الجمعة 07 أيار , 2021 10:42

التدخل التركي في لبنان.. أدواته ومخاطره

صور أردوغان في لبنان

لم يعد خافيا محاولات دول إقليمية للتدخل في لبنان كإحدى ساحات الصراع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، وفي هذا الإطار يأتي النشاط التركي المتزايد في الساحة اللبنانية باتجاهات متعددة، وإن كانت تتركز في بعض المناطق دون غيرها وتستهدف فئات وشرائح معينة وترتبط بشكل أساسي بانتمائها المذهبي.

شمال لبنان معقل النفوذ التركي

النشاط التركي يتركز بشكل كبير على منطقة شمال لبنان وبالتحديد في مدينة طرابلس ومحيطها وفي مناطق اخرى في قضاء عكار، وذلك يرتبط بمحاولات اختراق الساحة السنية والعمل بها في مجالات تنموية لها أبعادها السياسية، علما ان النشاط التركي توسع باتجاه بيروت بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب/اغسطس 2020 في محاولات ينظر إليها أنها تندرج في سياق التنافس مع الدولة الفرنسية التي حاولت إظهار نفسها الداعم الأبرز للبنانيين وبالتحديد البيروتيين بعد كارثة المرفأ.

وبحسب المعلومات فإن تركيا طالما حاولت التدخل في الساحة اللبنانية إلاّ ان ذلك ازداد منذ خريف العام 2019 وبالتحديد اكثر مع ما عرف بـ"ثورة 17 تشرين" حيث عملت على دعم مجموعات معينة من المتظاهرين والنشطاء خاصة في مدينة طرابلس وعُرف منهم "حراس المدينة" الذين لعبوا دورا أساسيا في التجييش والتنظيم ضد المؤسسات الرسمية والسلطة اللبنانية، في أداء تم تشبيهه بالتظاهرات التي جرت في سوريا في العام 2011 الذي تبين ان لتركيا أيادٍ طويلة فيه ضمن حرب دولية استهدفت سوريا ودورها في محور المقاومة.

حراس المدينة إحدى أدوات التدخل التركي

واليوم تصل المساعدات التركية الى جماعة "حراس المدينة ونشطاء الثورة" بصورة غير مباشرة عبر العديد من الجهات غير الرسمية ورجال أعمال يحملون الجنسية التركية، وتتركز في صورة توزيع أموال "الزكاة" لتوزيعها على الفقراء في شهر رمضان وعيد الفطر، كما تنشط "مؤسسة تكيا" التي يرأسها محمد سلطان لتوزيع المساعدات خلال شهر الصيام كما في غيره من الأوقات بظل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها أبناء طرابلس وعكار.

وسابقا عملت تركيا على دعم بعض الجهات والشخصيات التي تعمل في إطار العمل الخيري والاجتماعي، ويُعرف من هؤلاء ما يسمى "منتديات شباب لبنان" التي كان لها دور في تجييش الشباب في الشمال والبقاع خلال فترة ما بعد "ثورة 17 تشرين" للتحريض على المؤسسات وبعض الجهات السياسية اللبنانية، ويظهر المحامي نبيل الحلبي كأحد المشرفين على "المنتديات" وهو من المقربين من جهات تركية عدة رسمية وغير رسمية.

بهاء الحريري والعلاقة مع تركيا

وعملت تركيا منذ نهاية 2019 على دعم وتبني نشاط رجل الأعمال اللبناني بهاء الحريري ولو بشكل غير مباشر، فيما عرف كمشروع بديل عن شقيقه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في لبنان على الساحة السنية، بعد تسجيل تراجع في شعبية الاخير في العديد من المناطق.

وتركيا تدعم بشكل مباشر او غير مباشر العديد من الجمعيات الخيرية والاسلامية في طرابلس والشمال، ممن يدور في فلك "الإخوان المسلمين" او السلفيين، بالاضافة الى دعم جهات تعليمية وتربوية تدور في نفس الفلك ومنها الجامعة الاسلامية، بالاضافة الى تقديم مواد عينية وتجهيزات لمؤسسات "الكرامة" التابعة للنائب فيصل كرامي منها المستشفى الاسلامي وجامعة المنار وبعض المراكز الطبية والمستوصفات.

انفتاح تركي على شخصيات سياسية

وتركيا مؤخرا قبيل شهر رمضان المبارك أرسلت مساعدات للنائب كرامي ليتم توزيعها على "فقراء طرابلس والشمال"، ما يشير الى انفتاح تركي على حلفاء سوريا في إطار توسيع رقعة تدخلها من بوابة الدعم الانساني والخيري، ما دفع كرامي للتوضيح والتخفيف من الخطوة التركية كي لا تأخذ اكثر مما تستحق في خلفياتها السياسية وان الأمر يقتصر على تقديم المساعدات للناس في هذه الاوضاع الصعبة.

وبالسياق، قال مكتب الإعلام في مؤسسات الكرامة للعمل الخيري في بيان له إن "تركيا دأبت على تقديم المساعدات بشكل دوري ولا سيما في الشهر الفضيل سواء لجهات رسمية او لعدد من الجمعيات الخيرية في لبنان وغير لبنان، وان مؤسسات الكرامة للعمل الخيري في طرابلس ستكون على لائحة الجمعيات التي ستتلقى مثل هذه المساعدات في بادرة كريمة من المؤسسات والجمعيات في الجمهورية التركية".

وتركيا منذ سنوات طويلة تعمل على تقديم كل الدعم التنموي والمالي والثقافي لفئة من اللبنانيين من أصول تركية في منطقة عكار وبالتحديد اكثر في بلدتي الكواشرة وعيدمون، ما يمثل موطئ قدم للأتراك في أقصى الشمال اللبناني على مقربة من الحدود مع سوريا.

التدخل التركي يشق الصف السني

وترجح مصادر مطلعة ان التدخل التركي في لبنان سيتواصل بل من الممكن ان يزداد خاصة مع زيادة الشرخ داخل الساحة السنية في لبنان وتراجع التأييد لتيار المستقبل ومن خلفه السعودية بعد سلسلة من الإخفاقات، وبالتالي ستعمل تركيا على جذب المزيد من المؤيدين لتيار المستقبل وحلفاء السعودية في الساحة السنية اللبنانية.

مع الإشارة الى ان التواجد التركي في لبنان يرتبط بأحد جوانبه باستثمار النفط في هذا البلد كما في كل منطقة شرق المتوسط، فالتركي يعمل ليكون له حصة من هذا الملف أسوة بما يحاول الفرنسي وغيره من الدول فعله، بالاضافة الى إمكانية فتح الباب لاستثمارات تركية في عدة مجالات بعضها قد تعلق باعادة بناء او استثمار مرفأ بيروت، وربما لاحقا في مرفأ مدينة طرابلس التي تعتبر الساحة الأبرز للتدخل التركي.

كل ذلك يبين ان تركيا تبحث في لبنان عن مصالحها كما تفعل في مختلف الساحات المحيطة بها، لكن بلبوس اجتماعي وخيري وتنموي، خاصة ان لتركيا تجارب سيئة من التدخلات في سوريا والعراق وغيرهما من الدول.


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير



وسوم مرتبطة

دول ومناطق


روزنامة المحور