الأربعاء 12 شباط , 2025 08:35

صفقة ترامب الجديدة: هل يتجاوز الرفض العربي مرحلة "التحصين السياسي"؟

يمكن النظر إلى اللقاء الذي جمع الملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس على أنه ذروة مرحلة جديدة من الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول العربية لقبول واقع جديد في فلسطين، لكن المسألة تتجاوز الإطار التقليدي للضغط إلى مستوى أخطر: استبدال فكرة الحل السياسي بعملية "إعادة توزيع السكان"، أو بمعنى أكثر وضوحًا، تهجير الفلسطينيين من غزة نحو دول الجوار، فترامب يحب أن يقدم القضية الفلسطينية اليوم هي مجرد "أزمة سكن".

الموقف الأردني كان متوقعًا: رفض قاطع لأي مشاريع تهجير أو إعادة توطين، تأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وتحذير من زعزعة الاستقرار الإقليمي. لكن خلف هذا الخطاب الرسمي، يدرك القصر الملكي أن الخطة الأميركية لم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من توجه إسرائيلي طويل الأمد لإعادة رسم خارطة الصراع بما يحقق مكاسب نهائية لكيان الاحتلال. بالنسبة لعمان، أي حديث عن إعادة توطين الفلسطينيين يعني عبثًا في التوازن الديموغرافي والسياسي داخل المملكة، وتهديدًا مباشرًا لعهد الملك الذي باتت تساوره الشكوك حول بقاءه في السلطة، وهذا ما يشرح جانباً من اصراره على مرافقة نجله له في مختلف اللقاءات الرسمية رفيعة المستوى، واعداده ليكون "خطة باء" متى تطلب الأمر ذلك.

مصر واللعبة المزدوجة

في القاهرة، التعامل مع المشروع الأميركي يجري بحذر شديد. الموقف المعلن هو رفض قاطع لأي تهجير للفلسطينيين إلى سيناء، لكن في المقابل، هناك تفاهمات غير معلنة بين مصر والكيان برعاية أميركية منذ سنوات تتعلق بمستقبل قطاع غزة. بالنسبة للنظام المصري، أي قبول غير مباشر لخطة ترامب سيكون مكلفًا سياسيًا وأمنيًا، إذ يعني خلق بؤرة توتر جديدة على الأراضي المصرية، وتحميل القاهرة مسؤولية أزمة لا تريدها، خاصة وأن ترامب أعلن صراحة في لقاءه أمس، أنه ينوي اقتطاع أرض من مصر لايفاد الغزيين إليها، وقد تكون سيناء هي الوجهة المقصودة، على الرغم من استنفار الجيش المصري منذ الأيام الأولى للحرب على طول الحدود، والتأكيد المستمر بأنه قادر على الانتشار على طول الجغرافيا المصرية خلال 6 ساعات، في رسالة رفض سابقة لأي قرار من هذا النوع.

تمتلك مصر بعض أدوات المساومة، أهمها السيطرة على معبر رفح، ودورها المحوري في الوساطات بين المقاومة الاسلامية- حماس وإسرائيل. أي تصعيد في غزة، أو حتى مجرد الإيحاء بعدم تعاون القاهرة مع التوجهات الأميركية، قد يدفع واشنطن وتل أبيب لإعادة النظر في المسألة، لكن يبقى السؤال حول مدى استعداد النظام المصري بالذهاب بعيداً لتأكيد رفضه والتلويح باتخاذ اجراءات فعلية.

السعودية: متى يصبح الرفض أكثر من مجرد موقف؟

السعودية، صاحبة النفوذ المالي والسياسي الأكبر من بين الدول العربية، أعلنت بوضوح أنها "لن تدعم أي مشروع لا يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية"، لكن في الوقت نفسه، يدرك صنّاع القرار في الرياض أن اللعبة تدور في مستوى أعلى: واشنطن لا تضغط على الدول العربية لتقديم تصريحات، بل لإظهار استعداد عملي لقبول حل لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الغزيين.

السؤال الحقيقي هنا ليس عن الموقف السعودي وما تتناوله وسائل الاعلام  من تصريحات وبيانات استنكار، بل عن أوراق الضغط الفعلية التي تمتلكها المملكة. تستطيع الرياض التأثير عبر تمويل السلطة الفلسطينية، وإدارة دفة المواقف العربية. لكن حتى الآن، الرفض العربي يبدو موقفًا وقائيًا أكثر من كونه استراتيجياً تصعيديًا.

حماس وإسرائيل: حسابات المعركة الطويلة

بالنسبة لحماس، مشروع ترامب لا يُقرأ فقط على أنه محاولة تصفية سياسية، بل هو إعلان حرب وجودية. أي تهجير قسري لسكان غزة يعني إعادة انتاج مشهد النكبة، بعد أن دفع الفلسطينيون الثمن الأعلى للحفاظ على أرضهم وهذا غير قابل للتحقق إلا عبر مواجهة عسكرية كبيرة. لهذا، فإن رفض حماس للمخطط ليس موقفًا سياسيًا بل جزء من معركة مستمرة منذ أكثر من عقود، حيث تدرك الحركة أن إخلاء القطاع من سكانه يعني إنهاء وظيفته كقلب للصراع مع الاحتلال.

على الجهة المقابلة، تجد إسرائيل نفسها أمام تناقض استراتيجي: مشروع ترامب قد يوفر فرصة تاريخية لحل "مشكلة غزة" نهائيًا، لكنه يفتح أيضًا بابًا لأزمات إقليمية لا يمكن السيطرة عليها. أي محاولة لفرض تهجير جماعي ستشعل المنطقة، وربما تدفع حتى الأنظمة المهادنة إلى مواقف أكثر تشددًا، وهو ما لا تريده تل أبيب. في حين، أن الجهود الأميركية الاسرائيلية طيلة السنوات الماضية لتشكيل "حلف عربي لمواجهة إيران"، قد تتبدد بعد أن وضعت واشنطن مصالح تلك الدول في قلب العاصفة، وباتت الحماية الأمنية التي يوفرها البيت الابيض تفرض فاتورة باهظة الثمن، قد لا يكون هؤلاء مستعدين لتحملها.

الواضح أن الرفض العربي القائم حاليًا هو في مرحلة التحصين السياسي، وليس الاشتباك الحقيقي مع المشروع. السؤال الأهم ليس فقط كيف ستتصرف الدول العربية، بل متى ستبدأ واشنطن وتل أبيب بتنفيذ خطتهم عمليًا. ما لم يتحول الرفض العربي إلى موقف فعّال يتضمن إجراءات عملية، فإن المشروع الأميركي الإسرائيلي سيظل قائمًا، ينتظر لحظة الانفجار المناسبة.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور