شهد الاقتصاد الإسرائيلي انكماشًا حادًا وتقلّبات واسعة منذ اندلاع الحرب على غزة عام 2023، مرورًا بالحرب على لبنان عام 2024، وصولًا إلى المواجهة مع إيران في منتصف 2025. بلغت الكلفة الإجمالية للحروب بين 140 و350 مليار شيكل، ما تسبب في ركود قطاعات حيوية كالعقارات، السياحة، التكنولوجيا، والصناعات الدفاعية، وارتفاع العجز المالي إلى أكثر من 5% من الناتج المحلي.
ارتفع الإنفاق العسكري إلى 168 مليار شيكل في عام 2024، وأدى إلى ضغط كبير على الميزانية العامة وتراجع نمو الناتج المحلي المتوقع إلى نحو 2.5%. كما شهد قطاع العقارات تراجعًا بنسبة 35% في مبيعات المنازل، وتباطأت المشاريع نتيجة غياب العمالة الفلسطينية. أما قطاع التكنولوجيا فتعرض لضربة قوية بسبب تجنيد الكفاءات وهروب الاستثمارات الأجنبية، بينما تراجعت صادرات الغاز والطاقة نتيجة المخاطر الأمنية في الحقول البحرية.
ترافقت هذه الأزمات مع خسائر سياحية تجاوزت 12 مليار شيكل، وإلغاء صفقات عسكرية بمليارات الدولارات بعد توقف التعاون مع دول أوروبية وآسيوية.
في المقابل، لعب الدعم الأميركي والمساهمات الفردية لرجال أعمال يهود دورًا حاسمًا في إبقاء الاقتصاد الإسرائيلي قائمًا. فقد قدمت واشنطن نحو 16.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية مباشرة، إلى جانب ضمانات قروض وتسهيلات مالية سمحت لإسرائيل بالاقتراض بشروط ميسّرة، كما ساهمت شخصيات مثل بيل أكمان ولاري إليسون في تمويل مشاريع دفاعية وتكنولوجية داخل الكيان.
ابتداءً من منتصف 2025، بدأت تظهر مؤشرات محدودة على التعافي؛ ارتفعت مؤشرات البورصة الإسرائيلية بأكثر من 22%، وتحسّن أداء الشيكل مقابل الدولار، كما استعادت بعض القطاعات – خصوصًا التكنولوجيا والعقارات – جزءًا من نشاطها. وبرز قطاع الذكاء الاصطناعي كأحد محركات النمو الجديدة مع استثمارات متوقعة تفوق 4.6 مليارات دولار حتى عام 2030.
بعد وقف إطلاق النار، رجّحت التقارير أن يبدأ الاقتصاد بالانتعاش تدريجيًا، مع انخفاض الإنفاق العسكري وعودة جنود الاحتياط إلى العمل، وتحسن في التصنيف الائتماني واستقرار العملة المحلية. كما يتوقع أن يبدأ بنك إسرائيل بخفض الفائدة عام 2026، ما يشجع على الاستثمار والإنفاق المحلي.
أما بالنسبة للتوقعات المستقبلية، فقد قدّر صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 3.9% في عام 2026، بينما توقع بنك إسرائيل 4.7% ووزارة المالية 5.1%. ومع ذلك، حذر خبراء مثل جوناثان كاتز من أن النمو الفعلي قد لا يتجاوز 3.8% بسبب نقص العمالة الفلسطينية، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وتراجع الإنفاق الحكومي بعد الحرب.
في الخلاصة، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من مرحلة انتقالية حساسة تتأرجح بين مؤشرات انتعاش نسبي وضغوط هيكلية عميقة. ورغم المرونة التي أظهرها في قطاعات التكنولوجيا والدفاع، فإن التعافي الكامل مرهون بالاستقرار السياسي والأمني واستعادة الثقة الدولية، ما يجعل مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي غير محسوم بعد عامين من الحرب.
المقال التالي يستعرض الواقع الاقتصادي للكيان الإسرائيلي بعد عامين من الحرب، موضحًا الخسائر الضخمة، الدعم الأميركي، بوادر التعافي، والتوقعات المستقبلية
لتحميل المقال من هنا