الثلاثاء 24 حزيران , 2025 03:43

الإنجاز المهدور: الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي في العدوان على إيران

السيد علي الخامنئي ونتنياهو والدمار في "إسرائيل"

تظهر الوقائع إلى أن العملية التي أطلق عليها الاسرائيليون "الأسد الصاعد" لم تحقق أهدافها الاستراتيجية في تحييد البرنامج النووي أو شل القدرات الصاروخية الإيرانية بشكل حاسم أو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. وبدلاً من ذلك، أدت إلى تصعيد كبير ومباشر، وتسببت في خسائر وأضرار غير مسبوقة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

التقييم النقدي يؤكد بأن العملية كانت "مقامرة رهيبة" لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، وفيما يلي عرض لأهم المؤشرات التي تؤكد الفشل الاستراتيجي للكيان المؤقت في التعامل مع الملف الايراني مع الأخذ بالاعتبار بأن ملف إيران كان من أولويات صانع القرار الاستراتيجي في كيان العدو منذ 20 عاماً:

- الفشل في تحييد البرنامج النووي بشكل حاسم:

مؤشر الإخفاق هو عدم تحقيق الهدف الاستراتيجي الرئيسي المعلن، وهو تحييد البرنامج النووي بشكل كامل أو التسبب في انتكاسة طويلة الأمد له، النصوص تشير إلى أن البرنامج قد يستمر أو يُعاد بناؤه.

- الفشل في شل القدرات الصاروخية الباليستية:

من الأهداف المعلنة أيضاً كان استهداف قلب برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلا أن الوقائع تشير أن إيران تمكنت من إطلاق موجات متعددة من الصواريخ الباليستية بعد الهجوم الصهيوني الافتتاحي، بعضها من مسافات بعيدة ومن تحت البحر، وحققت إصابات. كما أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا استمرار القدرة الصاروخية الكبيرة والتهديد بالمزيد والتحكم الكامل بالصليات وأعداد الصواريخ وأهدافها في عمق الكيان وفي أبعد النقاط (النقب).

- الفشل في شل القيادة والتحكم الإيراني ومنع الرد:

استهدف الهجوم الافتتاحي قيادات عسكرية عليا وعلماء نوويين في محاولة لشل قدرة إيران على الرد أو إعادة بناء قدراتها. ورغم النجاح التكتيكي في اغتيال بعض القادة، تمكنت إيران بسرعة قياسية من تعيين قادة جدد وأكدت استمرار المهام والأهم من ذلك، أن إيران نفذت رداً كبيراً ومتعدد الموجات رغم الاغتيالات الأولية. ولم تؤدِ الاغتيالات إلى شل استراتيجي للقيادة الإيرانية أو منعها من تنفيذ رد منسق ومستمر.

- الفشل في تجنب التصعيد غير المرغوب فيه:

رغم أن إسرائيل أرادت ان تنفذ عملية "استباقية" ومفاجئة لتحقيق أهدافها دون التورط بحرب شاملة، إلا أن العملية أدت إلى رد إيراني كبير ومباشر وتحول النزاع على الضفة الايرانية إلى "حرب مخطط لها" أو "حرب شاملة" وفقاً لبعض التوصيفات. المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم اعترفوا بالحاجة للاستعداد لأيام صعبة وحرب طويلة.

- الفشل في حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية من رد مؤثر:

رغم الثقة المعلنة والمبالغ بها في منظومات الدفاع الجوي والصاروخي التي بلغت 7 طبقات، إلا أن الرد الإيراني تجاوز كل ذلك بسهولة وتسبب في أضرار جسيمة وخسائر بشرية في العمق الإسرائيلي، وظهر هلع كبير وصعوبة في التعامل مع الأزمة داخلياً، حتى الملاجئ لم توفر حماية كاملة في بعض الحالات، واضطرت الأجهزة الرقابية في الكيان المؤقت إلى فرض تعتيم وحجب كامل على المعلومات، لتغطية الآثار التي بدأت تتعاظم بعدما بدأت إيران استهداف الاصول الرئيسية والحساسة للاقتصاد والامن والعسكر والمؤسسات الاستراتيجية في عمق الكيان.

- الفشل في منع إيران من استخدام تكتيكات غير تقليدية أو مفاجئة:

رغم محاولات إسرائيل لاغتيال القيادات أو زرع الأدوات والعناصر التخريبية في مؤسسات حساسة، إلا أن ذلك لم يمنع إيران من استخدام تكتيكات لافتة في الرد، مثل إطلاق الصواريخ من البحر أو شن حرب سيبرانية.

عناصر القصور في القرار الاستراتيجي الإسرائيلي

كشف العدوان على إيران في 13 يونيو 2025، عن قصور كبير لا يتعلق بالقدرة التنفيذية التكتيكية، بل بالبصيرة والرؤية الاستراتيجية الصهيونية الشاملة. يمكن تلخيص هذه العناصر في النقاط التالية:

سوء تقدير إرادة الخصم

يكمن القصور الأساسي في الفشل في فهم وتوقع رد الفعل الإيراني. لقد بنت القيادة الإسرائيلية قرارها على نمط السلوك الإيراني السابق، الذي تميز بسياسة "الصبر الاستراتيجي" والردود المحسوبة أو المنفذة عبر الحلفاء. اعتقد صناع القرار في تل أبيب أن إيران، حتى لو تعرضت لضربة موجعة، سترد بشكل رمزي ومحدود لتجنب حرب شاملة. هذا التقييم كان قائماً على غطرسة استراتيجية، حيث تم تفسير الصبر الإيراني على أنه ضعف متأصل وليس تكتيكاً مدروساً.

لقد فشلت الاستخبارات الإسرائيلية ليس في جمع المعلومات، بل في تحليل "عقلية" وإرادة الخصم. لم تدرك أن هناك "عتبة ألم" و "خطاً أحمر" للكرامة الوطنية، وأن ضربة بهذا الحجم، تستهدف السيادة والبرنامج النووي والقيادات بشكل مباشر، ستدفع النظام الإيراني إلى تجاوز كل حساباته السابقة وتغيير قواعد اللعبة بالكامل. لقد ظن نتنياهو أنها ستكون "نزهة"، كما ورد في أحد التحليلات، وهو ما يعكس استخفافاً خطيراً بإرادة إيران وقدرتها على تحمل المخاطر عندما تشعر بتهديد وجودي.

الخلط بين الأهداف السياسية الشخصية والأهداف الاستراتيجية الوطنية

تشير التحليلات بقوة إلى أن القرار بشن الحرب لم يكن نابعاً فقط من تقييم أمني بحت، بل كان مدفوعاً إلى حد كبير بأجندة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسية الشخصية. في ظل الإخفاق في تحقيق نصر حاسم في غزة، والضغوط الداخلية، والملاحقات القضائية، بدا أن فتح جبهة جديدة ضد "العدو الأكبر" كان بمثابة "هروب إلى الأمام". كان نتنياهو يبحث عن نصر سريع ومبهر يعيد له شعبيته، ويغير السردية السياسية، ويوحد خلفه الجبهة الداخلية والخارجية.

هذا التداخل بين ما هو شخصي وما هو استراتيجي يُعد قصوراً خطيراً في عملية صنع القرار. فالقرارات المتخذة لضمان البقاء السياسي للزعيم غالباً ما تكون محفوفة بمخاطر عالية وغير محسوبة بدقة، لأن الهدف يصبح "تحقيق النصر" بأي ثمن، وليس بالضرورة "تحقيق أمن الكيان بأفضل طريقة".

وهم الحسم التكنولوجي وإغفال "مركز الثقل" الحقيقي

لقد وقعت إسرائيل في فخ الإيمان المفرط بأن التفوق التكنولوجي الساحق (سلاح الجو، الاستخبارات، منظومات الدفاع الصاروخي) قادر على تحقيق نصر نظيف وحاسم ومنع أي رد فعل مؤثر. لقد ركزت الخطة الإسرائيلية على استغلال قوتها (التكنولوجيا) وضرب قوة إيران (المنشآت)، لكنها أغفلت تماماً استهداف "مركز الثقل" الإيراني (إرادة النظام)، وفي المقابل، تجاهلت حماية "مركز الثقل" الخاص بها.

إن مركز الثقل الحقيقي لإسرائيل، كنقطة ضعفها القاتلة، هو جبهتها الداخلية المدنية المكتظة وتركيبة اقتصادها. هذه الجبهة لا تحتمل حرب استنزاف طويلة أو خسائر بشرية كبيرة أو شللاً اقتصادياً. في المقابل، أدركت إيران هذه الحقيقة تماماً، فصممت ردها لتجاوز القوة التكنولوجية الإسرائيلية وضرب هذه النقطة الضعيفة مباشرة. إن انهيار المباني في تل أبيب واحتراق المصافي في حيفا كان دليلاً دامغاً على أن التكنولوجيا وحدها لا تضمن الأمن، وأن إسرائيل كانت تحارب بعقيدة القرن الحادي والعشرين، لكنها أهملت حماية نقطة ضعفها التي تعود إلى كل زمان حتى زمن تشكل الكيانات والدول في القرن العشرين.

الفشل في السيطرة على سلم التصعيد أو التحكم به

أحد المبادئ الأساسية في الاستراتيجية هو القدرة على السيطرة على مستويات التصعيد. دخلت إسرائيل الحرب بافتراض أنها هي من سيبدأ الضرب، وهي من سيحدد قوتها، وهي من سيرد على أي رد فعل، وبالتالي هي من سيتحكم في "سلم التصعيد" وينهي الصراع بشروطها.

لكن ما حدث كان العكس تماماً. لقد أفقد الرد الإيراني الكثيف والمستمر إسرائيل سيطرتها على التصعيد. لم تعد إسرائيل هي من يقرر متى وأين وكيف تضرب، بل أصبحت في موقف رد الفعل، تحاول اعتراض الصواريخ، وتتعامل مع الحرائق والدمار في مدنها. لقد فرضت إيران وتيرتها الخاصة على الصراع، وأثبتت أنها قادرة على تصعيد الألم بنفس القدر، إن لم يكن أكثر.

قصر النظر الاستراتيجي: غياب رؤية واضحة لـ "اليوم التالي"

إن القصور الأكثر عمقاً ربما كان الفشل في التفكير بجدية في "اليوم التالي" للهجوم. لقد تم تصميم العملية لتحقيق أهداف تكتيكية مهمة (تدمير منشآت، اغتيال قادة)، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك تخطيط كافٍ للعواقب الاستراتيجية طويلة المدى. وأي عمل عسكري يجب أن يهدف إلى تحقيق وضع سياسي أفضل من الذي سبقه.

باختصار، كان القرار الاستراتيجي الإسرائيلي مثالاً كلاسيكياً على "النجاح التكتيكي الذي يقود إلى الفشل الاستراتيجي". لقد كان قراراً مبنياً على مزيج خطير من الغرور، والحسابات السياسية الضيقة، والإيمان المفرط بالتكنولوجيا، مع غياب شبه كامل للبصيرة الاستراتيجية وانعدام فهم عميق لسيكولوجية الخصم وتداعيات كسر الستاتيكو أو الوضع الراهن.





روزنامة المحور