الأربعاء 30 تموز , 2025 11:47

خطة إسرائيل لتغيير النظام في إيران

الإمام الخامنئي خلال إحياء أربعينية شهداء العدوان

يناقش المحلّل السياسي برايان هدسون في هذا المقال، الذي نشره موقع "Modern Diplomacy" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، الرأي الذي يقول بأن استراتيجية إسرائيل تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران، تتجاوز بكثير مسألة تفكيك برنامجها النووي، وأن هدفها الأساسي هو محاولة إسقاط النظام الإسلامي. واستدلّ هدسون على هذا الأمر من خلال العديد من المؤشرات والوثائق والأدلة، فضلاً عن تعليقات شخصيات سابقة في الموساد مثل سيما شاين وغيرها.

وشدّد هدسون بأن التجربة التاريخية تؤكد أن محاولات تغيير النظام في إيران — مثل الانقلاب على محمد مصدّق عام 1953 — غالبًا ما كانت تُقابل بمقاومة شرسة ونتائج عكسية.

النص المترجم:

في فجر الثاني عشر من حزيران / يونيو 2025، شنّت إسرائيل هجومًا عسكريًا على إيران. وتزامن هذا الهجوم مع دعوة رضا بهلوي عبر قناة "إيران إنترناشيونال" إلى انتفاضات شاملة في البلاد، وتكثيف العمليات من قبل جماعات مثل "جيش العدل"، وبقايا "مجاهدي خلق"، وأحزاب الانفصاليين الأكراد، والخلايا الملكية.

هذا التزامن لم يكن صدفة، بل مؤشراً على وجود تصميم أمني وعسكري كبير، يُرجّح أنه وُضع في مراكز أبحاث الاستخبارات والدفاع الإسرائيلية. يبدو أننا نشهد الآن تنفيذًا تدريجيًا للمشروع الأميركي-الإسرائيلي لـ"الشرق الأوسط الجديد"، القائم على تفتيت الأنظمة في إيران والمنطقة وإعادة تشكيلها.

تفيد التحليلات الصادرة عن مراكز فكرية مثل مجلس الأطلسي، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤسسة راند، إلى جانب التصريحات غير الرسمية لبعض المسؤولين الإسرائيليين، أن هدف إسرائيل لا يقتصر على القضاء على برنامج إيران النووي. فبحسب مديرة الأبحاث السابقة في الموساد سيما شاين، فإن هذه الهجمات جاءت بعد سنوات من التخطيط لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية (تصريح لوكالة أسوشيتد برس - AP News)، وتشمل هذه الاستراتيجية الأشمل تغيير النظام، وتفكيك إيران الناعم، وإضعافها على المدى البعيد كقوة توازن في الإقليم.

ويذهب ستيفن والت، أحد أبرز منظّري العلاقات الدولية، في مقال نشرته فورين بوليسي، إلى أن مشاريع "السلام عبر القوة" التي تتبنّاها إسرائيل، تؤدي بطبيعتها إلى زعزعة الاستقرار، وتغذّي دوّامة جديدة من الحروب. فإذا ما اعتبرنا "الهيمنة" أنها السيطرة التامة لقوة واحدة يعترف بها الآخرون، فإن السياسة الأميركية القائمة على تحويل إسرائيل إلى قوة عظمى في المنطقة لا تُنتج إلا مزيدًا من التنافس وعدم الاستقرار. فمشروع واشنطن لتنصيب إسرائيل كشرطي إقليمي محكوم بالفشل. فلا باكستان، ولا إيران، ولا تركيا، ولا مصر، ولا السعودية، ولا حتى قطر، تعترف بمثل هذا الدور لإسرائيل. ومع استمرار هذا التوجّه، فإن خطر عودة حظر النفط على غرار عام 1973، أو اندلاع حروب شبيهة بحرب 1967، لم يعد أمرًا مستبعدًا. وحتى بعد سنوات من جهود الغرب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر "اتفاقات أبراهام"، فإن الغالبية الساحقة من شعوب ودول المنطقة لا تعترف بشرعية إسرائيل القانونية والواقعية، ناهيك عن قبولها بهيمنة إسرائيلية.

وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر 2023، كشف بنيامين نتنياهو عن "خريطة شرق أوسط جديد"، ألغت فلسطين تمامًا، وضمّت الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل. وقد اعتُبر ذلك على نطاق واسع دليلاً على طموحات إسرائيل لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها، من دون أي اعتبار لحقوق الفلسطينيين. وكان نتنياهو قد أعلن في تشرين الأول / أكتوبر 2020 قائلاً: "نحن نغيّر خريطة الشرق الأوسط"، في إشارة إلى اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية — وهي اتفاقيات لم تؤدّ إلى نتائج ملموسة. كانت هذه التصريحات في ذلك الوقت تُعدّ جزءًا من استراتيجية إسرائيل للهيمنة، وربما لم تُؤخذ على محمل الجد حينها، لكنها اليوم، ومع عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى التنفيذ عبر دوّامة الانهيارات الإقليمية.

ويعتقد بعض المحلّلين الغربيين والمعارضين الإيرانيين في المنفى — لا سيما الملكيين المرتبطين بإسرائيل — أن سقوط الجمهورية الإسلامية سيجعل من إيران دولة "طبيعية"، يمكن دمجها بسهولة في نظام إقليمي يهيمن عليه الغرب وإسرائيل.

لكن هذا التصوّر يتجاهل الهوية التاريخية لإيران، وبُنيتها الاجتماعية، وموقعها الجيوسياسي. سواء حَكمتها الجمهورية الإسلامية أو نظام آخر، فإن إيران، بسبب مكانتها الجغرافية والديموغرافية والحضارية، لن تقبل بهيمنة إسرائيل. كما أن قوى أخرى في الإقليم — مثل تركيا، والسعودية، وقطر، ومصر — ترى أن فكرة هيمنة صهيونية تمثّل تهديدًا مباشرًا لها.

تعكس استراتيجية "السلام عبر الحرب" التي تتبعها إسرائيل، بدعم أميركي وأوروبي، منطق الاستعمار القديم. فالاتفاقية البريطانية-الفرنسية المعروفة بـ"سايكس بيكو"، والمخططات الاستعمارية التي نفذتها بريطانيا وفرنسا، والانقلابات المنظمة في إيران والعراق وسوريا ومصر، كلها كانت تهدف إلى خلق شرق أوسط تابع للمصالح الغربية. واليوم، تُستكمل هذه المخططات بأدوات جديدة، أبرزها عمليات "الموساد" السرية، مثل تهريب الأسلحة وشنّ ضربات بطائرات مسيّرة داخل إيران. فهذه الأدوات تُقدّم الحرب تحت شعار "السلام"، سواء عبر الإبادة الجماعية أو العدوان على الأرض.

ومع ذلك، فإن واقعية تنفيذ هذا المشروع موضع شك كبير. فإيران، بما تحمله من عمق تاريخي وثقافي ودور استراتيجي، من غير المرجّح أن تستسلم للضغوط الخارجية الرامية لتغيير نظامها. فالشعب الإيراني — بغض النظر عن توجهاته السياسية — يتمتّع بوعي سيادي وطني عميق، يرفض أي وصاية أجنبية مفروضة. كما أن توازنات الإقليم معقدة، فتركيا مثلًا، بسبب طموحاتها الإقليمية ودعمها للقضية الفلسطينية، والسعودية، نتيجة قلقها من تمدّد إسرائيل، غالبًا ما ستواجه هذه الخطط بالرفض. وحتى قطر، بسياستها الخارجية المستقلة ودعمها الضمني لحركات مثل الإخوان المسلمين في فلسطين، لا يمكن أن تقبل بهيمنة إسرائيلية.

والتجربة التاريخية تؤكد أن محاولات تغيير النظام في إيران — مثل الانقلاب على محمد مصدّق عام 1953 — غالبًا ما قوبلت بمقاومة شرسة ونتائج عكسية. فقد أدّت هذه التدخلات إلى تعزيز الحس القومي الإيراني بدلاً من إضعافه. على سبيل المثال، لم يؤدِّ دعم الغرب لجماعة "مجاهدي خلق" إلى إسقاط النظام، بل ساهم في تعزيز الوحدة الداخلية.

إن مشروع إسرائيل لتغيير النظام في إيران، وتفعيل الجماعات المسلحة، والضغط الدولي، لن يؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتصاعد الفوضى، وانتشار العنف. فقبول الهيمنة الإسرائيلية ليس خيارًا ممكنًا لا لإيران تحت أي نظام سياسي، ولا لدول أخرى في المنطقة. والسلام الحقيقي لا يُبنى عبر الحروب بالوكالة والانقلابات المعقّدة، بل عبر الحوار، واحترام توازن القوى، والاعتراف بالوقائع الإقليمية. وأي مشروع يقوم على القوة والتقسيم محكوم عليه بالفشل، حتى وإن أعطى لبعض الوقت وهم الانتصار.

على المجتمع الدولي، وخاصة من خلال مؤسسات مثل الأمم المتحدة، أن يدرك مخاطر هذه الطموحات الهيمنية. فالسلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حوار شامل، واحترام سيادة وحقوق جميع الدول، وليس من خلال فرض إرادة دولة واحدة على سائر الشعوب.


المصدر: موقع Modern Diplomacy

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور