الجمعة 26 تشرين ثاني , 2021 05:46

"سفارات افتراضية" للاحتلال...حجب الرواية الفلسطينية!

خلال معركة "سيف القدس" في أيار الماضي، أثبت الفلسطينيون تقدماً في ساحات المقاومة ضد كيان الاحتلال بكافة الأشكال، وكان من أهم ما ميّز تلك المعركة استخدامهم لتقنيات الاعلام الرقمي الجديد كما المنصات المختلفة لمواقع التواصل الاجتماعي وميزاتها المتاحة (البث المباشر) بهدف تصدير الرواية الفلسطينية الصحيحة في الداخل والى العالم والتي تفضح جرائم وتنكيلات جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في القدس المحتلّة وتوثّق تهويده للأحياء لا سيما حي الشيخ جرّاح، كما تفضح وحشيّة عدوانه على قطاع غزّة، بالإضافة الى ان  التغيّر الأساسي الذي يؤسس لمرحلة جديدة في هذه المواجهة، هو بروز أصوات التضامن والتفاعل من المناطق الفلسطينية المحتلّة لعام 48  بما أكّد فشل محاولات الاحتلال في السنين الماضية من استغلال هذا الاعلام ومواقع التواصل في بناء ما يدّعي انه "الفلسطيني الجديد" المعزول والمنفصل عن تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.

واليوم نقل هذا التقدّم النوعي الفلسطيني ساحة المقاومة الى الفضاء الافتراضي، لكن الاحتلال أيضاً لم يوفرها لممارسة أسوأ وأخطر الأساليب لمحاولة قمع الرواية الفلسطينية وإسكات صوتها لما كان لها الدور في تغيير مسار المعركة وقلب موازين القوّة ورسم المعادلات الجديدة للمرحلة المقبلة.

ومنذ مطلع الأسبوع الحالي، عمد الاحتلال الى حجب أكثر من 600 صفحة فلسطينية أهمها صفحة "ميدان القدس" وهي أكبر الصفحات ويتابعها مليون ومئتي متابع، بالإضافة الى إغلاق حسابات شخصية ممن يدعم القضية وينقل إنجازات المقاومة في ظل هجمة افتراضية واسعة خاصة بعد العملية الأخيرة للشهيد فادي أبو شخيدم في البلدة القديمة في القدس المحتلّة.

وللحديث عن هذه الهجمات الافتراضية للاحتلال ومكامن خطورتها وكيفية التصدي الفلسطيني والعربي لها، مقابلة خاصة لموقع "الخنادق" مع الصحافي الفلسطيني المتخصص بالإعلام الرقمي يوسف الحسني.

"إعدام رقمي" يقابله احتجاج فلسطيني

يضغط الاحتلال على الشركة المالكة الجديدة للتطبيقات "Meta" لقمع المحتوى الفلسطيني وقد استجابت منصة "فايسبوك" خلال هذا العام لـ 95 % من الشروط الإسرائيلية وهو يعتبر العام الأسوأ في الانتهاكات الرقمية حيث مارس الاحتلال أكثر 150 انتهاك للمضمون الافتراضي الفلسطيني خلال شهر تشرين الأول الماضي فقط!

في المقابل يشير الحسني الى ان هناك حملات واسعة تدار في فلسطين للانقضاض على هجمات الاحتلال وتقويضها عبر إطلاق أوسمة (هاشتاغ) على منصة "توتير" كان أهمها الوسم الحالي "فايسبوك يحجب القدس" كنوع من "الاحتجاج الرقمي" على السياسات القمعية للاحتلال وإعلاء الصوت الفلسطيني، بالإضافة للدعوة الى الدخول الى "المتجر الرقمي" (Play Store) وإجراء تقييم متدنٍ وسلبي للتطبيقات المتواطئة مع الاحتلال ما سيضر بسياساتها الربحية وبالتالي سيشكّل ضغطاً فعالاً، وكذلك يتخذ الفلسطينيون مساراً قانونياً ضد الشركة المالكة للتطبيقات والمنصات.

"سفارات افتراضية" للاحتلال!

ومن جانب آخر، يؤكد الإعلامي يوسف الحسني أن الأشد خطورة في ساحة الاعلام الرقمي يكمن في استغلال كيان الاحتلال لهذا الفضاء الافتراضي لتسويق روايته المزعومة من خلال الاعتماد على مبدأ تكرار "المادة" وخاصة الإنتاج البصري الجاذب (فيديو) حتّى تصير أقرب للتصديق وسهولة قبولها لدى المتلقي.

 كما يلجأ الاحتلال الى استراتيجية "الدبلوماسية الرقمية"، ما يعني ان يوفر لكيانه "صوت رسمي" وحسابات "رسمية" لمسؤوليه خاصة على "توتير" ليكسر الحواجز مع الجمهور العربي، ويذهب الاحتلال أبعد من ذلك الى إنشاء ما يسمى "سفارات افتراضية" يخاطب من خلالها الشباب العربي عبر بثّ المنشورات التفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحاكي على سبيل المثال "العادات المشتركة" بين الكيان الإسرائيلي وبين البلدان العربية بالإضافة الى استخدام الخطاب الديني (كاعتماد آيات القران والأحاديث) ويتقصّد الاحتلال ان يقوم بهذه المهمة إسرائيليين يتقنون اللغة العربية في محاولة تقريب الكيان للشعوب العربية والسيطرة على عقولهم وتغير قناعاتهم  بهدف أساسي يتمثّل بتمرير أفكار التطبيع وبناء وتجهيز الأرضية الخصبة "للاتفاقيات" قبل ان تتم "رسمياً"، وقد افتتح الاحتلال "سفارة افتراضية" في العراق وآخرى في الامارات.

التفاعل العربي السلبي يخدم الاحتلال

وان الاحتلال يدرك تماماً ان هذه المنشورات تستفز قسماً كبيراً من الجمهور العربي، الذي يتفاعل سلبياً معها (يدخل ليسجل اعتراض، سُباب...) لكن يجب الالتفات ان حتى هذا التفاعل يخدمه، اذ يشرح الحسني أن خوارزميات هذه التطبيقات تنشر بشكل واسع المنشور صاحب التفاعل العالي – بغض النظر عن مضمون هذا التفاعل – بما يسمح للمنشور بتصدّر محركات البحث. وبالتالي يخدم الجمهور - من حيث لا يدري- تداول الرواية الإسرائيلية المزعومة.

 بالإضافة الى ان الاحتلال يكتشف من ردود الفعل الغاضبة الثغرات لدى الجمهور المستهدف ويستغلها لبناء هجماته الافتراضية القادمة، كما انه قد يستثمر استخباراتياً هذا التفاعل ويجنّد العملاء حين تظهر أية نقطة ضعف في الشباب العربي، ومن هنا ضرورة الوعي بخطوة التفاعل ولو ما سلبياً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور