الأربعاء 01 تشرين أول , 2025 03:36

بين القائد الأصيل والحاكم المعلب

حكام على مقاس الغرب

في عالمنا العربي اليوم، كثيراً ما نلاحظ تشابهاً غريباً بين القيادات الحاكمة: استسلامها للضغوط الخارجية، انصياعها لأجندات الغرب، وابتعادها عن مصالح شعوبها. عند النظر بعمق، ندرك أن هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل هي نتاج عملية مدروسة قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب لتصدير حكام محددين إلى منطقتنا. هؤلاء الحكام ليسوا إلا أدوات جاهزة، قيادة معلبة تم تجهيزها وتنفيذها بما يتوافق مع مصالح القوى الكبرى، ثم التخلص منها عندما تنتهي صلاحيتها. ومن المعلوم أن الدول الغربية لا تقوم بعمل لا يعود بالنفع عليها، لذا بطبيعة الحال عندما تأتي هذه القوى برؤساء وحكام كما هو الحال في كثير من الأحيان لا بد من البحث عن مآربها. وهنا نستدل بالمثل البريطاني الشهير الذي يقول: "بريطانيا ليس لديها أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين. لديها مصالح دائمة".

يمكن لمصطلح "القيادة المعلبة" أن يصف الواقع الذي يمارسه الغرب في منطقتنا إذ أن الحاكم الذي يظهر على رأس الدولة في كثير من الأحيان لا يكون قائداً حقيقياً نابعاً من إرادة شعبه واختياره، بل نسخة معدّة مسبقاً ليؤدي وظيفة محددة. فالغرب يختار، يُعدّ، يُموّل، ويوجه هذه القيادات لتنفذ سياساته في المنطقة، فتتحول الدولة إلى ساحة لتنفيذ أجندات خارجية، بعيداً عن إرادة الشعب وتطلعاته ولهذا نرى لحد اليوم الانعدام في حالة الكثير من الدول العربية التي لا تستطيع الاستفادة من مواردها وثرواتها بسبب الحكام المصنعين الذين لا يتمتعون بأي حس وطني.

القيادة الأصيلة # القيادة المعلبة

على نقيض القيادة المعلبة تبرز في بعض الدول العربية وإن كانت بحالات نادرة نماذج عن القيادة الأصيلة، التي تتسم باستعدادها للتضحية بنفسها وبذل الغالي والنفيس، قيادة تتبع ضميرها وقيمها ولا تخضع للابتزاز أو التبعية، قيادة تتحرر من السيطرة الخارجية وتضع مصلحة شعبها فوق كل اعتبار. في زمننا، نجد أن هذه النوعية من القيادة نادرة للغاية، لأن النظام العالمي أوجد آليات تمنع صعودها أو تستهدفها مباشرة إن ظهرت.

هناك العديد من الآليات لتصدير "الحكام المعلبين"، حيث يتم تكوينهم بداية من خلال الجامعات الغربية والنخب السياسية، ثم دعمهم عبر علاقات اقتصادية وعسكرية قوية، وإشراف على وسائل الإعلام لضمان صورة مهيأة عنهم في الداخل والخارج. ويتم ربطهم بالديون والاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، بحيث يصبح بقاءهم في السلطة مرتبطاً بالالتزام بأجندة الغرب. هؤلاء الحكام يعرفون أن استقلالهم الحقيقي محدود، وأن أفعالهم مقيدة مسبقاً بما يسمح به الخارج.

أما مصير هذه القيادات بعد أن تنتهي صلاحيتها، فهو نموذج آخر لتأكيد الطابع المعلب للقيادة. محمد حسني مبارك، على سبيل المثال، ظل حليفاً استراتيجياً لأميركا لعقود طويلة، خدم سياساتها في المنطقة، لكنه عندما أصبح عبئاً واستنزفت أدواته وأصبح يشكل عائقاً على اللعبة الأميركية الجديدة، تخلت عنه واشركت شعوب المنطقة أيضاً في عملية عزله وهذا نوع من التلاعب بالشعوب. كذلك قادة ما قبل "الربيع العربي"، مثل زين العابدين بن علي، الذين بُنيت قيادتهم لتنفذ أهداف الغرب، وعندما انتهى دورهم تم التخلص منهم عبر النفي أو الإطاحة القسرية. هذه الأمثلة تثبت أن الحاكم المعلب ليس إلا أداة محدودة الصلاحية، يُستخدم ويُستبدل وفق الحاجة، ولا يمتلك القدرة للقيادة الحقيقية.

في المقابل، القيادة الأصيلة لا يمكن تعبئتها أو تصديرها؛ فهي تأتي من الشعب، تتغذى على التضحيات، وتمثل قيم الحرية والاستقلال والضمير الوطني. هذه القيادة لا تخضع للتهديدات، ولا تحكمها المصالح الأجنبية، بل تمثل القوة الحقيقية للأمة في مواجهة الاستعمار أياً يكن شكله. وتكون قادرة على اتخاذ قرارات صعبة، حتى لو كلفتها مكانتها أو حياتها، لأنها مرتبطة مباشرة بشعبها وقيمه، وليس بمصالح أخرى تحد منها.

لذلك، حين نتحدث عن القيادة المعلبة، نحن نتحدث عن ظاهرة مستمرة نعيشها منذ عقود، لذلك الكثير من القيادات في عالمنا العربي مجرد أدوات جاهزة لتنفذ، وقدرتها على التغيير أو الدفاع عن مصالح شعوبها محدودة للغاية. وكل محاولة للابتعاد عن هذا التعليب تعرضها للضغط أو الإطاحة. ما نحتاجه اليوم ليس مزيداً من الحكام المعلبين، بل قيادة حقيقية تنبع من الشعوب، تقاوم الضغوط الخارجية. قيادة مؤهلة لتحمل المسؤولية ولها أفكارها وتوجهاتها وليست مجرد نسخة جاهزة. ولذلك نلاحظ أن الحكام الذين تأتي بهم هذه الطريقة لا يتركون أي أثر في الوجدان الشعبي على عكس القادة الحقيقيين الذين يتركون إرثاً عظيماً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور