السبت 15 تشرين ثاني , 2025 12:00

عندما يفشل الضغط: تقييم مقاربة إسرائيل تجاه إيران

مواطن إيراني يمرّ من أمام جدارية فنية تستعرض صواريخ الجمهورية الإسلامية

يفنّد هذا المقال، الذي نشره موقع صحيفة "طهران تايمز – Tehran Times" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، الرأي الذي يقول بأن استراتيجية إسرائيل القائمة على العدوان وزعزعة الاستقرار لا تفشل فحسب، بل تُقوّي فعلياً النظام ذاته الذي تسعى إلى تدميره. واصفاً التسريب الأخير لهيئة البث الإسرائيلية "كان"—والذي دعا فيه مسؤول رفيع المستوى إلى "إسقاط النظام الإيراني" قبل نهاية إدارة ترامب في كانون الثاني / يناير 2029 – بأنه ليس سوى رهان يائس، واستعراض قوة جاء بعد أن استنفدت إسرائيل عنصر المفاجأة في حرب حزيران / يونيو، من دون أن تدفع خصمها إلى أي انشقاق ذي قيمة.

النص المترجم:

في غربي آسيا، كثيراً ما تبدو أوهام السيطرة أكثر إقناعاً من السيطرة نفسها. فالسياسة تجاه إيران، الموصومة بالضغط الخارجي والهوس بـ"تغيير النظام"، أثبتت مراراً أن الحلول البسيطة ليست سوى سراب خطير.

التسريب الأخير لهيئة البث الإسرائيلية "كان"—والذي دعا فيه مسؤول رفيع المستوى إلى "إسقاط النظام الإيراني" قبل نهاية إدارة ترامب في كانون الثاني / يناير 2029—يضيف فصلاً جديداً إلى كُتيّب استراتيجي أثبتت التجارب عدم فعاليته. غير أنه خلف هذه الخطابات العدوانية، تبرز أطروحة أكثر رصانة: إن استراتيجية إسرائيل القائمة على القسر وزعزعة الاستقرار لا تفشل فحسب، بل تُقوّي فعلياً النظام ذاته الذي سعت إلى تدميره. ما تبقى ليس سوى رهان يائس، واستعراض قوة جاء بعد أن استنفدت إسرائيل عنصر المفاجأة في حرب حزيران / يونيو، من دون أن تدفع خصمها إلى أي انشقاق ذي قيمة.

السردية السائدة في واشنطن وتل أبيب تصوّر الجمهورية الإسلامية كعملاقٍ بأقدام من طين، دائماً على شفا الانهيار الداخلي. إنها قراءة مبسّطة حدّ الخطورة.

لقد أثبت النظام السياسي الإيراني مراراً قدرة على الصمود غالباً ما يتم تجاهلها. وافتراض أن مزيجاً من التهديدات والعقوبات والضربات الاستباقية يمكن أن يؤدي إلى سقوطه، هو تجاهل لـ 4 عقود من التكيّف والترسيخ تحت ضغط خارجي شبه دائم. فبعيداً عن الانهيار، تعلّمت الجمهورية الإسلامية تحويل العدوان الخارجي إلى مصدر شرعية داخلية، إذ يُنظر إلى كل تحدٍّ ليس كهجوم على السلطة، بل كعدوان على السيادة الثورية للأمة.

شكّلت حرب حزيران / يونيو 2025 نقطة تحوّل تستحق قراءة هادئة تتجاوز العناوين السريعة. فقد عُرضت الهجمات، رغم أهميتها، على أنها ضربة ساحقة لقدرات إيران. لكن ما تلاها كان أكثر دلالة من القنابل نفسها: لم تحدث انتفاضات شعبية، ولا مظاهرات تُطالب بتفكيك البرنامج الدفاعي، ولا ظهرت بوادر تململ أو تصدّع داخل المؤسسات.

أما الدولة، فجاء ردها منهجياً: إعادة بناء المنشآت، نقل البنى التحتية الحساسة، وتسريع البرامج تحت الأرض. لم تكن صور الحفر في نطنز، وقد غُطّيت بالتراب، دليلاً على الهزيمة، بل على إرادة المقاومة والتعافي—وهي إرادة يبدو أن خصوم إيران عاجزون عن تقييمها بصورة صحيحة.

هذا المشهد كشف فشلاً استراتيجياً كبيراً لإسرائيل. فعلى مدى عقود، اعتمدت العقيدة الأمنية الإسرائيلية على الردع القائم على التفوّق العسكري الساحق.

لكن الهجوم الواسع في حزيران / يونيو أظهر حدود هذه المقاربة: لم يردع إيران عن مواصلة نشاطها النووي ضمن إطار برنامجها المدني، ولم يغيّر عزمها الاستراتيجي. والأسوأ أنه ربما أتى بنتيجة معاكسة، إذ دفع إيران إلى تسريع وتعزيز برنامجها الدفاعي الذي بات أكثر توزيعاً وتحفظاً (سرية وغموض) وتصميماً.

ما كان أكثر دلالة هو حملة الترهيب التي تلَت الهجوم، سواء بحجمها أو بضعف فعاليتها. فوفق روايات متداولة على نطاق واسع، لجأ الموساد إلى اتصالات مباشرة مع مسؤولين إيرانيين، مُطلقاً تهديدات وصلت إلى حد استهداف أفراد عائلاتهم.

هذا المستوى من الضغط—الأقرب إلى حبكات أفلام التجسس—فشل في تحقيق هدفه: لم تُسجَّل حالات انشقاق، ولا تسجيلات مُسرّبة، ولا مظاهر ذعر. وعلى العكس، يُرجّح أن ذلك عزّز صلابة المستهدَفين. وعندما تصل أدوات القسر إلى ذروتها وتفشل، فذلك يعني أنها اصطدمت بجدار صلب من المناعة لم يكن في الحسبان. وهذا يبرز حقيقة غير مريحة: إن ولاء المؤسسة الأمنية للنظام في إيران أقوى من أي تهديد خارجي.

يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية مبنية على تشخيص خاطئ جذري: فهي تخلط بين وجود توترات داخلية وبين ضعفٍ أو لاوطنية. صحيح أن هناك احتكاكات اجتماعية مرتبطة بالاقتصاد والإدارة، غير أن تجارب المنطقة، من العراق إلى ليبيا، تقدم تحذيراً واضحاً: التدخل الخارجي—خصوصاً من أطراف تُعدّ معادية—يميل إلى تعزيز شعور الوحدة في مواجهة الضغط. فغالبية الإيرانيين لا يرغبون في أن يُحدِّد مستقبلهم من تل أبيب أو واشنطن. تَبقى السيادة ركناً مركزياً في الهوية الوطنية الإيرانية الحديثة.

وتُجسّد القضية النووية هذا الصدام في الروايات. فمن منظور طهران، يشكل تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ ركيزتين أساسيتين للاستقلال والدفاع. ويستند هذا الموقف إلى دروس حرب إيران–العراق في الثمانينيات، حين تجاهل العالم استخدام السلاح الكيميائي ضد إيران، وإلى غزو أفغانستان والعراق اللذين طوّقاها بقوات أميركية.

وعندما يصرّح الرئيس مسعود پزشكيان: “نحن نسعى للسلام، لكننا لن نُكره على التخلي عن علومنا النووية أو حقنا في الدفاع عن أنفسنا”، فذلك ليس خطاباً استعراضياً، بل تعبير عن عقيدة أمن قومي متجذّرة في تجربة تاريخية مؤلمة.

وعلى هذا الأساس، يُفهم رفض طهران منح وصول غير مقيّد لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآت مثل فوردو. فالأمر ليس مجرد انعدام شفافية، بل ردٌ محسوب على ما تعتبره إيران تجسساً مقنّعاً بغطاء الرقابة. فكل معلومة موقع أو مخطط هندسي تُعد، وفق المنطق الإيراني، مادة أولية لهجوم محتمل. وفي سياق تُرى فيه التهديدات على أنها وجودية، تصبح الشفافية الكاملة شكلاً من أشكال الانتحار الاستراتيجي.

في الوقت نفسه، تستمر آلة الضغط الاقتصادي في الدوران. فقد تركت العقوبات الأميركية—التي تسعى إيران باستمرار لرفعها—تأثيراً كبيراً على الاقتصاد وحياة الناس اليومية. غير أن النتائج الاستراتيجية تظل ملتبسة: فإذا كان الهدف ثني إيران عن سياساتها الخارجية أو إثارة انتفاضة داخلية، فقد فشل. بل أدت العقوبات إلى ترسيخ "اقتصاد المقاومة" وتعميق العلاقات مع قوى خارج الإقليم مثل روسيا والصين، مما ساهم في تدعيم نظام دولي متعدد الأقطاب أقل تأثراً بالضغط الغربي. النتيجة الصافية: إيران أكثر اعتماداً على ذاتها، أقل اندماجاً في المنظومة الغربية، لكنها ليست أضعف ولا أكثر قابلية للامتثال.

أما فكرة أن إسرائيل، وربما بدفعة أخيرة من إدارة ترامب، قد تنجح في توجيه ضربة حاسمة للجمهورية الإسلامية، فهي في الواقع وهم خطير. لا توجد عصا سحرية قادرة على إحداث ما يسميه الغرب "تغيير النظام" في دولة ذات جذور تاريخية وسياسية عميقة.

ما يوجد فعلاً هو خطر تصعيد غير منضبط. فهجوم واسع على المنشآت النووية لن يُسقط الحكومة في طهران؛ بل قد يشعل حرباً إقليمية كارثية تفوق بكثير "حرب الأيام الاثني عشر". وتمنح الصواريخ الدقيقة الإيرانية، رغم محدودياتها، قدرة ردع فعالة ضد أي عدوان مباشر. ومن منظور أي مراقب عقلاني، يوضح ميزان الكلفة والمنفعة قدرة إيران على الصمود تحت الضغط الخارجي واستحالة فرض تغيير النظام عليها من الخارج.

إن هوس إسرائيل بإسقاط حكومات المنطقة سراب يحجب عنها رؤية واقعية للمشهد. فإيران ليست "نظاماً هشاً" على وشك الانهيار، بل بنية سياسية ذات ذاكرة تاريخية عميقة وقدرة لافتة على المقاومة. وقد أظهرت حرب حزيران / يونيو وما تلاها حدود القوة الإسرائيلية القائمة على القسر، أكثر مما كشفت عن ضعف إيراني. فتهديدات الموساد، بعيدة عن ترهيب النخبة الإيرانية، تُرى كإشارات رمزية تكشف الإفلاس الاستراتيجي والأخلاقي لهذا النهج. الاستمرار في هذا المسار ليس سياسة، بل وهم خطير يضمن مزيداً من الصراع وعدم الاستقرار والمعاناة لشعوب المنطقة.

إن الخطوة الأولى نحو أمن مستدام ليست إسقاط الحكومات، بل التخلي عن وهم إمكانية ذلك، ومواجهة الواقع المعقّد لمنطقة أصبح فيها القسر أداة مستنزفة الفاعلية.


المصدر: طهران تايمز - Tehran times

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور