الأربعاء 03 آب , 2022 10:40

مجتمع "البربير"..أميركيون يتحضّرون لانهيار بلادهم

مواطن اميركي يتدرب على الحرب الاهلية

يزداد عدد المواطنين الأميركيين الذين يستعدون لانهيار البنية التحتية في ولاياتهم وحصول أعمال شغب نتيجة حرب أهليَّة أو حرب نوويَّة أو هجوم سيبراني عليهم، ليقوم عدد آخذ في التزايد منهم باستئجار غرف محصَّنة في معسكرات نجاة في الغابات القريبة، ويقوم آخرون بحفر فناء منزله وتجهيزه بغرف محصَّنة حتى من الهجمات النووية، والتي تتيح لهم بحسب اعتقادهم الصُّمود لأيام أو أسابيع.

يُطلق في المجتمع الأميركي على من ينتهج هذا السلوك في استحضار سيناريوهات الرُّعب غير المتصوَّرة وغير المتوقَّعة لدى الكثير من أفراد المجتمع الأميركي اسم "البريبر" prepare، وحتى الأمس القريب كان الأميركيون يهزؤون من مجتمع البريبر" باعتبارهم أصحاب خيالٍ خصب، أما اليوم فقد وصل الخوف إلى جميع طبقات المجتمع وبدأ السؤال في المجتمع الأميركي: ماذا لو كان "البريبر" على حقّ؟!

يقوم عددٌ من المستثمرين ببناء معسكرات نجاة في الغابات وتجهيزها بملاجئ وتحصينات وأبراج مراقبة ويؤجِّرونها للمواطنين من الطبقة المتوسِّطة ابتداءً من ألف دولار سنويًا؛ والذين يتردَّدون إلى هذه المعسكرات دوريًا ويتلقُّون تدريبات من ضُبَّاط سابقين في الجيش الأميركي على استخدام الأسلحة الفرديَّة كبنادق M16 ومسدسات من عيار 9 ملم وغيرها، والتي يمكن شراؤها في عدد من الولايات الأميركية ممن هم فوق الثامنة عشرة من العمر دون رخصة سلاح، ويتوقَّع أفراد مجتمع "البريبر" أن يبقوا على قيد الحياة عندما تندلع الحرب والفوضى، وذلك بالتحصُّن في تلك الأماكن التي يقومون باستئجارها أو تجهيزها، وهي أماكن تنتشر في جميع أنحاء أميركا، وتتعدَّى قدرة معسكرات "النَّجاة" تلك من توفير خطوط إمدادات لعدة أشهر إلى امتلاك استراتيجيَّة دفاعيَّة خاصَّة بها.

ويُعتبر شراء واقتناء الأسلحة في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة من "الحريَّات" التي يَكفَلُها الدُّستور الأميركي لتصبح الولايات المتَّحدة الأميركيَّة الدَّولة الصِّناعيَّة الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السِّلاح في الشوارع، وهو أمرٌ متجذِّر في الثقافة الأميركية. حيث يشير موقع ATF (وهو المكتب الأميركي للكحول والتَّبغ والأسلحة الناريَّة والمتفجَّرات في أميركا) إلى أنَّ عدد قطع الأسلحة الفرديَّة في أميركا والتي فاق تِعداد سُكَّانها عام 2022، 335 مليون نسمة، بلغ 400 مليون قطعة سلاح فردي، أي أكثر من قطعة سلاح لكل رجل وامرأة وطفل، ما يساهم في تأجيج حالات العنف والانتحار والقتل شبه اليوميَّة في الولايات والتي تصاعدت عُقب جائحة كورونا، لتشهد بحسب مكتب التَّحقيقات الفيدرالي "FBI" ارتفاعًا بلغ 30% عام 2020 مقارنةً بعام 2019، حيث أنَّ أكثر الأسلحة المستخدمة في حوادث القتل هي من نفس النَّوع الذي يقتنيه ويتدرَّب عليه أفراد "البريبر" وهي البنادق نصف الآلية من طراز AR-15 والنَّسخة المعدَّلة منها من طراز M-16 وطراز M-4 المتميِّز بإطلاق النار بسرعات عالية متعدِّدة الجولات، إضافة إلى مُسدسَّات غلوك 10ملم، و سينغ سوير 9ملم.

تزداد وتيرة القلق والخوف في المجتمع الأميركي، وتزداد معه افتراضاتهم للسيناريوهات السَّيِّئة والمُقلِقة، حيث يتوقَّع "مجتمع البريبر" الآخذ بالاتِّساع العمودي والأفقي انتشار الجائحات المَرَضيَّة والفيروسيَّة، وانتشار حالات الفوضى وانعدام الأمن الاجتماعي في أَيَّة لحظة، وانهيار شبكات الكهرباء والاقتصاد والخدمات جرَّاء الهجمات السيبرانيَّة، كما يتوقَّعون اندلاع حرب أهليَّة عند الانتخابات الرئاسيَّة المُقبلة حيث يقولون بأنَّ بلادهم شديدة الانقسام، وأنَّ الخوف من العنف في أميركا يتزايد لدى جميع التَّحالفات السِّياسيَّة، ومن السيناريوهات المتوقَّعة أيضًا تعرُّض الولايات المتحدة الأميركية لهُجوم بالقنابل النوويَّة، وعند حصول أي من تلك التوقُّعات، سيقوم النَّاس الذين لم يستعدُّوا لمثل هذه السِّيناريوهات بمهاجمة أولئك الذين قاموا بالاستعداد "البريبر".

تُبرز ظاهرة ازدياد المُقتنِعِين بفكرة "البريبر" في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة ضُعف وَوهن المجتمع الأميركي، فهي من جهة تزيد الشَّرخ بين طبقات المجتمع حيث أنَّ الميسورين فقط هم القادرون على التَّجهُّز للسِّيناريوهات السَّيِّئة نتيجة ارتفاع كلفة التجهيزات والإيجارات أو تجهيز فناء المنزل بملجأ قد تصل كلفته إلى 200 ألف دولار أميركي، وحتَّى مجتمع "البريبر" ينقسمون إلى طبقات بحسب إمكاناتهم الماليَّة.

كما يشجِّع "البريبر" على اقتناء السِّلاح والتدرُّب عليه ما يؤجِّج ظاهرة اقتناء السِّلاح وتَفلُّته في الشَّوارع وبالتالي ارتفاع عدد جرائم القتل. كما وتزيد ظاهرة "البريبر" أيضًا من حالات التَّوتُّر والاضطراب النَّفسي.

تؤكِّد أعداد "البريبر" الآخذة في التَّزايد الانقسام الفعلي في المجتمع الأميركي وقناعة المواطنين الأميركيين بعدم قدرة بلادهم على الصُّمود أكثر أمام التَّحديات الدَّاخلية والخارجية، مُضافًا إليه ضعف أو غياب ثقتهم بالدولة وبالبنية التحتية حيث يسعى كلٌّ منهم للاعتماد على نفسه لتسود لاحقًا في المجتمعات الأميركيَّة شريعة الغاب.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


المصدر: كاتب وباحث أكاديمي

الكاتب:

د. حسن زين الدين

باحث واستاذ جامعي / لبنان




روزنامة المحور