السبت 15 تشرين ثاني , 2025 12:01

مصر وغزة: كيف أعادت الحرب صياغة محددات الأمن القومي والعلاقة مع إسرائيل؟

معبر رفح

تُظهر الحرب الإسرائيلية الواسعة على قطاع غزة أنّ تداعياتها تجاوزت حدود الجغرافيا الفلسطينية لتضرب عمق الحسابات الأمنية والسياسية لدول الجوار، وعلى رأسها مصر. فالقاهرة، التي ترتبط بعلاقة سلام ممتدة مع إسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، وجدت نفسها أمام اختبار استثنائي مع اندلاع حرب طويلة ودامية على حدودها الشرقية، تصاعد فيها الخطر الأمني، واحتقن الرأي العام، وتداخلت فيها الأزمات الاقتصادية الداخلية مع تعقيدات الإقليم. وفي خضم هذا المشهد، برزت السياسة المصرية كمزيج من الضرورة الأمنية والحسابات الاستراتيجية والسعي للحفاظ على مكانة إقليمية تقليدية تهددها تحولات السنوات الأخيرة.

هذه الدراسة المرفقة أدناه، من إصدار معهد الأمن القومي الإسرائيلي، وترجمة موقع الخنادق، تفكك المشهد المصري خلال الحرب: جذور الموقف، محدداته الداخلية، أدواته الدبلوماسية والإعلامية، وطبيعة التوترات مع إسرائيل، وصولاً إلى التأثيرات المتوقعة على مستقبل العلاقة بين البلدين ومكانة مصر الإقليمية.

ملخص الدراسة

توضح الدراسة أنّ الحرب على غزة مثّلت أخطر اختبار للعلاقات المصرية-الإسرائيلية منذ توقيع معاهدة السلام، وأنها جاءت في سياق داخلي مصري شديد الحساسية تَصدّره الانهيار الاقتصادي، واحتقان الرأي العام، واستحقاقات الانتخابات الرئاسية في نهاية 2023.

ترى القاهرة أنّ قطاع غزة جزء أساسي من أمنها القومي، وأن انفلاته ينعكس مباشرة على سيناء عبر الأنفاق، وتهريب العناصر المسلحة، وانعدام الاستقرار. لذلك اتخذ النظام منذ 2014 سياسة صارمة في سيناء شملت تدمير الأنفاق، وتكثيف الانتشار العسكري، وتنظيم التجارة عبر بوابة صلاح الدين. وترفض مصر بصورة قاطعة أي حديث عن فصل غزة عن الضفة أو توطين سكان القطاع في سيناء، وهو ما وصفه الرئيس السيسي بـ"الخط الأحمر"، ما عزّز صورته لدى الرأي العام باعتباره "حامي السيادة".

استثمر الرئيس السيسي قضية غزة في حملته الانتخابية، مقدماً نفسه كمدافع عن الفلسطينيين، ومحرّك رئيسي للدبلوماسية الإقليمية. وبرز ذلك في تكثيف المساعدات الإنسانية، وتنظيم مؤتمر القاهرة للسلام، واستقبال قادة الفصائل الفلسطينية، والمشاركة الفاعلة في القمم العربية-الإسلامية.

على الصعيد الداخلي، ازدادت خلال الحرب حدة الانتقادات الاقتصادية والاجتماعية للنظام، وظهرت أزمات البنية التحتية، واندلاع حرائق واسعة، وتوترات مرتبطة بقانون الإيجارات الجديد. لكن النظام استطاع توجيه جزء من الغضب الشعبي نحو الحرب وتبعاتها.

اعتمدت مصر خلال الحرب على قنوات متعددة لإدارة الصراع:

- الإعلام: سمح النظام بخطاب عنيف ضد إسرائيل، مع تغطية مكثفة لمعاناة الفلسطينيين، وإظهار مصر بوابة المساعدات.

- الدبلوماسية: تحرك نشط لتحقيق وقف إطلاق النار، والحفاظ على مكانتها كوسيط رئيسي، وتجنيد دعم دولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

- التحركات القانونية: الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.

- المساعدات الميدانية: بناء مركز لوجستي في العريش ومعبر رفح، وإجلاء الجرحى، والضغط على إسرائيل لزيادة دخول المساعدات.

في المقابل، خاضت القاهرة مواجهة إعلامية واعية ضد دعاية الإخوان المسلمين التي اتهمت النظام بالتقاعس عن فتح معبر رفح، مؤكدة أن الإغلاق الوحيد كان نتيجة القصف الإسرائيلي للمعبر.

أما على مستوى العلاقة مع إسرائيل، فقد تراجع الحوار السياسي رفيع المستوى منذ بدء الحرب، مع الحفاظ على التنسيق الأمني وتجنب أي احتكاك على الحدود رغم وجود قوات كبيرة للطرفين في محيط محور فيلادلفيا. وواصلت مصر التمسك بمعاهدة السلام، مع التأكيد على خطوطها الحمراء: منع التهجير، احترام الحدود، وعدم تحويل سيناء إلى ساحة اشتباك.

تُظهر الدراسة أن الحرب عمّقت الفجوة بين موقف النظام والرأي العام المصري من إسرائيل، حيث شهدت الساحة الشعبية موجة عداء واسعة، بينما حافظ النظام على خطاب متوازن يربط السلام بالعدالة وإقامة الدولة الفلسطينية.

وتخلص الدراسة إلى أنّ مكانة مصر الإقليمية تعزّزت خلال الحرب بفعل دورها الوسيط، لكن علاقاتها مع إسرائيل دخلت مرحلة توتر هي الأشد منذ عقود. ومع استمرار الحرب وتعقيداتها، من المتوقع أن تستمر هذه التوترات وأن تبقى القضية الفلسطينية العامل الأكثر تأثيرًا في مستقبل العلاقة بين القاهرة وتل أبيب.

لتحمل الدراسة من هنا


المصدر: معهد دراسات الأمن القومي

الكاتب: أميرة أورون




روزنامة المحور