأي مشروع استسلامي. المقاومة أثبتت أنها الضمانة الوحيدة لردع العدوان ومنع الاحتلال، وهي التي صنعت معادلة الأمن الحقيقي للبنان. وأن المقاومة ستواجه المرحلة بقتال كربلائي، والمقصود هنا بالقتال الكربلائي أي أن نوع القتال سيكون استشهادياً كربلائياً لمنع كربلاء جديدة. والشيخ قاسم كان أشار في غير خطاب الى ان الحزب عند الضرورة سيُعيد إحياء الوحدات الاستشهادية لديه، وان الآلاف من الشباب المقاتلين جاهزين ومستعدين لها.

الرئيس نبيه بري أوضحها ببساطة: "لا يمكن تطبيق أي قرار بشأن سلاح حزب الله طالما إسرائيل ترفض تنفيذ التزاماتها". أما الجمهورية الإسلامية فقد أكدت على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني: " نحن نقف إلى جانب إخواننا في لبنان والمقاومة"، مخاطبا الأمريكيين "من أنتم حتى تضعوا مهلاً زمنية للشعوب؟".

هنا يتضح الفرق، واشنطن والرياض تقدمان أوهاماً ووعوداً زائفة وتهديدات، فيما المقاومة وحلفاؤها يقدمون معادلة ردع وحماية وسيادة.

الابتزاز الاقتصادي

حاول عون في المقابلة التلفزيونية أن يربط الورقة الأميركية بالإنعاش الاقتصادي، وكأن خلاص لبنان مرهون بنزع السلاح. لكن الوقائع التاريخية تكذّب هذا الخطاب:

- بعد عدواني عام 1993 و1996، عاش لبنان انتعاشاً اقتصادياً مع مشاريع إعادة الإعمار.

- بعد انتصار تموز 2006، شهد لبنان نمواً وازدهاراً بفضل انتصار المقاومة الذي أعاد الثقة.

إذاً، المشكلة ليست في السلاح، بل في فساد الدولة وارتهانها للخارج. المقاومة لم تكن عائقاً أمام النمو، بل الحامي للاستقرار الذي يفتح باب الاستثمار، ويسمح للبنان بحماية ثرواته واستخراج النفط والغاز من مياهه الاقتصادية.

عون يشكر السعودية 6مرات!

الأكثر إثارة أن عون لم يتردد في الإشادة بالسعودية أكثر من ست مرات خلال المقابلة، في خطوة أثارت تساؤلات جدية لدى الشعب اللبناني، بماذا ساعدت السعودية لبنان فعلاً؟ هل ساعدته عندما فرضت حصاراً اقتصادياً عليه، أم عندما قاطعت لبنان لسنوات؟ هل ساعدته حين أجبرت رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري على الاستقالة واحتجزته في الرياض، أم عندما ساهمت في إقالة الوزير جورج قرداحي لأنه تجرأ على وصف حرب اليمن بالعبثية؟ أم أن المساعدة السعودية هي بشراء إعلاميين وأقلام لتكون أبواقاً في خدمة سياساتها؟!

إنها مفارقة فاضحة رئيس جمهورية يشكر السعودية على تدخلاتها السافرة وتآمرها على لبنان، فيما يغض الطرف عن الدعم الإيراني الذي أكد عليه لاريجاني بوضوح فيما يخص إعادة الإعمار: "نحن لا نفرض على لبنان شيئاً، بل نقف إلى جانبه في كل الظروف".

سحابة صيف عابرة

الحقيقة التي ينبغي أن يدركها الشعب اللبناني أن ما يجري اليوم ليس سوى "سحابة صيف عابرة". كما سقط 17 أيار، سيسقط هذا المشروع الأميركي – السعودي – الإسرائيلي الجديد مع بعض الصعاب. سيرحل العهد، وسترحل هذه الحكومة، وستبقى المقاومة. وحدها المقاومة التي حررت الأرض وحمت السيادة ستبقى، أما الأصوات الاستسلامية فلن تكون سوى صدى عابر في تاريخ لبنان.


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني. 

[email protected]




روزنامة المحور