الإثنين 13 آذار , 2023 04:33

الاتفاق السعودي الإيراني: خسارة أمريكا وأتباعها في المنطقة

الاتفاق السعودي الإيراني في بكين

لعلّ أكثر ما يعبر عن حال الولايات المتحدة الأمريكية ما بعد الاتفاق السعودي الإيراني، الذي جرى بوساطة صينية، هو ما قاله مدير وكالة المخابرات المركزية CIA ويليانم بيرنز في كتابه "القناة الخلفية" الصادر عام 2019: "لم نعد اللاعب المهيمن كما كنا بعد نهاية الحرب الباردة، ولم نعد قادرين على إملاء الأحداث مثلما كنا نعتقد في بعض الأحيان أنه يمكننا ذلك، ومع ذلك فلا نزال القوة المحورية في العالم".

ولذلك قدّرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في إحدى مقالاتها، بأن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى إعادة ترتيب كبيرة في الشرق الأوسط. كما وصفته بأنه يشكل تحدياً جيوسياسياً للولايات المتحدة وانتصاراً للصين، التي توسطت في المحادثات بين "الخصمين القديمين".

أما كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس فقد اتهم سياسات الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، بأنها هي التي دفعت بشركاء البلاد بعيدا عنها.

وهذا ما بيّنه أيضاً الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز، عندما قال بأن الاتفاق أكد بأن الرياض تفتقر إلى الثقة في واشنطن، وأكد ً بأن إيران يمكن أن تخرق حلفاء الولايات المتحدة لتخفيف عزلتها، وأن الصين أصبحت دينمو رئيسي لسياسات القوة في الشرق الأوسط.

دور متزايد للصين

إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران والسعودية الاتفاق، بعد محادثات استضافتها الصين، يؤكد على الدور الجديد لبكين، في نسج علاقاتها بشكل فعّال ومتقدم مع كل دول المنطقة (بعكس ما كانت عليه الحال خلال فترة القيادة السابقة للحزب الشيوعي). ويسلط الضوء أيضاً على تزايد نفوذها السياسي والاقتصادي، بشكل سينافس نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بشكل جدّي.

وتريد الصين الاستقرار في هذه المنطقة بالمقام الأول، لأنها تحصل منها على أكثر من 40 % من موارد طاقتها (وهي الدول التي تمتلك أكبر احتياطات النفط العالمية أيضاً). كما تريد تعزيز شراكاتها مع الدول محتملة العضوية في منظمة دول بريكس بلس أو في منظمة دول شنغهاي (التي باتت إيران عضوة فيها مؤخراً). كما تسعى بكين أيضاً إلى تأمين ممرات مبادرة الحزام والطريق الصينية بحرياً وإستراتيجياً، عبر منطقة الممرات والمضائق البحرية والمائية، وهو ما يستطيع الطرفان تأمينه بشكل كبير.

وتتمكن الصين من لعب هذا الدور، نظراً لأن سياستها الخارجية تتسم بإعطائها الأولوية للمصالح المتبادلة مع جميع الدول، واتباعها مبدأ "عدم التدخل" في شؤون الدول الأخرى.

واقعية بن سلمان الجديدة

يمكن ردّ الموقف السعودي تجاه هذا الاتفاق، الى الواقعية التي أظهرها ولي العهد محمد بن سلمان منذ فترة، بسبب خسائره الكبيرة خلال مواجهته لمحور المقاومة في العديد من الساحات في مقدمتها اليمن وآخرها خلال الحرب التركيبية في إيران. كما حفزه لانتهاج هذه المواقف، تخلّي الإدارة الأمريكية عنه في الكثير من المحطات، بالإضافة الى اقتناعه بأن موازين النظام العالمي تتبدّل، ما دفعه للاقتراب أكثر فأكثر من الصين وروسيا، وإيران حليفتهما الأساسية في المنطقة.

وفي هذا السياق، كان لافتاً تأكيد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على تصريحاته السابقة، حول العلاقة مع الدولة السورية، بشكل يتعارض مع التوجه الأمريكي، حينما قال في تصريح لوسائل إعلام بأن الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة، وإن أي مقاربة جديدة ستتطلب حواراً لا محالة مع حكومة دمشق. كاشفاً بأن بلاده وعدة دول عربية تعمل على إعداد صياغات مناسبة لهذا الحوار، بالتشاور مع شركاء دوليين (من المرجح كثيراً أن تكونا روسيا والصين).

إسرائيل أكثر المنزعجين في المنطقة

أما أكثر المنزعجين في المنطقة، فهم ساسة ووسائل الإعلام في الكيان المؤقت، لأنه أخّر الى حد ما، طموحهم بتشكيل حلف يجمع الكيان مع دول عربية، لمواجهة الجمهورية الإسلامية عسكرياً خلال أي حرب مقبلة، ويكون لتل أبيب سلطة القرار في هذا الحلف والقدرة على الابتزاز الاقتصادي.

وقد وصف رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة لحكومة نتنياهو يائير لابيد الاتفاق، بأنه فشل كامل وخطير لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية، وانهيار لما وصف بأنه "جدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا بنائه ضد إيران". أما نائبه "نفتالي بينيت"، فقد وصف عودة العلاقات بين السعودية وإيران بأنه فشل لحكومة نتنياهو ونصر سياسي لإيران.

وعلى صعيد وسائل الإعلام، توجس موقع والا العبري من أن تنفيذ الاتفاق سيكون بمثابة ضربة قاسية "لإسرائيل" واتفاقيات السلام. فيما بررت صحيفة "كان" العبرية توجه بن سلمان هذا، من خلال الإشارة الى الهجوم على أرامكو في العام 2019، بحيث "أصيبت السعودية بخيبة أمل من الولايات المتحدة، جعلتهم يقتربون من إيران". واللافت أيضاً إضافتها بأنه من المهم القول "أن التقارب مع إيران لم ينبع من الحب المفرط لطهران بل من ضعف الغرب".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور