في 29 آذار/مارس 2025، دخل اسم غير مألوف إلى المشهد السياسي السوري من بوابة وزارة الخارجية: أسعد حسن الشيباني. لم يكن تعيينه مجرد قرار إداري روتيني، بل إعلاناً عن بداية مرحلة جديدة تتشابك فيها رواسب السلفية الجهادية بطموحات بناء دولة سورية مختلفة. الشيباني، الذي عُرف خلال سنوات الحرب بعدة أسماء حركية مثل "أبو عائشة"، و"حسام الشافعي"، و"زيد العطار"، خرج من الظل ليتبوأ موقعاً رسمياً يعكس تحولات كبرى في بنية المعارضة السورية المسلحة. ليصبح بذلك أحد أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في المشهد السياسي السوري المعاصر.
من الريف إلى العاصمة: التكوين الأول
وُلد أسعد الشيباني مطلع عام 1987 في قرية "أبو رأسين" بريف الحسكة، في قلب الجزيرة السورية، حيث انتمى إلى قبيلة بني شيبان العربية. رغم هذا الجذر العشائري، انتقلت عائلته في وقت مبكر إلى العاصمة دمشق، ليجد نفسه بين عالمين متناقضين: الريف المحافظ والدولة البيروقراطية. في دمشق، أكمل دراسته الجامعية بتخصص اللغة الإنجليزية وآدابها، وتخرّج عام 2009. هذا المسار الأكاديمي شكّل قاعدة معرفية ولغوية أساسية ساعدته لاحقاً على التعامل مع العالم الخارجي.
لحظة التحول: من التظاهر إلى السلاح
مع انطلاق احتجاجات عام 2011، شارك الشيباني في الحراك المدني، قبل أن ينخرط في العمل المسلح. وفي كانون الثاني/يناير 2012، شارك في تأسيس "جبهة النصرة"، ليبدأ مسيرته الجهادية تحت اسم "أبو عائشة الحسكاوي". لم يقتصر دوره على الجانب القتالي، بل برز كمحور إعلامي وأمني مهم، إذ ساهم في إدارة مؤسسة "المنارة البيضاء" الإعلامية، وتولى ملف المراسلات السرية مع "القاعدة" و"دولة العراق الإسلامية"، ما جعله من أهم رجال الظل في التنظيم.
فك الارتباط: الوجه العلني يظهر
في 2016، قررت "جبهة النصرة" فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتم الإعلان عن "جبهة فتح الشام". في هذه المرحلة، تبنّى الشيباني اسم "حسام الشافعي"، وظهر كمتحدث رسمي باسم التنظيم، مدافعًا عن التغيير الاستراتيجي أمام الداخل الجهادي والخارج الإقليمي والدولي. وقدّم خطاباً مزدوجاً، يرضي الجهاديين المحافظين من جهة، ويطمئن الفاعلين الدوليين من جهة أخرى.
إدارة إدلب: "زيد العطار" والدبلوماسية من تحت الرماد
عام 2017، ساهم في تأسيس "هيئة تحرير الشام"، ليتولى لاحقاً، تحت اسم "زيد العطار"، إدارة السياسة الخارجية للهيئة من خلال منصبه في "حكومة الإنقاذ". أدار ملفات حساسة مثل التفاوض مع الأمم المتحدة، والتنسيق مع منظمات الإغاثة، وإبرام اتفاقات تبادل مع النظام مثل "اتفاق المدن الأربع". كما تولى مسؤولية استقبال الصحفيين والدبلوماسيين الأجانب، وكان القناة غير الرسمية بين الهيئة والعالم الخارجي.
المسار الأكاديمي: تحضير لمرحلة قادمة
بين عامي 2022 و2024، حصل الشيباني على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة "صباح الدين زعيم" في إسطنبول. هذا التوجه الأكاديمي لم يكن عارضًا، بل جزءًا من استعداد طويل الأمد لدخول الحقل الرسمي. فقد أدرك مبكرًا أن الساحة القادمة ستكون سياسية ودبلوماسية، لا ميدانية.
من زيد العطار إلى الوزير الشيباني
في ديسمبر 2024، ومع سقوط النظام السوري، عُيّن الشيباني وزيرًا للخارجية في الحكومة الانتقالية. وقد مثّل هذا التعيين تتويجًا لمسار طويل من التحوّلات، واختفى معه آخر اسم حركي في سجل الشيباني. منذ توليه المنصب، عمل على إعادة سوريا إلى محيطها العربي، فزار الخليج وتركيا، وشارك في مؤتمرات دولية، كما أطلق مفاوضات حساسة مع أطراف دولية كانت تعتبره في السابق خصمًا، بل خصمًا إرهابيًا.
عناصر الشخصية: رجل متعدد الوجوه
تتسم شخصية الشيباني بقدر هائل من البراغماتية. تنقّل بين الخطابات الأيديولوجية والسياسية حسب ما تتطلبه المرحلة، ما يدلّ على قدرة استثنائية على التكيّف. علاوة على ذلك، فإن دراسته الأكاديمية وعلاقته التاريخية مع أحمد الشرع (الجولاني) منحته مكانة استراتيجية في مراكز القرار.
كما أن استخدامه المتعدد للأسماء الحركية لم يكن فقط لحماية أمنية، بل أداة لإعادة تشكيل صورته حسب مقتضيات كل دور. من "أبو عائشة" الجهادي، إلى "زيد العطار" الدبلوماسي، وصولًا إلى "أسعد الشيباني" الوزير، تعددت الوجوه، لكن بقي الجوهر السياسي في حالة تحول مستمر.
التحدي الأكبر: المصداقية
التحدي الحقيقي الذي يواجه الشيباني اليوم لا يتمثل في عقد الاجتماعات أو صياغة السياسات، بل في كسب الثقة. هل يستطيع إقناع الداخل والخارج بأن تحوّله حقيقي؟ هل يغفر له الماضي القريب؟ وما مدى قدرته على تمثيل سوريا جديدة رغم تاريخه المعقّد؟
مستقبل سوريا الدبلوماسي، وقدرتها على رفع العقوبات، وجذب استثمارات إعادة الإعمار، واستعادة مكانتها الطبيعية، كلها أمور ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاح أسعد الشيباني في مهمته. إنه يمارس منهجية سياسية معقدة على رقعة إقليمية ودولية، حيث كل خطوة محسوبة، وكل كلمة لها وزنها.
أسعد الشيباني هو نموذج لمرحلة سورية شديدة التقلّب والتعقيد. هو مرآة تعكس تحولات الجهاد إلى السياسة، والعمل السري إلى الدبلوماسية. وبينما يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان هذا التحوّل دائمًا أم مؤقتًا، فإن المؤكد أن الشيباني أصبح رقماً صعباً في المعادلة السورية، ولاعباً لا يمكن تجاوزه في تشكيل مستقبلها.
الكاتب: غرفة التحرير