الأربعاء 02 تشرين ثاني , 2022 10:50

سيستان وبلوشستان ترفض البيعة للسعودية

الاضطرابات في سيستان وبلوشستان

خلال السنوات الماضية، تصاعدت وتيرة الأعمال المسلحة في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، ثاني أكبر محافظة في إيران. تتهم إيران الإمارات والسعودية بدعم الجماعات المتطرفة في هذه المقاطعة ذات الأغلبية السنية، كما تنتقد بحدة باكستان لتقاعسها عن حماية الحدود. هذه الحدود تستخدمها الدول والتنظيمات المسلحة لاستقطاب الشباب، والترويج للمخدرات، ونشر الأفكار المتطرفة، وتسليح جماعات كـ "جند الله" و"أنصار الفرقان" و"جيش العدل"؛ الذي قام بعدة عمليات أدت إلى وقوع ضحايا بين الأهالي في المنطقة، آخرها العملية الانتحارية في زاهدان التي أوقعت 27 شهيدًا في فبراير/شباط 2019.  

منطقة استراتيجية ملتهبة

تدأب الحكومات المتتالية في إيران على الاهتمام بهذه المنطقة الاستراتيجية، التي تلعب دورًا كبيرًا في المواصلات والتجارة للبلاد، خاصة أنها تقع على الحدود مع أفغانستان شمالًا إلى باكستان شرقًا حتى بحر العرب جنوبًا، وهو ما يقارب نصف حدود إيران الشرقية، کما أنها المحافظة الإيرانية الوحيدة التي تحتوي على مدخل إلى المياه الدولية، دون الحاجة للمرور بمضيق هرمز. وقد دخل الحرس الثوري بقوة في خط مشاريع تنمية المحافظة، بتخصيصه 1551 مشروعًا من مشاريعه المسماة "نزع الحرمان"، وهي مشايع صغيرة تهدف لتقليص نسب البطالة والفقر في المحافظة. إلا أن التحريض الذي يتم تمريره من خلال المعتقدات الأيديولوجية والأفكار الدينية، يعمل على تضليل الأهالي أنّ هناك إقصاءً وتهميشًا ممنهجًا ضدّ المحافظة وسكانها، ويتم الترويج لها بشكل ملحوظ لدى الإعلام المعادي للنظام الإيراني. كما يتمّ استغلال هذه الأرضية لأعمال عدائية مسلحة ضدّ النظام كلما أرادت الأطراف الخارجية ذلك. وبالطبع تمّ إشعال اضطرابات في هذه المنطقة بالتزامن مع الاحتجاجات على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني.

الشيخ مولوي عبد الحميد يرفض البيعة

بعد أيام من الشغب والعنف ضد الشرطة واستهداف شخصيات تعمل في المرافق الحكومية في محافظة سيستان وبلوشستان، تضمنت استهداف سيارات الشرطة ومقراتها بالأعيرة النارية، وإضرام النار فيها، وصنع القنابل اليدوية ومطاردة حراس الأمن وحتى الأهالي، أظهر أحد مقاطع الفيديو من مسجد زاهدان، رجل دين يدعى حافظ عبد القهار، يجمع الناس ويدعوهم لبيعة الشيخ مولوي عبد الحميد، ويعلن للحاضرين وجوب إطاعته، وسط هتافات التكبير.

الشيخ مولوي عبد الحميد هو الزعيم الروحي للسنة في محافظة سيستان وبلوشستان وإمام جمعة أهل السنة في زاهدان. في اليوم التالي، بتاريخ 27 أكتوبر /تشرين الثاني، وفي نفس المسجد، رفض الشيخ عبد الحميد البيعة. وطلب من المصلين ضبط انفعالاتهم والتوجه إلى بيوتهم بهدوء. وأكد أنه "لا ينبغي أن نسمح للعدو بتدمير العلاقة بين الشيعة والسنة بتقسيمهم".

وبعدما فشلت مساعي إقناع الشيخ عبد الحميد بالانفصال عن النظام، انتشرت على القنوات التلفزيونية وعلى منصات مواقع التواصل أن الحرس هدد مولوي الشيخ عبد الحميد، ونقلت عن لسان الشيخ أخبارًا مفبركة، فنفت العلاقات العامة للحرس ذلك.

دور السعودية في تحريك الجماعات المسلحة

تعوّل المملكة السعودية على باكستان بوصفها جسرًا للنفوذ لأسباب عديدة، أهمها النفوذ الاستخباراتي واللوجستي المتشعّب على الحدود الإيرانية، وعلى الرغم من رغبة باكستان بالنأي بنفسها عن الصراعات بين طهران والرياض، إلا أن هبات محمد بن سلمان وإيداعات صندوق السعودية للتنمية لدى البنك المركزي الباكستاني، واتفاقيات الاستثمار في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى مصالح أيديولوجية، مكّن كل ذلك من التدخل السعودي حتى في الشؤون الداخلية الباكستانية، وجعل من الصعب على باكستان ضبط حدودها مع إيران، خاصة أن اتفاقيات الطاقة تشمل المصافي الحدودية بين باكستان وإيران، وسيكون وجود السعوديين باسم المقاولين في هذه المناطق مصدر قلق لطهران. وكان الشهيد الراحل قاسم سليماني قد صرّح بأن "السعودية تحاول الإيقاع بين باكستان وجيرانها بأموالها".

وعلى إثر العملية الانتحارية عام 2019، اتهم الرئيس السابق حسن روحاني السعودية بأنها تدعم الإرهابيين. كما أكدت التقارير التي صدرت عن مجلس الأمن القومي الإيراني بأن المملكة: "تقدم أيضًا مساعدات مالية ولوجستية للجماعات الإرهابية، وحتى تشتري أسلحة للإرهابيين".

إلى ذلك يجري الحديث عن بصمات للسعودية في عملية إطلاق النار في مرقد أحمد بن موسى بن جعفر في شيراز  في السادس والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومحاولة تفجير تمّ إحباطها في أحد شوارع المدينة بالتزامن مع التفجير  الأول. وكان القائد العام للحرس الثوري الإيراني قد وجّه تحذيرًا للسعودية التي تعمل على التحريض و"استفزاز الشباب"، مؤكدًا أن آثار هذا التحريض السلبي سينعكس عليهم.

وأخيرًا

نوايا محمد بن سلمان قام بإعلانها في إحدى مقابلاته عام 2017، عندما صرّح أنه سيعمل "لتكون المعركة عندهم في إيران". يبحث بن سلمان عن خشبة خلاص تخرجه من المستنقع اليمني، ويرى في تحقيق إنجاز في إيران مخرجًا يحفظ فيه ماء وجهه. هذه النوايا المتناغمة مع الاستراتيجية الأمريكية، تهدف إلى الضغط على طهران للتراجع عن سياستها الإقليمية، في ظلّ تنامي دورها ليس فقط على مستوى الإقليم، بل على الساحة العالمية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور