الخميس 08 أيلول , 2022 03:13

ليز تراس.. مبدأ التلاعب في المواقف السياسية لكسب الجمهور!

ليز تراس

حلّت ليز تراس في الخامس من شهر أيلول / سبتمبر رئيسةً لمجلس الوزراء البريطاني وزعيمة لحزب المحافظين بعد الرئيس المستقيل بوريس جونسون بداية شهر تموز / يوليو الماضي. وكانت المملكة المتحدة قد دخلت نفقاً سياسياً مظلماً بعد سلسلة من الاستقالات في الحكومة ومن فضائح جونسون (إقامة حفلات خلال فترة الاغلاق مع انتشار وباء "كورونا، التكتّم على فضائح التحرش الجنسي لشخصية برلمانية)، بالإضافة الى أزمات في تكاليف المعيشة واضطرابات عمالية وركودًا يلوح في الأفق.

فما هي سيرة ليز تراس؟  

_ ليز تراس، المرأة الثالثة التي تتولى هذا المنصب، من مواليد 26 تموز / يوليو عام 1975 في مدينة اوكسفورد هي سياسية بريطانية كانت تشغل أخيراً منصب وزير الخارجية منذ 2021 ووزيرة شؤون المرأة والمساواة منذ 2019.

_ تنحدر من عائلة وصفتها تراس بأنها "على يسار حزب العمال" (يسارية) ونشأت في مناطق بالمملكة المتحدة لم تصوت تقليديًا لحزب المحافظين، وشاركت مع والدتها الممرضة عندما كانت صغيرة في مسيرات ضد السلاح النووي قادتها "حملة نزع السلاح النووي".

_ التحقت بكلية "ميرتون أكسفورد"، حيث كانت رئيسة حزب الديمقراطيين الليبراليين بجامعة "أكسفورد" التي تخرجت منها عام 1996. خلال فترة عضويتها في الحزب الديمقراطي الليبرالي، دعمت تراس إلغاء الملكية.

_ بعد عامين فقط على هذه الآراء بدّلت تراس انتماءها السياسي وانضمت إلى حزب المحافظين، وفي حديث مع قناة الـ "BBC" قال نيل فوسيت، (عضو في الحزب الديموقراطي الليبرالي) الذي قاد حملة انتخابية مع تراس في التسعينيات، حول تصريحاتها بإلغاء الملكية "أعتقد بصدق أنها كانت تلعب حسب الجمهور في ذلك الوقت... أعتقد أنها شخص يلعب حسب أي جمهور تتحدث إليه، ولا أعرف حقًا ما إذا كانت تصدق أي شيء تقوله، في ذلك الوقت أو الآن".

_ من عام 1996 إلى عام 2000، عملت ترس في شركة "شل"، وخلال هذه الفترة تأهلت للعمل كمحاسب إداري قانوني (ACMA) في عام 1999.

_ في عام 2000، عُيّنت في شركة Cable & Wireless وترقّت الى منصب المدير الاقتصادي قبل مغادرته في عام 2005.

_ شغلت تراس منصب نائب مدير مركز الأبحاث "إصلاح" وبهذه الصفة دعت إلى الإصلاح في عدد من مجالات السياسة بما في ذلك رعاية الأطفال وتعليم الرياضيات والاقتصاد.

_ في تشرين الأول / أكتوبر عام 2009، اختار أعضاء جمعية المحافظين تراس للترشح عن مقعد جنوب غرب جزيرة "نورفولك". وقد فازت بأكثر من 50% من الأصوات. وبعد فترة وجيزة اعترض بعض أعضاء جمعية الدائرة الانتخابية على اختيارها على خلفية علاقة شخصية جمعتها مع النائب المحافظ مارك فيلد، واقترحوا إقالتها من المقعد ولكن تم رفض ذلك بأغلبية 132 صوتًا مقابل 37 صوتًا في اجتماع عام لأعضاء الجمعية.

_ أصبحت في العام 2010 عضواً في البرلمان.

_ في تشرين الأول / أكتوبر 2011، أسست تراس مجموعة المشاريع الحرة لحزب المحافظين، والتي تم دعمها من قبل أكثر من 40 عضوًا برلمانيًا محافظًا.

 في أيلول / سبتمبر 2011، شاركت مع أربعة أعضاء آخرين في Free Enterprise Group في تأليف كتاب After the Coalition، وهو كتاب سعى إلى تحدي الإجماع على أن التدهور الاقتصادي في بريطانيا أمر حتمي من خلال المطالبة بعودة ثقافة ريادة الأعمال والجدارة.

في آذار / مارس 2011، كانت عضوًا في لجنة اختيار العدالة وبقيت فيها الى أن تم تعيينها وزيرة في الحكومة.

_ شغلت تراس منصب وكيل الوزارة البرلماني لرعاية الأطفال والتعليم في الفترة من عام 2012 إلى عام 2014.

_ عُيّنت وزيرة الدولة لشؤون البيئة والغذاء والشؤون الريفية في التعديل الوزاري لعام 2014.

_ في تموز / يوليو 2016 تم تعيينها من قبل رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي وزيرة الدولة للعدل ولمنصب مستشار اللورد اتكون أول سيدة تشغله (اللورد المستشار هو أعلى مرتبة بين ضباط الدولة المعيّنين بانتظام في المملكة المتحدة، وإسمياً فإنه أعلى مرتبةً عن رئيس الوزراء، ويكون عضواً في مجلس الوزراء وحسب القانون البريطاني فهو مسؤول عن كفاءة أداء واستقلال المحاكم).

_ عام 2019 دعمت تراس وصول بوريس جونسون الى زعامة حزب المحافظين. كان يُعتقد أنها ستُعيَّن وزيرة للخزانة أو وزيرة الأعمال لكن جونسون عينها وزيرة الدولة للتجارة الدولية. وقالت ترس في أيلول/ سبتمبر 2019، أن وزارة التجارة الدولية سمحت "عن غير قصد" (على حدّ زعمها) بشحن قطع لاسلكية ومبرّدات هوائية الى السعودية، وقد استخدمتها الأخيرة في عدوانها على اليمن.  وهو ما يُعدّ انتهاك لأمر محكمة الاستئناف التي تعتبر هذا التصرّف غير قانوني، وقد طالبها العديد من النوّاب بالاستقالة لخرقها القانون. وبعد ذلك، في 7 يوليو / تموز 2020، أعلنت ترس عن رفع الحظر الذي استمر لمدة عام على تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السعودية زاعمةً أنه "لا يوجد خطر واضح من استخدام تصدير أسلحة ومعدات عسكرية إلى السعودية في ارتكاب انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي".

_ تم تعيين تراس، في 19 كانون الأول / ديسمبر 2021 لمنصب كبير مفاوضي الحكومة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي ورئيس المملكة المتحدة لمجلس الشراكة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

_ في 19 آذار / مارس 2020، تقدّمت ترس إلى البرلمان بقانون التجارة 2021، الذي وضع الإطار القانوني للمملكة المتحدة لإجراء صفقات تجارية مع دول حول العالم.

_ في آب / أغسطس من العام 2020، تم حذف الاجتماعات التي عقدتها ترس مع معهد الشؤون الاقتصادية من السجل العام لأنه أعيد تصنيفها على أنها "مناقشات شخصية"، والتي قال حزب العمل إنها تثير مخاوف بشأن النزاهة والشفافية والصدق في المناصب العامة.

رؤيتها في السياسة الداخلية

في أول تصريح لها بعد تولي المنصب أعلنت تراس أن أولوياتها الثلاث ستكون الاقتصاد وأزمة الطاقة وتحسين نظام الصحة العامة الوطني. كما ادعت أنها من المدافعين عن الأسواق الحرة، وخفض الضرائب لتحفيز النمو، وأنها ستمنع رفع فواتير الطاقة. وزعمت تراس أنها ستطرح خطة للتعامل مع ارتفاع أسعار الكهرباء خلال أسبوع ولتثبيت قيمة فواتير الكهرباء والغاز الطبيعي السنوية.  وعلى الرغم من أنها كانت من المؤيدين البارزين لحملة "بريطانيا أقوى في أوروبا" التي ترفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الا أنها بدّلت موقفها بعد نتائج الاستفتاء الشعبي عام 2016.

مواقف تراس في السياسة الخارجية

_ فور توليها منصب رئاسة الوزراء، اتصلت تراس بالرئيس الأمريكي جو بايدن وأعادت التأكيد على العلاقة الخاصة بين البلدين وعلى ضرورة تعميق العلاقات الثنائية. وأعلن البيت الأبيض أن بايدن وتراس قد بحثا "أهمية استمرار التعاون الوثيق بشأن التحديات العالمية، بما في ذلك دعم أوكرانيا والدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي، والتصدي للتحديات التي تطرحها الصين، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي".

_ في أكتوبر / تشرين الأول 2021، دعت تراس روسيا إلى التدخل في أزمة الحدود بين "روسيا البيضاء" والاتحاد الأوروبي وقالت إنها تريد "علاقة تجارية واستثمارية أوثق" مع مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية وقطر.

_ في تشرين الثاني / نوفمبر 2021، أعلنت تراس ونظيرها الإسرائيلي يائير لابيد آنذاك عن صفقة جديدة لمدة عقد من الزمن تهدف إلى "منع إيران من تطوير أسلحتها النووية".

_ في 5 تشرين الثاني / نوفمبر 2021، دعت تراس إلى وقف إطلاق النار في "تيغراي" (شمال إثيوبيا) بين الجماعات الإثيوبية والحكومة زاعمةً أنه "لا يوجد حل عسكري وأن المفاوضات ضرورية لتجنب إراقة الدماء وتحقيق سلام دائم".

_ في  كانون الأول / ديسمبر 2021، التقت بنظيرها الروسي سيرجي لافروف ودعت روسيا على السعي لتحقيق السلام في أوكرانيا.

_ في حزيران / يونيو 2022، سألتها لجنة من أعضاء البرلمان رأيها حول علاقات المملكة المتحدة مع دول الخليج، وصفت تراس دول الخليج بأنهم "شركاء" و "حلفاء مهمون" لبريطانيا.

في 30 كانون الثاني / يناير 2022، قالت تراس في حديث على قناة الـ "BBC" أن بريطانيا توفر وتقدم دعمًا إضافيًا لحلفائها في دول البلطيق بالإضافة إلى تزويد الأوكرانيين بأسلحة دفاعية". وألغت رحلتها في اليوم التالي التي كانت مقررة الى أوكرانيا بسبب إصابتها بفايروس كورونا

_ بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأت في 24 شباط / فبراير 2022 ، سُئلت تراس في مقابلة قناة الـ "BBC"   عن دعوة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للأجانب للانضمام إلى "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا"، وإذا كانت تدعم المتطوعين البريطانيين، فردت بالقول "بالتأكيد ، إذا كان هذا ما يريدون فعله"، الا أن زملاءها من المحافظين انتقدوا تصريحاتها بمن فيهم المدعي العام السابق دومينيك جريف ، الذي قال إن "الأشخاص الذين يذهبون إلى أوكرانيا للقتال بدون تراخيص رسمية من حكومة المملكة المتحدة سيكونون كذلك في انتهاك لقانون التجنيد الأجنبي لعام 1870 وارتكاب جريمة جنائية". وتتخذ تراس مواقف عدائية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحمّله مسؤولية أزمة الطاقة والأزمة الغذائية العالمية.

_ في نهاية شهر شباط / فبراير عام 2022، دعت تراس دول "مجموعة السبع" إلى الحد من استيراد النفط والغاز الطبيعي من روسيا. واعتبرت أنه من الضروري "العمل مع جميع حلفائنا حول العالم بما في ذلك المملكة العربية السعودية، حتى لا تكون المملكة المتحدة معتمدة على روسيا فيما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعي".

_ في 27 نيسان / أبريل 2022، قالت تراس "إن الحلفاء الغربيين، بما في ذلك المملكة المتحدة، يجب أن يتضاعفوا ويواصلوا المضي قدمًا وبسرعة من أجل إخراج روسيا من أوكرانيا بأكملها"، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

_ أما حول مواقفها من الصين، فدعت تراس الى اتخاذ إجراءات أكثر   صرامة بشأن بكين كما حثّت على أن تتحول مجموعة "الدول السبع" إلى "ناتو اقتصادي" يمكنه "الدفاع عن نفسه بشكل أفضل ضد النفوذ الصيني الاقتصادي في جميع أنحاء العالم". ويُذكر أنّ مجموعة الدول الصناعية السبع، هي عبارة عن ملتقى سياسي حكومي دولي يضمّ ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة الأميركية.

في كانون الثاني / يناير 2022، اتهم رئيس الوزراء الأسترالي السابق بول كيتنغ، الذي يعمل في المجلس الدولي لبنك التنمية الصيني، تراس بالإدلاء بتعليقات "جنونية" حول النشاطات العسكري الصينية في المحيط الهادئ ، قائلاً إن "بريطانيا تعاني من أوهام الحرمان من العظمة والأهمية".

أمام هذا التاريخ الطويل من التنقّل في المناصب الحكومية والبرلمانية وهذه المواقف الحادة والمتطرفة والمنحازة – بطبيعة الحال – تُطرح علامات الاستفهام حول توقيت وصول ليز تراس الى هذا المنصب في ظلّ أجواء عالمية متوترة وحول دور وتموضع المملكة المتحدة في عهدها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور