السبت 05 شباط , 2022 09:52

تسويات بين الدولة والعشائر غرب الفرات: تحضيرات للمرحلة القادمة

التسويات في دير الزور والرقة

بدأت في الأشهر الأخيرة عمليات تسويات الأوضاع في غرب الجزيرة السورية، مناطق دير الزور والرقة، وغيرها. وقد وصلت في إجراءاتها إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية- العراقية. تأتي التسويات في وقت ارتفعت فيه وتيرة خطف أبناء العشائر العربية في الحسكة من قبل المليشيات الكردية في المدينة. مليشيات يضعها الأميركي في مواجهة أهل المنطقة من عرب وسريان وآكاد وحتى الأكراد، وتستخدمهم فيها كخط دفاع اول لحماية المواقع الأميركية، التي تستغل الحلم الذي يدغدغ مخيلة الأكراد بإقامة إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا. ولكن ما أهمية هذه التسويات في المرحلة الحالية؟

ببساطة أهم نتائج التسويات عودة الشباب السوري لخدمة العلم في الجيش العربي السوري بدلاً من محاولات استغلال الشباب الذين يتوجب عليهم الخدمة العسكرية من قبل الأكراد. والهدف الأساسي من التسويات هو إعادة الثقة ما بين الدولة والعشائر وخاصة بعد اختلال الأوضاع خلال فترة احتلال داعش للجزيرة السورية، وإخضاع العشائر لسلطتها ومحاولات تجنيد أبناء الجزيرة بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى. هذه الوضعية التي عاشتها الجزيرة السورية كان لها تأثير سلبي على علاقة العشائر وأبنائها من جيل الحرب بالدولة، والتي يجب العمل على إعادة بنائها.

كما أن تنظيم داعش الوهابي الارهابي قد تسبب بشرخ نفسي في داخل أبناء الجزيرة، نتج عنه ضعف ثقة بالذات. ومن أسباب ذلك، التنميط الذي خضع له هؤلاء بوسمهم بدون تمييز ولومهم على أنهم متعاملين مع داعش، وأنهم يعيشون خارج نطاق الدولة ومتمردين عليها. والسبب الثاني الذي أدى إلى ضعف الثقة بالنفس، هو المعاملة الدونية التي عاشها هؤلاء من قمع للحريات وفرض لباس داعش والقوانين الصارمة التي أهانت الشخصيات والأهالي وزعماء العشائر أمام أنفسهم وأمام عائلاتهم فباتوا غير قادرين حتى على الدفاع عن أبنائهم وبناتهم. والسبب الأخير، هو القتل الوحشي الذي كان يفرض على الرجال والنساء على حد سواء، وحضور حفلات الإعدام بالرصاص وقطع الرؤوس والحرق أحياناً. أسباب جعلت من المواطنين أسرى حالة من القمع والإنكفاء على الذات.

ومع الوضع السياسي والميداني الحالي، والاحتلال الأميركي للتنف، والقاعدة ليست بعيدة عن تدمر او حتى عن البوكمال السورية، والتي تأوي عناصر داعش وتجندهم لحمايتها حتى اليوم. اذ يقوم هؤلاء حين يتسنى لهم وإن بفترات متباعدة بشن غارات على باصات عناصر الجيش المتوجهين في إجازات لزيارة أهاليهم، وعلى رعاة الغنم في الجزيرة وسرقة مواشيهم، أو منعهم من رعاية أرضهم وجني المحاصيل.

حضور الدولة والبدء بالتسويات هدفه الأول، بحسب مصدر مطلّع، هو "تقوية العشائر، من خلال إعادة دور الشيوخ فيها ودعمهم. ومن ثم نزع ذريعة التجنيد الاجباري من الاكراد. مما سيدفع زعماء العشائر حتماً برفض البقاء تحت خدمة الاكراد، بعد أن كانت قسد تجند الاهالي بحجة عدم الالتحاق بالجيش السوري".

صحيح أن المنطقة تمر اليوم بحالة من السكون القاتل، وإن كان الصراع الدائر بين داعش والأكراد على أشده في محافظة الحسكة، إلا أن ما يحدث ليس إلا محاولات لإعادة تفعيل الدور الأميركي في العراق وسوريا بدعوى محاربة الإرهاب. والأمر له علاقة بالتأكيد بإستفزاز الروس الذين كانوا يتوقعون خروج الأميركيين. ولكن يبدو أنه بعد الأزمة الأوكرانية بدأ شوط جديد من لعبة عض الأصابع. ولكن وبحسب المصدر" العشائر، يجب أن تكون جاهزة إلى جانب الدولة في حال بدأت مرحلة تحرير وإعادة السلطة في شرق الفرات".

الأفراد، الذين يتقدمون من أجل تسوية أوضاعهم، ليسوا فقط من منطقة غرب الفرات، وإنما أيضاً من الرقة والحسكة والقامشلي، أي من شرقه، والذين يرفضون استغلالهم من أجل التجنيد مع الأكراد. ومعظمهم عادوا من لبنان أو هربوا من المناطق التي تسيطر عليها قسد. ما يعني بدء مطالبة الأهالي باستعادة الدولة سلطتها في مناطق شرق الفرات. في حين يصر الأكراد مستندين على الدعم الأميركي على إقامة إدارة ذاتية، الامر الذي لن يتحقق.

وإن لم يعد الأكراد إلى كنف الدولة فهذا سيجعلهم أسرى نتائج أعمالهم، وعند خروج الأميركي يؤكد المصدر أنه "سيقع الأكراد في حصار ما بين الجيش من الغرب والعشائر من الجنوب، وتركيا من الشمال والحشد الشعبي من الشرق". فتداعيات مؤتمر أربيل، والدعوة للسلام مع "إسرائيل" لن يمر عليها الزمن. دعوة وضعت الأكراد في مواجهة مع الحشد الشعبي بالتأكيد، وخاصة بسبب مواقف أطلقت من كردستان العراق في هذا الخصوص. والتواطئ ما بين أكراد سوريا مع الصهاينة برعاية أميركية لم يعد سراً يخفى على أحد.

يضيف المصدر السوري أن "تقوية العشائر ودعمها لتغدو في حالة تأهب بات مطلباً هاماً تماماً كما استعادة هيبة الدولة في منطقة الجزيرة بين جميع المكونات فيها، لكن ساعة الصفر لم تلح بعد في الأفق، وحلحلة الأمور بانتظار انتهاء الأزمة الأوكرنية".

أحد الأهداف التي نتجت عن المصالحات، استعاد أهالي الجزيرة السورية إلى حضن الدولة وخلق بيئة حاضنة للمقاومة ضد الإحتلال الأميركي وذراعه قسد. فما بين 13/12 من العام الماضي و7/1 من العام الحالي هزت حقل العمر النفطي ثلاث انفجارات قوية في تواقيت مختلفة. وتنسب العمليات بحسب وسائل منصات التواصل الإجتماعي للمقاومة العربية العشائرية الشعبية. كما قصفت قاعدة الإحتلال الأميركي في التنف. اذاً بدء العمليات ضد القواعد الأميركية واحدة من تزامن نتائج التسويات المهمة.

في الآونة الأخيرة قامت الدولة السورية برفع مستوى التعزيزات في البادية وخاصة في منطقة تدمر والسخنة وشرق حمص، وبحسب المصدر العسكري فقد رصدت عودة التحركات المريبة لقوات داعش في بداية هذا العام. ومع بداية حملة التسويات الكبرى، تصدى الجيش السوري لهجوم تنظيم داعش على منطقة دير الزور الغربي، في نهاية العام الماضي. ما حدث على الأرض، وما يحدث خلال الفترة الماضية من هروب عناصر داعش من سجن غويران في الحسكة، ومحاولة تهجير اهالي الحسكة والإشتباكات ما بين قسد والأتراك من جهة وما بين قسد وداعش من جهة أخرى يعكس جزئية من المشهد الذي تحدث عنه المصدر. ولكن ما حدث ليس بداية المعركة الكبرى، إنها مجرد مناوشات تصب في حاجة الإدارة الأميركية من أجل تقديم انجاز ما قبل الإنتخابات النصفية. ومحاولة تركية لجني أرباح انتخابية على حساب الأكراد، الذين تعتبرهم مجاميع إرهابية، ولكن يبدو ان المعركة الكبرى لتحرير شرق الفرات آتية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور