في برنامج "مكافآت من أجل العدالة"، تُدرج حركات المقاومة في لوائح الإرهاب، وتُرصد الجوائز لرؤوس قادتها، بينما تنعم "إسرائيل"، أمّ الإرهاب، بالحصانة الكاملة. تساوي الإدارة الأمريكية بين من يقاوم الاحتلال وبين أدواتٍ أفرزتها أجهزتها الاستخبارية، في مشهد لا يُظهر عدالة، بل يوظفها لخدمة أجندات قذرة. يقدّم برنامج "مكافآت من أجل العدالة"، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، نفسه كأداة لمحاربة الإرهاب. لكن خلف الشعارات "الإنسانية" يختبئ دور وظيفي يتقاطع مع أجندات استخباراتية تستهدف المقاومة، خصوصاً حزب الله، حماس، وحركة أنصار الله. يركّز هذا المقال على تفكيك آليات البرنامج، أهدافه الحقيقية، وتناقضاته الصارخة التي تكشف ازدواجية المعايير الأمريكية.
كيف يعمل البرنامج؟
يعمل برنامج "مكافآت من أجل العدالة" كمنصة استخباراتية علنية، تدمج بين الدعاية والتحريض وجمع المعلومات الأمنية، مستهدفاً بالدرجة الأولى الحركات المقاومة. يبدأ البرنامج بإعلان أسماء المطلوبين عبر موقعه الرسمي، موصوفين بعبارات فضفاضة كـ "إرهابيين يهددون أمن الولايات المتحدة أو حلفائها"، دون أي أدلة واضحة. ترفق هذه الإعلانات بمكافآت مالية ضخمة قد تتجاوز عشرة ملايين دولار، في محاولة واضحة للإغراء، يفتح البرنامج قنوات تواصل "سرية وآمنة" كما يزعم، لكن في الواقع يتم بناء بنك معلومات بالاعتماد على قنوات الاتصال يُسلّم لاحقاً للأجهزة الاستخباراتية، سواء الأمريكية أو تلك التابعة لحلفائها. هذه المعطيات تُستخدم لرسم خرائط شبكية للعلاقات والتحركات، وقد تساهم لاحقاً في توجيه عمليات اغتيال أو اعتقال، كما حدث في حالة القيادي في حماس صالح العاروري، الذي أُدرج اسمه في البرنامج بعد أسبوعين من عملية طوفان الأقصى، ثم اغتيل بعد ذلك بأسابيع. ولا يقتصر دور البرنامج على الجوانب الأمنية فقط، بل يوظّف نفسياً وإعلامياً: إذ يستخدم سياسة "الحرق" عبر نشر الأسماء وصور الوجوه، وترسيخ صورة "الإرهابي" في الذهن الغربي، مساوياً بين حركات تواجه الاعتداءات التي تُمارس عليها، وبين مجموعات متطرفة تموّلها جهات رسمية كأدوات تخدم مصالحها.
الهدف الحقيقي للبرنامج
يلاحظ أن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" يعمل بصورة خاصة على الحركات التي تعارض التوجهات الأمريكية كأداة أمنية عابرة للحدود، تُغذّي الأجهزة الاستخباراتية بمصادر بشرية من داخل المجتمعات المرصودة. تقوم المكافآت الضخمة بدور الإغراء، لاستقطاب مخبرين محتملين من المجتمع المستهدف. وفي بُعدٍ آخر، يعمل البرنامج على الاغتيال المعنوي للشخصيات المقاومة، عبر إدراجها في قوائم "الإرهاب"، ما يخلق تهيئة نفسية وسياسية تُمهّد لاستهدافها جسدياً لاحقاً من قبل حلفاء أمريكا أو أدواتها، في سياق يبدو مبرراً أمام الرأي العام الغربي عبر خلق صورة نمطية سوداء تسبق أي عملية. كما يُمثّل البرنامج أداة لفرض الرواية الأمريكية الأحادية حول الإرهاب، إذ يتم تصنيف المقاومين كإرهابيين، فيما يتم تجاهل ممولي الاحتلال ومقترفي المجازر في "إسرائيل". هذا التوصيف السياسي للإرهاب، يساعد الإدارة الأمريكية على شرعنة عقوباتها وتحركاتها، وضرب الحركات المقاومة بوصفها "خارج القانون الدولي".
هل يهدف البرنامج فعلاً لمكافحة الإرهاب؟
بكل وضوح، يظهر الهدف الحقيقي من برنامج "مكافآت من أجل العدالة": الإرهابيون الفعليون يمكن أن يُحذفوا من لوائح المطلوبين، كما حدث مع أحمد الشرع الجولاني، الذي غيّر مظهره وربطة عنقه، لا سلوكه ولا فكره، ثم وجد نفسه في موقع شراكة وتحالف مع أمريكا. أما من يحمل قضية وطنية، ويواجه الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه "إسرائيل"، فيُدرج فوراً على لوائح الإرهاب. هنا تتجلى أبشع صور ازدواجية المعايير: يُلاحَق ممولو حزب الله تحت ذريعة تمويل "الإرهاب"، وتُنسج السرديات كما يجري الآن حول شبكات تمويل مزعومة في أمريكا الجنوبية "ترسل الأموال لحزب الله ويجب إيقافها"، بينما لا يُطرح أي سؤال عن الدعم الأمريكي الرسمي والمفتوح لكيان الاحتلال، رغم استخدامه أسلحة محرّمة وقتله آلاف المدنيين. فهل من تقتلهم "إسرائيل" في غزة ليسوا بشراً؟ وهل من تجوعهم وتحاصرهم لا يستحقون أن يُذكروا في سياق الحديث عن الإرهاب؟ إن كانت محاربة الإرهاب هدفاً حقيقياً، فالأجدر أن تبدأ أمريكا بمحاسبة نفسها وحليفتها "إسرائيل"، اللتين تمثلان أصل الإرهاب وداعميه في العالم.
برنامج "مكافآت من أجل العدالة" ليس وسيلة أمريكية لمحاربة الإرهاب، بل أداة مركّبة تُوظف في مسارات أمنية ونفسية وسياسية وإعلامية، تستهدف بالدرجة الأولى خصوم الولايات المتحدة لا من يهدد أمن شعوب العالم وإن وُجد فعلياً إرهابيون على لوائحها فيكون بسبب انتهاء مهمتهم وعدم وجود منفعة لأمريكا من بقاءهم وبالتالي يمكن حرق أوراقهم، وهذا يساعد البرنامج من خلال محاولة نفي علاقات بلده بهذه الجماعات.
في المقابل، يستدعي هذا الواقع جهداً مضاداً على أكثر من صعيد:
إعلامياً، عبر تفكيك سردية "مكافحات الإرهاب" الموجّهة، وكشف ازدواجية المعايير التي تستهدف المقاومة.
حقوقياً، من خلال مبادرات قانونية تفضح خروقات الولايات المتحدة و"إسرائيل" للقوانين الدولية المتعلقة بحق الشعوب.
أمنياً، عبر تحصين بيئات المقاومة من الاختراقات، وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الإبلاغ.
سياسياً، بدفع القوى إلى بناء خطاب موحّد يواجه توظيف أمريكا للأدوات الأمنية كأذرع نفوذ.
الكاتب: غرفة التحرير