السبت 20 أيلول , 2025 11:03

صراع الانتقالي والرئاسي يتفاقم: حضرموت تدفع ثمن الحرب بالوكالة!

تعيش محافظة حضرموت على وقع أزمة متفاقمة، عنوانها تردي الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء، وانفجار موجة احتجاجات غاضبة في مدنها الكبرى منذ أيام، أدت إلى شلل شبه كامل في الحياة العامة. لكن خلف المشهد المعيشي المباشر، تكمن أبعاد سياسية أعمق، تتعلق بغياب سلطة فاعلة قادرة على تلبية احتياجات الناس، مقابل انغماس الأطراف المحلية في حسابات أبعد من أولويات المواطن اليمني الجنوبي تحديداً.

الأحداث الأخيرة عكست بوضوح حالة الانهيار الإداري والسياسي. فالتظاهرات الواسعة التي اجتاحت المكلا والشحر والقطن وتريم، لم تكن مجرد ردة فعل آنية على انقطاع الكهرباء المستمر لعشرات الساعات، بل جاءت نتيجة تراكم طويل من الإخفاق في إدارة شؤون المحافظة، وسط تنازع بين سلطات محلية وقيادات قبلية ومكونات سياسية مدعومة من الخارج. هذا التنازع كشف أن السلطة، بمختلف مستوياتها، فقدت القدرة على إنتاج حلول جذرية، لتبقى الأزمات المعيشية أداة ضغط متبادلة بين الخصوم.

المجلس الانتقالي الجنوبي سارع إلى تحميل ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي مسؤولية تدهور الأوضاع، في حين صوّب أيضاً على السلطة المحلية ورموزها القبلية باعتبارهم طرفاً مباشراً في الأزمة. غير أن جوهر المشكلة لا يكمن في تبادل اللوم بقدر ما يتمثل في حقيقة أن حضرموت أصبحت ساحة لتقاطع مصالح متعددة، حيث تُدار ملفاتها الحيوية ضمن صراع أكبر يتجاوز حدودها.

اللافت أن المناطق التي تخضع لسيطرة أدوات مرتبطة بالإمارات والسعودية هي الأكثر معاناة على المستوى المعيشي والخدمي. فبينما يعاني السكان من انقطاعات طويلة للكهرباء وشلل في الخدمات، تبدو القيادات المحلية والعسكرية منشغلة بمعارك جانبية أو بحالة استنفار عسكري لخوض صراعات بالوكالة. بدلاً من أن تكون حياة الجنوبيين في صدارة الأولويات، يجري توجيه الموارد والطاقات نحو ملفات إقليمية، في البحر الأحمر والخليج وحتى في المواجهة مع صنعاء، حيث تتحول هذه المناطق إلى منصات لخدمة استراتيجيات إقليمية لا علاقة لها بالمطالب الأساسية للسكان.

هذا الخلل في ترتيب الأولويات يفسر الاحتقان الشعبي المتصاعد. فالمواطنون اليمنيون الذين خرجوا إلى الشوارع ليسوا معنيين بخطابات سياسية عن التهديدات الإقليمية أو الحسابات العسكرية، بل يريدون خدمات معيشية أساسية تحفظ كرامتهم. وعندما يرون أن الأزمات لا تُحل إلا مؤقتاً عبر تزويد محطات التوليد بالوقود بشكل متقطع، يدركون أن المعالجات لا تتجاوز سياسة الترقيع، وأن غياب إرادة سياسية جادة هو ما يعمّق الانهيار.

السلطات الأمنية والعسكرية بدورها أظهرت ارتباكاً في التعاطي مع الاحتجاجات. فهي من جهة تعلن وقوفها إلى جانب المواطنين، ومن جهة أخرى تتدخل لإزالة الاعتصامات بالقوة وتطلق التحذيرات من "الفتنة والفوضى". هذا التناقض يعكس أن المؤسسة الأمنية باتت محكومة بتوازن دقيق بين تهدئة الشارع من دون خسارة الغطاء السياسي الذي توفره لها القوى الخارجية. والنتيجة أن التعامل الأمني لا يساهم في معالجة جذور الأزمة، بل يفاقمها بإضافة بعد قمعي على المشهد المعيشي المتدهور.

في خلفية كل ذلك، تبقى حضرموت بما تمثله من ثقل جغرافي واقتصادي محوراً للتنافس. فهي أكبر المحافظات مساحة، وأغنى بالثروات النفطية، وتمثل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية. لكن هذا الغنى لم يترجم إلى تحسين أوضاع السكان، بل جعل المحافظة عرضة لصراع متعدد المستويات: بين الانتقالي والرئاسي، بين السلطة المحلية والقوى القبلية، وبين النفوذ الإقليمي الذي يتعامل مع حضرموت باعتبارها ورقة في معادلة النفوذ لا باعتبارها مجتمعا له أولويات ومطالب مشروعة.

إن ما يجري اليوم يعكس معضلة أعمق من مجرد أزمة كهرباء. فالمسألة تتعلق بفشل منظومة الحكم في الجنوب في أن تكون مرجعية مستقلة تعمل لصالح مواطنيها. ولعل أخطر ما تكشفه احتجاجات حضرموت هو أن المواطن بات يرى بوضوح كيف تُدار حياته اليومية وفق أولويات لا تمت له بصلة، وأن القرارات المتعلقة بمصيره تخضع لمعادلات تتجاوز حدود المحافظة واليمن عموماً.

إذا لم تُعَد صياغة الأولويات بحيث تُقدّم حياة الناس وخدماتهم على حساب الصراعات الإقليمية، فإن حضرموت ستظل عرضة لدوامة أزمات متكررة، ومعها يتآكل ما تبقى من شرعية السلطات القائمة، سواء كانت محلية أو مركزية أو مدعومة خارجياً. وفي هذه الحال، لا يُستبعد أن تتحول المطالب الخدمية إلى حراك سياسي أوسع يعيد طرح سؤال السلطة والشرعية في الجنوب كله، لا في حضرموت وحدها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور