الجمعة 11 تموز , 2025 03:30

حرب الحلقات الخمس: كيف قلبت العقيدة الإيرانية موازين الحرب النفسية؟

مظاهرات إيرانية داعمة للنظام

في الحرب الأخيرة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على إيران، طبّق العدو ما يُعرف بـ"نظرية الحلقات الخمس" للعقيد الأميركي جون واردن، التي تهدف إلى شلّ الخصم عبر استهداف حلقاته الحيوية، بدءًا بالقيادة، مرورًا بالبنى التحتية، وانتهاءً بالقوات الميدانية. غير أن هذه النظرية، التي لطالما اعتُبرت فعّالة في تحقيق "الشلل الاستراتيجي"، لم تفلح في تحقيق أهدافها مع النموذج الإيراني، بل كشفت عن مناعة نفسية واجتماعية كبيرة لدى المجتمع الإيراني.

في المرحلة الأولى، التي ارتكزت على اغتيال القيادات والعلماء، ظهرت قدرة الشعب الإيراني على تجاوز الفجيعة، مستندًا إلى إيمانه وأدبيات الشهادة، كما ساهم الرد الإيراني النوعي في تعزيز الثقة الوطنية والقدرة على التحمّل. فبدلاً من أن تنكسر المعنويات، تجددت بفضل روح التحدي والإصرار.

أما المرحلة الثانية، التي هدفت إلى تدمير الأنظمة الاستراتيجية، فلم تنجح في ضرب الروح المعنوية، إذ فشل العدو في تحقيق أهدافه. فالمجتمع الذي يعتز بمنجزاته العلمية رأى في هذه المحاولة اعتداءً على رموزه الحضارية، ما ولّد استنفارًا شعبيًا للدفاع عنها، بدلًا من الاستسلام للخوف والانكسار.

في المرحلة الثالثة، المتمثلة بضرب البنى التحتية وتخريب الحياة اليومية، اصطدم العدو بمناعة مكتسبة لدى الشعب الإيراني بفعل سنوات طويلة من الحصار والمواجهات، خصوصًا بعد تجربة الحرب مع العراق والعقوبات الاقتصادية الممتدة. فالصمود لم يكن وليد اللحظة، بل تراكم خبراتٍ تاريخيةٍ ومجتمعية جعلت من الأزمات محفزًا للمواجهة، لا دافعًا للانهيار.

أما المرحلة الرابعة، التي ركزت على ضرب السكان نفسيًا وإعلاميًا لزعزعة شرعية النظام، فقد جاءت بنتائج عكسية. إذ تجسّد الالتفاف الشعبي حول النظام بشكل واضح، وارتفعت الروح الوطنية، بل وخرج من العزلة عدد من الأفراد الذين كانوا بعيدين عن الحياة السياسية، مؤمنين بأن الدفاع عن الوطن أولى من الحسابات الخاصة. ازدادت المشاركة، وتجدد الإيمان بالهوية الوطنية، وانبعثت من جديد مشاعر الانتماء، التي عملت كصمّام أمان في لحظة الخطر.

وفي المرحلة الخامسة، حين سعى العدو لعزل القوى الميدانية ومنعها من الرد، كان من المتوقع أن تنهار الروح القتالية، إلا أن النتيجة كانت معاكسة، فتعزّزت المناعة النفسية أكثر، وازداد الإصرار على الاستمرار في المواجهة، مدفوعًا بقناعة راسخة بأن الثبات جزء من النصر.

ومن العوامل الحاسمة التي ساعدت الإيرانيين في مواجهة الحرب النفسية كانت الثقافة الإيمانية والتسليم لله. فاستهداف القيادات – حتى وإن خلّف ألمًا – قوبل بالقبول والإيمان بأنها أصحابها نالوا الشهادة، وهو ما خفف من أثر الصدمة وحوّلها إلى طاقة دافعة. كما أن بقاء قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي على قيد الحياة مثّل عاملًا مهمًا في تماسك القيادة، رغم تمهيد الخطاب الرسمي لاحتمالية غيابه، وهو بحد ذاته اختبار نفسي كبير استطاع الشعب تجاوزه.

وتجدر الإشارة إلى أن الخصوصية الإيديولوجية للمجتمع الإيراني، ترى في الموت شهادة، لا هزيمة. بعكس المجتمع الإسرائيلي الذي يُعرف تاريخيًا برفضه للموت وخوفه من تبعاته. وهذا الفارق شكل نقطة تفوّق نفسي لصالح الإيرانيين.

رغم كل العنف والقسوة في الهجوم، لم تنكسر إيران. بل ولد من تحت الركام حسّ وطني جديد، وعززت الحرب الانتماء والتماسك، وزادت من دعم الناس لنظامهم وخياراته، ورفعت من معنوياتهم رغم الكلفة العالية. إذ لم يشعر الإيرانيون بالهزيمة، بل بالانتصار، ولم يغرقوا في الحزن، بل تشبثوا بالأمل.

وعليه، فشلت نظرية الحلقات الخمس في إسقاط النظام الإيراني، ولم يسقط المخطط الإسرائيلي على مدى 12 يومًا الشعب الإيراني، بل عزّز مناعته النفسية، وازداد تماسكًا وثقةً بقيادته، وارتد الضغط النفسي والعسكري إلى الداخل الإسرائيلي، وأثبتت الحرب أن إيران ليست هشّة نفسيًا، بل مؤهلة لتحمّل أعنف المواجهات، فرغم شراسة الهجوم الإسرائيلي، خرجت إيران أقوى نفسيًا ومجتمعيًا، فثبّتت حضورها كقوة لا تُكسر، مستندة إلى إيمانها، وتجربتها الطويلة، ومناعة شعبها الاستثنائية في زمن الحرب.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور