الإثنين 18 تشرين أول , 2021 02:47

ما بعد مجزرة الطيونة، هل من سياسة للردع؟

سمير جعجع

في 17/ 10 طالب الحزب السوري القومي الاجتماعي حل حزب القوات اللبنانية وجاء في البيان" يطالب القوميون الاجتماعيون، الجهات الرسمية بحل حزب القوات اللبنانية لمنعه فوراً من تذكية السعار الطائفي، وإحالة الملف على المجلس العدلي واعتقال عصابة القتل التي نفذت الجريمة، ومن وجهها وأدارها". لم يكن البيان إلّا جزءاً من المواقف المتتالية، والتي ستتراكم فوق رأس القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع، والآتي لن يكون أقل أهمية، بل مسار تصاعدي يراد منه وأد الفتنة والتخلص ممن يريد إيقادها.

لم ينس الحزب القومي السوري شهداء الكورة الأربعة الذين اختطفوا وقتلوا في حادث أليم خلال العام الحالي. ومن كان يظن أن الحادث هو مجرد حادث عابر ارتكبته مجموعات إرهابية فهو مشتبه، الحادث له علاقة بما يديره جعجع من معراب في كلّ مكان يتسنى له فيه: تهديد خصومه، أوضربهم، أو التجزير بهم.

لربما ما كان ينتظره الحزب القومي وبقية حلفائه، هو خطأ ما يرتكب ويفضح علاقة جعجع وقواته لتأخذ المبادرة بطلب كهذا وليوضع حداً لسلسلة جرائم القوات وأخواتها. وبصراحة يتملكها الأسى لولا ما حدث في الطيونة من مجزرة في الرابع عشر من هذا الشهر لما كان تسليط الضوء على مجازر وتجاوزات القوات اللبنانية ممكناً.

الشهيدة مريم فرحات

مجزرة أثبتت أنه لا يمكن أن يكون هناك تعايش ما دام لبنان يتحدث عن التعايش فقط ولا يتحدث عن المواطن الحر الكريم، ومادام لبنان فيه أناس يستهدفون سيدة كما الشهيدة مريم فرحات تنتظر عودة ابنتها من المدرسة، فقط لأنها ترتدي لباساً محدداً. هذا النوع من الإستهداف يعتبر غاية في العنصرية وفي ضياع الأخلاق الوطنية. ومن الواضح أنّ جعجع يريد كنتوناً مسيحياً ويريد عودة متصرفية جبل لبنان، إبان حكم القناصلة، ممتدة على مساحة الأقضية الأربعة.

إذا ما كان هذا هو المفهوم الذي تقوم عليه عمالة جعجع مع السفارة الأميركية، ومن مقومات وجود العمالة إيجاد قوة مرتزقة تقتل لأنها تستمتع بالقتل وتقبض ثمناً مقابله، تماماً كما العصابات اليهودية إبّان احتلال فلسطين، فهذا أمر صادم. وفي الحقيقة المرتزقة هم مرتزقة سواء ارتدوا ثياب داعش والنصرة السوداء أو ارتدوا البزة الحربية المبرقعة والمرفهة ومتقنة الصنع. وضمن هذه المعرفة يمكن للجميع القلق من أن هذه المجموعة في لبنان لا يمكن ائتمان شرها، كما أنه لا يمكنها أن تشكل إحدى النوى المختلفة في بناء لبنان كوطن، بل باتت عائقاً في بقائه موحداً.

ما حدث في الطيونة أمر خطير، في العادة يجر المرتزقة من بقاع مختلفة في العالم ليقاتلوا في بقعة بعيدة عن أرض الوطن. يعتبرون الإرتزاق مصدر دخل يبنون عليه مستقبلهم أو مستقبل عائلات وأبناء تركوها خلفهم، ولكن أن يحارب المرتزقة على أرض الوطن فهذا أمر لا يمكن لعقل أو عاقل أن يقبل به، وهو يعني بداية سلسلة مجازر وحرب أهلية وإذا ما ترك على حاله فلن تكون مجزرة الطيونة آخر المجازر بالتأكيد.

جعجع والحرب الأهلية

ومنذ عامين كشف مصدر مطلع، أنه وبعد أن اتضح أن سوريا تذهب إلى التعافي، وإذا ما تم لها تحرير أرضها وبعد صمودها وصمود حلفائها الأسطوري، لم يبق أمام الولايات المتحدة الأميركية و"اسرائيل" سوى الذهاب نحو إشعال الحرب الأهلية من جديد في لبنان. وما حدث في الطيونة في الخميس الماضي ليس إلا حركة شطرنج ترسم ملامح اللعبة الكبرى، حيث كان المطلوب تحول الإشتباك السني- الشيعي ليصبح اسلامياً [وبالتحديد] شيعياً- مسيحياً. وذلك من أجل إراحة "اسرائيل" من تلك القوة الوطنية التي تقف على حدود أرضها تحمي سلامها بسلام ما بين أهلها. وما كشف منذ عامين بات أمراً يتحدث به الجميع، ولكن للأسف وحتى اليوم لم توضع خطة واضحة المعالم لمحاربة الأمر، سوى اتباع سياسة "ضبط النفس".

وإذا كان ما حدث يوضع في سياق السباق المحموم نحو جذب التحالفات للإنتخابات القادمة في آذار 2022، فكيف يمكن لأي مكون لبناني أن يأتي بمرتزقة لتمثيله في مجلس النواب اللبناني. هذا أمر لا يصح القبول به من قبل جميع المكونات السياسية سواء كانت تقف إلى جانب المقاومة أم ترفضها. دماء الشهداء التي وقعت في الرابع عشر من هذا الشهر، وكما قال النائب محمد رعد: "ليست حبراً" وسال، إنما هي دماء أمهات وأباء، وأخوة وأخوات، وأبناء وبنات، وأزواج وزوجات، وهي ليست للبيع أو المتاجرة، ومن سفكها يجب أن يدفع الثمن وأن يوضع له حداً، وإلّا فسنتحول إلى مجتمع ثأري أو مجتمع يأكل قويه الضعيف، فهل يرضى مجتمع المقاومة أن يأكل ضعيفاً؟ دماء شهدائنا يجب ألّا تذهب هدراً ولم يعد مسموحاً التهاون. وأما السماح لجعجع بعد اليوم باللعب بالساحة اللبنانية ويعد وصمة عار على جبين الدولة ومكوناتها جميعاً من قضاة وسياسيين وحزبيين وأحرار وطنيين برمتهم، وخاصة إذا ما أثبت التحقيق تورطه المباشر في مجزرة الطيونة.

ما حدث في الطيونة هو محاولة لإشعال الفتنة، وهي ليست المرة الأولى، وليست الثانية بعد مجزرة خلدة واعتداء شويا، ولا حتى العاشرة بعد حوادث قطع الطرقات والتسبب بمقتل عائلات عليها، ولكن ألا يجب ان تكون الأخيرة!

سياسة ردع جديدة

ان المعضلة الحقيقية في أن ما مارسته القوات اللبنانية يدل على حجم التدخل الدولي في الشأن اللبناني، وعندما نصف هؤلاء بالمرتزقة، فلأنهم عندما يعملون بأموال وإدارة الأميركي في البلد ضد إخوانهم في الوطن فهم كذلك. ومن اتهمهم بالتواطئ هو حزب الله وحركة أمل وحتى الحزب السوري القومي الإجتماعي في بيانه والمردة على لسان رئيسها الوزير السابق سليمان فرنجية، وعلى لسان السيد هاشم صفي الدين في تأبين الشهداء السبعة، اذ قال: " حزب القوات اللبنانية أراد إرجاع لبنان إلى الحرب الأهلية البشعة وهو صاحب مجازر ينمو عليها"، ولذا يجب إيقافه عند حده قبل أن يأخذ البلد فعلياً نحو حرب أهلية، وبهذا اقتضى الأمر ضرورة وضع سياسة جديدة للردع.


الكاتب: عبير بسّام




روزنامة المحور