الإثنين 09 حزيران , 2025 03:15

احتجاجات لوس أنجلوس: أمريكا البوليسية قيد التشكل

احتجاجات على سياسة الهجرة في لوس أنجلوس

في ظل انحسار أدوات التأثير الاقتصادي التي لطالما اعتمد عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – كفرض التعريفات الجمركية وحماية كبار المستثمرين الداعمين له – يتجه ترامب نحو إعادة ترسيخ حضوره السياسي عبر أدوات أكثر عنفاً وتوتيراً للساحة الداخلية، وعلى رأسها استعراض القوة الفدرالية ضد المهاجرين والاحتجاجات المدنية الرافضة لسياسة التهجير. يرصد المقال الذي نشرته صحيفة "ذا غارديان" سلسلة من التطورات الأمنية المتسارعة، بدءاً من المداهمات الفدرالية الواسعة التي نُفّذت في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة بذريعة التصدي للهجرة غير الشرعية، وصولاً إلى التهديد باستخدام وحدات من مشاة البحرية ضد المواطنين الأمريكيين المحتجين. هذه الخطوات، التي تترافق مع خطاب رسمي يتحدث عن "تمرد" و"عصيان"، تشكل ملامح بنية دولة بوليسية تتشكل تدريجياً، مستفيدة من خطاب الطوارئ والأمن القومي، ومتجاوزة الضمانات الدستورية الأساسية كحرية الاحتجاج. يعرض المقال بحسب الكاتب "خارطة طريق" لبناء دولة بوليسية وفق النموذج الترامبي، مؤلفة من خمس مراحل تبدأ بإعلان الطوارئ وتنتهي باحتمالية فرض الأحكام العرفية. كما ينبه إلى الدور المتنامي للوكالات الفدرالية العسكرية وشبه العسكرية في إدارة الشأن الداخلي، على حساب المؤسسات المدنية والسلطات المحلية. وأمام هذا التدهور، يتسلط الضوء على ما تبقى من وسائل الاحتجاج والرفض السلمية. ويختتم المقال بنداء يدعو إلى استثمار هذه المساحات المتبقية من الحريات، لا لكبح جماح الدولة البوليسية فحسب، بل لمنع تثبيتها كمكوّن دائم في البنية السياسية الأمريكية.

النص المترجم:

الآن وبعد أن تم تعليق التعريفات الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، وتعطيل مشروعه الاقتصادي "الكبير والجميل"، وانقلاب الملياردير التكنولوجي الداعم له عليه، كيف يمكن له أن يُظهر قوته؟ في صباح الجمعة، نفذت عناصر فدرالية من وكالة الهجرة والجمارك، ووزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات مداهمات واسعة في أرجاء مدينة لوس أنجلوس شملت موقعين لسلسلة "هوم ديبوت" ومستودعاً لبيع الملابس بالجملة بحثاً عن عمّال يُشتبه في أنهم مهاجرون غير موثقين.

ورغم تباين الأرقام، أفادت التقارير باعتقال 121 شخصاً خلال هذه العمليات. وقوبلت المداهمات بمظاهرات غاضبة، حيث هتف المحتجون وألقوا البيض على العناصر الأمنية، قبل أن تفرّقهم الشرطة مستخدمة معدات مكافحة الشغب، وأسلحة تطلق كرات الفلفل، والرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية. وفي تصعيد لافت يوم السبت، أمر ترامب بنشر ما لا يقل عن 2000 جندي من الحرس الوطني في مقاطعة لوس أنجلوس للمساعدة في احتواء الاحتجاجات. وقال إن أي تظاهرة تعيق عمل مسؤولي الهجرة ستُعتبر "شكلاً من أشكال التمرد". أما ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، فوصف الاحتجاجات بأنها "عصيان". ومساء السبت، هدد وزير الدفاع بيت هيغسيث، بنشر وحدات من مشاة البحرية، قائلاً "الهجمات العنيفة على عناصر وكالة الهجرة وإنفاذ القانون الفدرالي تهدف إلى منع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين ارتكبوا جرائم من أراضينا".

لذا فنحن نشهد بدايات تشكّل دولة بوليسية على الطراز الترامبي. ففي الأسبوع الماضي، أدت المداهمات في كل من سان دييغو، ومارثا فينيارد، ومنطقة بيركشاير، إلى مواجهات حادة، إذ تصدى المارة بغضب للعناصر الفدراليين الذين كانوا يعتقلون عمّالاً. وتتوسع حملة ترامب لتشمل حتى المحاكم الفدرالية. حيث يتمركز عناصر من وكالة (أي سي إي) خارج قاعات المحاكم في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ويقومون باعتقالات فورية بحق مهاجرين كانت قضاياهم قد أُسقطت بالفعل من قبل القضاة. والتجارب التاريخية تُظهر لنا أنه ما إن يُنشئ حاكمٌ استبدادي بنيةً تحتية لدولة بوليسية، فإن هذه البنية نفسها يمكن أن تُستخدم لاحقاً ضد أي شخص.

ويقوم ترامب ونظامه بسرعة ببناء هذه البنية التحتية، عبر خمس خطوات:

-إعلان حالة طوارئ على أساس ما يُسمى "تمرد"، أو "عصيان"، أو "غزو".

-استخدام حالة "الطوارئ" لتبرير إدخال عملاء فيدراليين يحتكرون استخدام القوة (مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات، والحرس الوطني) ضد المدنيين داخل البلاد.

-السماح لهؤلاء العملاء المُسلّحين باعتقالات جماعية عشوائية دون مذكرات توقيف، واحتجاز الأشخاص دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

-إنشاء مزيد من السجون ومعسكرات الاحتجاز لأولئك المحتجزين.

-في النهاية، ومع تصاعد الوضع، يتم الإعلان عن الأحكام العرفية.

لحسن الحظ نحن لسنا تحت الأحكام العرفية بعد. لكن ما إن تُفرض، فإن بنية الدولة البوليسية تبدأ في تغذية نفسها بنفسهاومع تراجع السيطرة المدنية لصالح السيطرة العسكرية، تنقسم البلاد إلى فئتين: الأولى هي الأكثر عرضة للقمع، والثانية تدعمه. ويعزز الاستبداد نفسه عبر إثارة الخوف والغضب في كلا الجانبين. حالياً، يشكل القضاء الفيدرالي والاحتجاجات السلمية الواسعة النطاق أهم الحصون في مواجهة الدولة البوليسية التي يسعى ترامب إلى ترسيخها مثل التظاهرة التي سيشارك فيها كثيرون منا يوم السبت المقبل 14 حزيران، في "يوم التحرك ضد الحكم المطلق".

من الضروري أن نظل سلميين، وأن نُظهر عزمنا على مقاومة هذا الطغيان دون عنف، وأن نُعلم أمريكا بالبنية الناشئة للدولة البوليسية التي يبنيها ترامب، وبأهمية مقاومتها. إنها أوقات مرعبة ومحزنة. لكن تذكّروا: صحيح أن شخصاً واحداً قادر على إنشاء دولة بوليسية، لكن لا يحتاج الأمر سوى إلى 3.5% من السكان لإسقاطه وإنهائها.


المصدر: The Guardian

الكاتب: Robert Reich




روزنامة المحور