شائعات تتكرر كل عام في ذكرى رحيل الإمام الخميني

الإمام روح الله الموسوي الخميني

في كل عام، مع ذكرى وفاة الإمام الخميني الراحل أو ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، يتم نشر شائعات وشكوك حول شخصية مؤسس الجمهورية الإسلامية بهدف التشكيك في أساس النظام الإسلامي. نشرت وكالة فارس مجموعة  من الشائعات التي تتكرر بشكل موسمي ومع كل حدث، بالإضافة إلى وضع تفنيد لها.

من الشائعة إلى الواقع

 مرت أربعة وثلاثون عاماً على وفاة الإمام الخميني، مؤسس الثورة الإسلامية، الشخصية التي وصفها نيلسون مانديلا بأنها ابن الإسلام الشهير، وقال: لقد قدّم مساهمة كبيرة في إظهار الطريق الصحيح للأجيال الحالية والمستقبلية من المسلمين.

وقال ميخائيل غورباتشوف، الزعيم الشيوعي السوفيتي: "كان الإمام الخميني يفكر فيما وراء الزمن، وكان قادراً على إحداث تأثير كبير في تاريخ العالم.

حتى هنري كيسنجر، وهو استراتيجي يهودي المولد ومستشار للرئيس الأميركي الأسبق، اعتقد أن الامام الخميني واجه أزمة تخطيط خطيرة. لقد تحدث وتصرف بمعايير أخرى غير تلك المعروفة في العالم، كما لو كان مستوحى من مكان آخر.

لكن في الوقت نفسه، حاول الكثيرون إظهار وجه مشوه وغير صحيح للإمام الخميني (رض). وعلى مدى العقود القليلة الماضية ومع تعاظم قوة إيران في الساحة العالمية، أصبح تشويه شخصية وموقف مؤسس الثورة الإسلامية أكثر حدة، بحيث يتم نشر الشائعات والشكوك بشكل هادف، وتتكرر هذه الشائعات التي يتم الرد عليها كل عام في محاولة للتأثير على عقل الجمهور.

فيما يلي بعض الشائعات التي تم نشرها حول أعظم شخصية سياسية في هذا القرن:

هل الإمام من أصل هندي حقا؟

شائعة: إحدى الشائعات المحيطة بالإمام الخميني (رضي الله عنه) هي أن عائلته ذات أصول هندية، وليست إيرانية!

تظهر الدراسات التاريخية أن عائلة السيد الخميني كانت في الأصل من سكان نيشابور، وكان جدها الثالث عشر السيد حيدر موسوي أردبيلي الذي سافر إلى كشمير في الهند بهدف التبليغ ونشر الإسلام. بعد هذه الهجرة لأبناء وأحفاد السيد الأردبيلي استمرت العائلة على نهج والدها في الهند، الى ان عاد جدّ الإمام الخميني (رضي الله عنه) إلى إيران وأقام في مدينة خمين.

 الإمام الخميني مدعوم من حكومات أجنبية!

شائعة: من الشكوك الأخرى التي يثيرونها حول الثورة الإسلامية تتعلق بدعم البريطانيين المزعوم للإمام الخميني. حيث وضع الإعلام العالمي هذا الموضوع على جدول أعماله.

وفي هذا الصدد، قال علي أفشاري، المحلل السياسي المناهض للثورة الإسلامية في مقابلة على إحدى قنوات الإعلام العالمية: "أرى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن السيد الخميني كان نتاج مؤامرة أجنبية؛ بل الأمر عكس ذلك، فهو جاء من قلب المجتمع الإيراني بحيث يعرف أي شخص يعيش في إيران على مدى العقود الخمسة الماضية كم لدى هذا الإمام من جمهور ومحبين متحمسين له!".

بالإضافة إلى ذلك، قال فريد هاليداي Fred Halliday، الكاتب الشهير والأستاذ والخبير في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط: "حدثت الثورة الإيرانية في الشوارع والمساجد، وليس في غرفة أخبار بي بي سي في لندن. كان لآية الله الخميني شبكته الخاصة، ولكن بما أن الشاه ومن حوله لم يستطيعوا فهم ما كان يحدث، فقد كانوا يبحثون عن نظرية المؤامرة".

ونشر الأرشيف الوطني البريطاني عام 2011، (ينشر وثائق سرية كل 30 عاما)، مستندات ووثائق تتحدث عن سنوات الثورة الإسلامية، والاستيلاء على وكر التجسس (السفارة الاميركية)، والحرب المفروضة مع نظام صدام حسين. وفي مراسم حفل نشر الوثائق، أشار مجيد تفرشي، الباحث في الأرشيف الوطني البريطاني، الى الدور الأسطوري لبريطانيا في الثورة الإسلامية، وقال: "هناك تيار فكري وسياسي تقليدي قوي داخل إيران وخارجها يعتقد أن أي مصيبة في إيران هي بسبب البريطانيين. وثمة وجهة نظر أخرى متناقضة تمامًا حول دور البريطانيين والولايات المتحدة في الثورة الإسلامية عام 1979. تقول إن الثورة الإيرانية هي نتاج مؤامرة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب ضد النظام البهلوي. أعتقد أن كلا هذين التعليقين باطلان".

ومن أجل تكوين هذا الانطباع الخاطئ في ذهن الجمهور، نشر آخرون صورة ادعوا فيها ان " السفير البريطاني هو المرافق للإمام الخميني" وذلك لإظهار أن اليد البريطانية دعمت الثورة الإسلامية في إيران.

 هم أردوا تضليل الرأي العام فأشاعوا ان الرجل الذي يجلس الى جانب الإمام في الصورة هو السير "جون غراهام"، السفير البريطاني في إيران في ذلك الوقت، لكن في الواقع هو كريم سنجابي، رئيس الجبهة الوطنية الإيرانية ووزير الثقافة في حكومة محمد مصدق.

وفي 2 حزيران/ يونيو 2016، قبل يومين من ذكرى وفاة الإمام، زعمت قناة بي بي سي الفارسية أنها حصلت على وثائق تظهر اتصالات الامام الخميني السرية مع حكومتي جون كينيدي وجيمي كارتر. على الرغم من أن قضية المواجهة والعداء للولايات المتحدة الأميركية منذ الستينات إلى آخر لحظة في حياة الإمام الخميني هي واضحة تمامًا وشفافة وعلنية ولا يمكن إنكارها، إلا أن هذه القضية أدت أيضًا إلى ردود فعل واسعة النطاق.

وقال السيد علي خامنئي، قائد الثورة في تصريحات له في ذكرى وفاة الإمام الخميني في العام نفسه: "إنجلترا شريرة حقًا؛ سواء في الماضي، من الفترة الأولى لنظام الطاغوت إلى قيام الثورة، وبعد بداية الثورة وانتصارها حتى اليوم، كانت إنجلترا دائما معادية لنا؛ والآن بمناسبة ذكرى الإمام، ينشر جهاز الدعاية التابع للحكومة البريطانية ما يسمى بالوثائق ضد الإمام الطاهر الجليل. من أين أتوا بهذه الوثيقة؟ من الوثائق الأمريكية! حسناً، هل الأمريكي الذي أسقط طائرة الركاب وكان على متنها ثلاثمائة راكب يخاف من تزوير الوثيقة؟ هكذا هم الإنجليز".

وردّ غاري سايك، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر، على ادعاء قناة بي بي سي الفارسية بأن الإمام الخميني كان على اتصال بمسؤولين أمريكيين، واصفاً إياه بأنه جدل لا معنى له حول مسألة تافهة، مؤكدا أنه بصرف النظر عن الانتقائية والاقتباسات وبعض الأخطاء الواردة في تقرير BBC، فهذا الامر أثار جدلًا كبيرًا حول مسألة تافهة وغير مهمة إطلاقا.

بدوره، قال إبراهيم يزدي وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة "هذا كلام كاذب. أولًا، لم يرسل السيد الخميني رسالة شخصية إلى كارتر، بل كارتر هو الذي أرسل الرسالة، وقد رد السيد الخميني على رسالته. ثانيًا، تم الكشف عن تبادل هذه الرسائل لأول مرة من قبل غاري سايك، عضو مجلس الأمن القومي في ظل إدارة كارتر، في كتابه "كل شيء يسقط". كما ان تقرير بي بي سي الإخباري هو ملخص معيب للرسالة الخامسة والأخيرة التي تم تبادلها. ونقلت القناة عن السيد الخميني قوله: "... ليس لدينا عداء خاص مع الأمريكيين". فيما النص الصحيح يقول: "ليس لدينا عداوة خاصة مع الشعب الأمريكي".

هل وعد الإمام الشعب الإيراني بأن يكون الماء والكهرباء مجاناً؟

شائعة: في كل عام يصادف ذكرى وفاة الإمام الخميني، تسخن بعض وسائل الإعلام شائعات عن "مياه وكهرباء مجانية" تنسب إلى مؤسس الثورة، وتصر على إقناع الرأي العام بأن الإمام الخميني الراحل كان أول من وعد ب"الماء والكهرباء مجانا" وبسبب هذه الوعود وقف الناس مع الثورة الإسلامية.

الواقع وخلافاً لهذ الشائعات، لم يتحدث الإمام الخميني (ره) في خطابه الشهير في جنة الزهراء (بهشت زهراء) عن تحرير الماء والكهرباء. أن المقطع الكامل لهذا الخطاب يؤكد أن قائد الثورة لم يتحدث عن الماء والكهرباء مجانا. ولمن أراد مراجعة النص الكامل لجميع محاضرات الإمام الخميني منذ عام 1942 فهو متاح في مجموعة "صحيفة الإمام" المؤلفة من 21 مجلدا، ويمكن الوصول إليها بسهولة، ولا يوجد مثل هذا الوعد في خطاب الإمام الخميني في جنة الزهراء.

إذن من أين أتت هذه الإشاعة وتلك الصور التي نشرت في الصحف حولها؟  كان عباس أمير انتصار، المتحدث باسم الحكومة الايرانية المؤقتة، اول من أعلن عن تمرير مشروع قانون لجعل المياه والكهرباء مجانية، وفقط لذوي الدخل المنخفض. المقال نشرته صحيفة كيهان في 27 شباط /فبراير بالعنوان العريض، وربما بسبب كتابة العنوان بالخط الكبير "المتحدث باسم الحكومة"، قاموا بنسب هذه الجملة إلى الإمام (رض).

كانت المرة الأولى التي تحدث فيها الإمام الخميني عن هذا الامر في 1 آذار/ مارس (بعد حوالي شهر من وصوله إلى إيران) في المدرسة الفيضية في قم. في الواقع، إن الفايل الصوتي للإمام حول الماء والكهرباء المجانيين، الذي تم نشره في العديد من وسائل الإعلام (وعلى فايل الفيديو الخاص بخطاب بهشت زهراء)، هو فايل منفصل عن خطابه في المدرسة الفيضية، الذي يقول فيه: "بالإضافة إلى رغبتك في أن تكون حياتك المادية مرفهة، نريد أيضا أن تكون حياتك الروحية مزدهرة. أنت بحاجة إلى الروحانيات والمعنويات، فلا تكن سعيدًا لأننا نبني المساكن فقط، ونجعل الماء والكهرباء مجانا للطبقة الفقيرة، ونجعل المواصلات مجانية للطبقة الفقيرة، لا تكن سعيدا جدا بذلك. بل إن الروحانيات هي التي ستمنحك القوة في الحياة للقيام بذلك".

هل قال إن الاقتصاد حمار؟

شائعة: بثّ بعض الأشخاص ووسائل الإعلام جزءًا من تصريحات الإمام الخميني زاعمين أنه قال "الاقتصاد حمار"، للإشارة إلى أن موقف مؤسس الثورة الإسلامية تجاه الاقتصاد سلبي، وانه السبب في ظهور بعض المشاكل الاقتصادية في البلاد. لكن النص الكامل لخطابه نشرته وسائل الإعلام يوحي بشيء آخر. حيث قال: لا يمكن لأي شخص عاقل أن يتخيل إننا قدمنا دماءنا من اجل ان يكون البطيخ رخيصًا! او نعطي الشباب منازل رخيصة. لا يوجد رجل عاقل يعطي لابنه ليحصل على منزل رخيص. الناس يريدون كل شيء لأولادهم. الناس تريد الاقتصاد من اجل أنفسهم، يقتلون أنفسهم من اجل الاقتصاد! هذا ليس معقولا. إنهم يقتلون أبناءهم للحصول على الطعام الرخيص؟ هذا أمر غير معقول.

أولئك الذين يتحدثون عن الاقتصاد ويعتبرون كل شيء أساس الاقتصاد هم لا يدركون ماهية البشر، يعتقدون أن الإنسان هو حيوان خلق من أجل الطعام! لكن طعام هذا الحيوان يختلف عن طعام الحيوانات الأخرى. الأول يأكل الكباب، والثاني يأكل القش. لكن كلاهما حيوان يفتش عن الطعام، هؤلاء الناس الذين يقولون إن أساس كل شيء في الاقتصاد ينظرون الى البشر كحيوانات.. إنهم لا يعرفون ما هي حقيقة الإنسان!".

 الجامعات أخطر من القنبلة النووية!

شائعة: نشرت العديد من وسائل الإعلام المعادية للثورة بما في ذلك قناة "من وتو" مقطع فيديو قصيرًا لخطاب الإمام الخميني أوحت فيه ان الإمام يعارض الجامعات ويعتبر كل جامعة مصدرًا للفساد.

لكن هذا الخطاب هو في الحقيقة مجتزئ من خطاب الإمام الخميني في 18 ديسمبر 1980 بمناسبة يوم "الوحدة بين الحوزة والجامعة" يوضّح فيه مخاطر الحوزات الدينية الفاسدة والجامعات غير السليمة، فيقول: إن خطر الجامعة أكبر من خطر القنابل العنقودية، وخطر الحوزات الدينية أكبر من خطر الجامعات، لهذا يجب تهذيبها وصقلها، وعلى الأفراد الملتزمين في الحوزات الدينية والجامعات على السواء أن يطلقوا العنان للإصلاح فيهما.

في الواقع، إن قناة "من وتو" (أنا وانت) قامت باجتزاء خطاب الامام وإزالة أجزاء منه، الجزء الذي تحدث فيه عن الحوزة والجامعة كما لو كان الإمام الخميني مناهضا للجامعة.

بعد استقباله التاريخي الإمام لم يكترث بمشاعر الناس!

شائعة: إلى جانب الشائعات الخمس ثمة ادعاء بأن رد الإمام الخميني على سؤال صحفي أجنبي حول شعوره بالعودة إلى إيران يظهر عدم اكتراثه بمشاعر الناس!

وفي هذا الصدد، قال حجة الإسلام محمد مفتح، وهو صديق مقرب من الإمام، لصحيفة "اطلاعات": "كيف يمكن تصديق ذلك والإمام الخميني الذي قضى سنوات حياته في النضال والكفاح من اجل إيران، وهل ثمة أبلغ من هذه المشاعر وهو الذي وضع دمه على كفيه، وخاطر بحياته بالعودة الى إيران ليكون الى جانب شعبه، ومع الشعب الإيراني المسلم؟! لأن من يقود المسلمين والمجتمع البشري ينبغي أن يأخذ دائما في الاعتبار المصلحة العامة ومصالح الناس، وأن يتخلى عن مصالحه الخاصة والعواطف الشخصية.

من جهته، قال حجة الإسلام إسماعيل فردوسي بور، أحد أصحاب الإمام الخميني الراحل، في العدد الخاص من جريدة اطلاعات في 1 شباط/ فبراير 1981: "جئت إلى المدرسة العلوية وسألت الإمام عن هذا الأمر فأجاب الإمام بالقول: "الجملة التي قلتها كانت عن مياه إيران وترابها". السؤال له جانبان، فهم عندما سألوا كيف تشعر عندما تأتي إلى إيران؟ قال الإمام "إن أرض إيران وارض العراق وأرض فرنسا بالنسبة لي سيان ولا تختلف، ولا أشعر بأنني غير عادي في الدخول إلى هذه الأرض سوى أنه لم يكن لدي أي مكان آخر، ولكن المشاعر امام تضحيات الناس، أو أمام الشهداء، أو أمام جرحى الثورة، أو العواطف والمشاعر تجاه الشعب الإيراني هي أمر آخر". وأضاف: "قلت في المطار إن كل عواطفكم ومشاعركم ثقيلة عليّ، وأنا أعجز عن شكركم على كل هذه العواطف والمشاعر، أعجز عن شكر الشعب الإيراني على كل تضحياته..، لكن مسألة المجيء إلى إيران أن تجعلك تشعر بأنك إنسان غير عادي كان الجواب بالنفي".

إذا لم يكن لدى الامام مشاعر وأحاسيس أو لا يكترث لأمر الناس، فما معنى خطابه في 12 شباط / فبراير عام 1979، في مطار مهر آباد حين قال: أشكر الناس بمختلف شرائحهم على هذه المشاعر، إن مشاعر الأمة الإيرانية هي عبئ ثقيل على كتفي، ودين لا يمكنني سداده، لا سيما تضحيات علماء الدين في الفترة الماضية، وشريحة الطلاب الذين عانوا، وطبقة التجار الذين عانوا أيضا. أشكر شباب البازار والجامعات والمدارس العلمية الذين ضحوا بالدماء، أشكر الأساتذة والقضاة والمحامين، والموظفين والعمال والفلاحين وجميع طبقات الأمة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور