الثلاثاء 08 نيسان , 2025 03:42

الفشل الأميركي في الشرق الأوسط.. الحروب في المنطقة ستتوسّع؟

ترامب والشرق الأوسط

يكشف التحليل الراهن لمشهد غرب آسيا عن فشل واضح للاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية في تحقيق أهدافهما المزمنة والدائمة للهيمنة على المنطقة. سيعرض هذا التقرير تفصيلاً لهذا الفشل في ساحات المقاومة والاحتكاكات الرئيسة بغرب آسيا. ففي إيران، يتجلى الفشل في عدم قدرة الضغط العسكري على إجبار طهران على تقديم تنازلات جوهرية، بل أدى الضغط إلى دفعها نحو تعزيز قدراتها الردعية.

أما في اليمن، فتتحول الحملة العسكرية الأمريكية إلى مستنقع استنزاف للأمريكيين وحلفائهم، مع توسع العمليات اليمنية واستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وفي فلسطين، يتضح فشل استراتيجية الاحتواء مع تصاعد المقاومة وتوسع العمليات لتشمل الأراضي المحتلة عام 1948.

يخلص التقرير إلى أن هذا الفشل الامريكي الصهيوني الدائم يدفع المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار والتصعيد، مع تسليط الضوء على نقاط قوة ساحات إيران وحلفائها في مواجهة هذه الاستراتيجيات المتعثرة.

المشهد العام لساحات المواجهة في غرب آسيا

تشهد منطقة غرب آسيا تصعيداً خطيراً وتوتراً غير مسبوق، ينذر بمواجهة إقليمية واسعة النطاق. فالتقارير الواردة من مختلف الساحات – إيران، اليمن، فلسطين، سوريا، لبنان، والعراق – ترسم صورة لأوضاع متدهورة، تتسم بتعزيزات عسكرية مكثفة، وتهديدات متبادلة، وفشل استراتيجيات قائمة، وتوسع نطاق الصراع ليشمل مناطق جديدة. يبدو أن المنطقة تقف على حافة هاوية، مع احتمالية تفجر الأوضاع في أي لحظة.

في قلب هذا التصعيد يبرز التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران. فالوجود العسكري الأمريكي في المنطقة يشهد تعزيزاً غير مسبوق، مع تدفق الأصول العسكرية الاستراتيجية المتطورة، في إشارة واضحة إلى استعداد واشنطن الجدي لتنفيذ خيارات عسكرية ضد طهران. هذا التصعيد العسكري يترافق مع تهديدات أمريكية متزايدة بالخيار العسكري للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يقابله تهديدات إيرانية بالرد الحاسم، بل والتلويح بخيار تغيير العقيدة النووية في حال التعرض لهجوم والإشارة رسمياً إلى امتلاك سلاح جديد دون توضيح. على الرغم من الحديث عن مفاوضات غير مباشرة بوساطة سلطنة عمان، إلا أن الخلافات العميقة حول جدول الأعمال تشير إلى أن هذه المفاوضات قد لا تكون قادرة على احتواء الأزمة، وقد تكون مجرد محاولة لإدارة التصعيد مؤقتاً. في المقابل، يبدو أن إيران قد نجحت في خلق معادلة ردع إقليمي، من خلال تهديد المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، وهو ما يدفع واشنطن إلى الحذر والتفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة تصعيدية مباشرة.

لكن التوتر لا يقتصر على الساحة الإيرانية، بل يتسع ليشمل ساحات أخرى، مما يحول المنطقة إلى مسرح لصراعات متداخلة ومتصاعدة. ففي اليمن، تتحول البلاد إلى جبهة استنزاف للولايات المتحدة، حيث تفشل الحملة العسكرية الأمريكية في تحقيق أهدافها المعلنة. بل إن العمليات اليمنية تتوسع لتشمل استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في مناطق أوسع، مما يربك حسابات واشنطن ويوسع دائرة الصراع. وفي فلسطين، تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، مع مخططات واضحة لإعادة احتلال أجزاء من غزة وتهجير السكان، وهو ما يؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويهدد بتفجير الأوضاع في المنطقة بأكملها. أما سوريا ولبنان، فيتحولان إلى ساحات خلفية للصراع، حيث تزداد الغارات الإسرائيلية وتوغلاتها، مستهدفة أصول المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ومحاولة تقويض النفوذ الإيراني وحلفائه في هاتين الدولتين. وفي العراق، يشهد الوضع تحركات عسكرية أمريكية وتعزيزات غير مسبوقة، مما يعكس قلقاً أمريكياً من احتمال امتداد الصراع إلى العراق، أو استخدامه كمنصة انطلاق لعمليات عسكرية محتملة ضد إيران، مع مخاوف متزايدة من استغلال تنظيم داعش للوضع المتوتر.

يبدو أن الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية المتبعة في المنطقة تعاني من فشل واضح في تحقيق أهدافها. ففي اليمن، على الرغم من التصعيد العسكري الأمريكي، لا يزال اليمنيون يحتفظون بالمبادرة ويوسعون نطاق عملياتهم، مما يشير إلى فشل استراتيجية الإخضاع العسكري. كما تفشل الولايات المتحدة في ربط الساحة اليمنية بالساحة الإيرانية، مما يعقد الحل ويوسع نطاق الصراع. وفي فلسطين، على الرغم من التصعيد العسكري الإسرائيلي، تتصاعد المقاومة الفلسطينية، وتتوسع العمليات لتشمل الأراضي المحتلة عام 1948، مما يدل على فشل استراتيجية عزل الساحات الفلسطينية الداخلية.

هذا التصعيد المتعدد الساحات يحمل في طياته تداعيات إقليمية ودولية خطيرة. فالمنطقة تتجه نحو مزيد من زعزعة الاستقرار، ودخول مرحلة جديدة من عدم اليقين والصراعات المفتوحة. كما أن هذا الوضع يضع ضغوطاً متزايدة على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ويضعف التحالفات الأمريكية (تركيا، مصر). وينذر بتصاعد العنف والاستهداف المتبادل، كما نشهد عودة الاغتيالات والضربات الجوية في لبنان، وتصاعد التوغلات في سوريا، وزيادة العنف في فلسطين، ينذر بمزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية.

في المقابل، تبرز نقاط قوة لإيران وحلفائها في هذا المشهد الإقليمي المتوتر. فقد نجحت إيران في بناء قدرة ردع إقليمي فاعلة، واستطاعت هي وحلفاؤها، كما يظهر في اليمن وفلسطين، تطوير قدرة على التكيف والمبادرة في مواجهة التصعيد.

استطاع الإيرانيون كبح الإرادة الأمريكية بفرض مفاوضات غير مباشرة تحت وطأة الضغط الأقصى وتمكنوا من الحصول على موافقة أمريكية بعزل المفاوضات النووية عن القضايا الأخرى كملفات الصواريخ البالستية الإيرانية والمسيرات وما يسميه الأمريكيون مستقبل "أذرع إيران" في المنطقة.

هذا المسار الذي تلا 17 شهراً من الحروب الأمريكية المباشرة وبالواسطة (عن طريق الكيان) والتي استهدفت ثلاث من أركان محور المقاومة (غزة  لبنان  اليمن) يأتي انعكاساً للنتائج المتواضعة التي حققها الأمريكيون والإسرائيليون منذ عملية طوفان الاقصى حيث أن جميع المطالب الاستراتيجية التي طرحها الثنائي العدواني سقطت في آتون الحروب اللامتكافئة التي استخدمت فيها أحدث ما يمكن من تكنولوجيا وأسلحة الجيلين الخامس والسادس لتطويع ما يسمونه "الأذرع" والتفرغ لإيران لممارسة سياسة التصعيد الذي يدفعها قسراً إلى مفاوضات لا متكافئة يمتلك فيها الحلف الأمريكي الصهيوني معظم أوراق القوة فيما تدخل فيها إيران حسب تعبير الأمريكيين "منزوعة الأسنان"، إلا أن فشل الحروب الاستباقية على محور المقاومة أتى بالأمريكيين مرغمين إلى "حلبة الصداع" الذي تسببه لهم إيران وحلفاؤها وكان لا بد من دخول الامريكيين "المستعجلين لمقارعة الصينيين" في المفوضات بأساليب إمبراطورية امريكية وعراضات عسكرية تغطي نتائج السنتين الهزيلتين من الحروب الطاحنة مع أركان المحور.

دفع إلى ذلك فشل المحاولة الأمريكية اليائسة لتطويع اليمن والتي حاولت العراضة العسكرية الجوية والبحرية الأمريكية كسر أقوى أوراق التأثير في المحور وهي التحكم بأهم خطوط الملاحة البحرية في العالم. وتضمن الفشل عنصر ثان لا يقل أهمية وهو عدم نجاح الأمريكيين بربط مسار الأزمة الأمريكية - اليمنية بإيران، حيث مكن صمود اليمن من تحقيق الاستقلالية الكاملة للساحة اليمنية مع الاستمرار بالاحتفاظ بالسيطرة اليمنية على مفاتيح الصراع اليمني الأمريكي دون الحاجة إلى عنصر إيراني مساعد، وهذا ما فرض توزيع الأصول العسكرية الأمريكية على ساحتين الحيز المائي (البحر الأحمر وبحر العرب) والحيز البري (حماية كيان الاحتلال من الصواريخ).

في الختام، يمكن القول إن غرب آسيا يمر بمرحلة حرجة للغاية، حيث تتصاعد التوترات في مختلف الساحات، وتنذر بمواجهة إقليمية أوسع نطاقاً. فالتصعيد العسكري الأمريكي والإسرائيلي، وتوسع نطاق الصراع، نتيجة فشل الاستراتيجيات القائمة، كلها مؤشرات تدفع المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار والعنف لأسباب تتعلق بعدم قدرة الأمريكيين والإسرائيليين على إنجاح استراتيجياتهم. ويبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من الصراعات المفتوحة والمقيدة باحتمالية تراكم الخسارة الأمريكية في نفس الوقت، والتي تتطلب جهوداً مكثفة وعاجلة لنزع فتيل الأزمات وتجنب الانزلاق نحو مواجهة شاملة ستكون لها تداعيات كارثية على أطرافها بنسب متفاوتة وآثار بعيدة المدى على المنطقة والعالم.





روزنامة المحور