الخميس 10 شباط , 2022 01:18

معركة المصطلحات الإعلامية: تحريض وتضليل

تضليل إعلامي ومصطلحات مصطنعة

عندما احتل الألمان بقيادة هتلر فرنسا، تم تشكيل جيش شعبي في داخل فرنسا، عرف باسم "المقاومة الفرنسية" عملت على مهاجمة القواعد والمقرات الألمانية، وسهلت وصول الأميركيين والبريطانيين من أجل القيام بعمليات الإغتيال لكبار الضباط الألمان والدبلوماسيين العاملين في فرنسا والدول الأوروبية المجاورة المحتلة. وخلال الحرب العالمية الثانية، وبينما كانت فرنسا محتلة، كانت القوات الفرنسية تحتل سوريا ولبنان والمغرب العربي من المملكة المغربية وموريتانيا وحتى حدود ليبيا، وسمي يومها الإحتلال انتداباً. وسُمي الثوار المقاومون ضد الفرنسيين بالمخربين وبالعصابات، واتُهموا بقطع الطرقات من أجل تشويه سمعتهم. معركة مصطلحات متباينة ومتزامنه وما يزال الأمر على حاله حتى هذا اليوم.

من يقوم بتسمية المجموعات المتصارعة، أو المتنازعة في بقعة معينة من الأرض، يكون عادة صاحب اليد العليا في القتال. أي أن المعتدي ذو القوة العسكرية الأكبر، وفي حالتنا اليوم في القرن الحادي والعشرين هو صاحب اليد العليا في الإعلام، والذي يملك المال الكافي لرصد الحملات الإعلامية ضد أي مجموعة سواء كانت مقاومة، أم كانت قوة إرهابية تحمل السلاح ضد أهلها كما حدث في سوريا وليبيا واليمن وفلسطين وحتى في كولومبيا وفنزويلا وكما حدث في التشيلي. فتصبح الإنقلابات المدعومة من الأميركيين ثورات شعوب حرة، فيما تعتبر الثورات الشعبية الحقيقية ضد الأنظمة الديكتاتورية المعيّنة من قبل الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين هي انقلابات ضد حكومات ديمقراطية!

اليمن وحرب المصطلحات

لننظر في الحرب الإعلامية النتنة التي يتعرض لها اليمن منذ سبع سنوات ولا يزال، حيث يزرع الإعلام العربي الخليجي والأجنبي، مثل فرانس 24 وسكاي نيوز والـ CNN وال BBC وغيرها من المؤسسات الناطقة بالعربية، تعابير وصفات محددة تتعلق بتسمية الجماعات في اليمن، إذ تُسمي حكومة هادي المنتهية ولايته "بالحكومة الشرعية"، وتصف قواته ب "الجيش الشرعي" مع العلم أن معظم مكونات جيشه هي من عناصر القاعدة والميليشيات والمرتزقة، وهي حكومة تابعة للاحتلال السعودي بامتياز، أما الحكومات في حضرموت والمهرة تُسمى "بالحكومة الإنتقالية" وهي في الواقع حكومة الإحتلال الإماراتي. ومن جهة ثانية، تصر هذه القنوات وأخواتها على تسمية الجيش اليمني الرسمي واللجان الشعبية بقوات الحوثي أو قوات أنصار الله. هذا مع العلم أن الحوثيين هم عائلة أو عشيرة يمنية فيما أنصار الله هو حزب سياسي، وليس كل الحوثيين منضوين تحت حركة أنصار الله، ولا كل مكونات أنصار الله هم من الحوثيين فقط، بل تضم الحركة شباباً ورجالاً من العائلات والعشائر اليمنية من كافة المناطق والمديريات، والغرض من إطلاقهم هذه التسمية على الجيش اليميني واللجان هو حصر الحرب على اليمن ضد عشيرة أو تجمع أو مذهب معين هم الزيديين الذين ينتمون إلى أنصار الله.

أنصار الله قوة فاعلة الى جانب الجيش واللجان الشعبية اليمنية

ما يحدث هو اختصار لوطنية اليمنيين الحقيقية، التي ترفض الهوان والقبول بالإستعمار المتمثل بالتحالف "العبري"، فالتحالف يضم إلى جانب الإمارات والسعودية كلاً من الأميركيين والصهاينة. وفي المقابل اليمنيون الوطنيون والمناهضون للاحتلال والاستعمار، هم من جميع فئات الشعب اليمني. ويتجلى هذا الأمر في مطالبة محافظ حضرموت لقمان باراس بأن: "على أحرار حضرموت المضي قدماً على خطى أحرار المهرة في مناهضة التحركات الأميركية، والتصعيد ضدها في مطار الريان، والعمل مع كل احرار اليمن على إجهاض المؤامرات التي تحاك ضد حضرموت". كلام باراس جاء على موقع أنصار الله الرسمي، وهذا له دلالاته بالتأكيد. كما كان لوقوف أهل مأرب مع الجيش واللجان الشعبية ضد المرتزقة، دلالاته أيضاً.

وبناء عليه، ينبغي تبني التسمية كما في البيان العسكري، والتي عادة يأتي على لسان العميد يحيى سريع، ألا وهي صيغة "الجيش واللجان الشعبية". لأن الصحافة الغربية والخليجية ومن معهما التي تدأب على تسمية الجيش اليمني بالحوثيين إنما هدفها الإقلال من أهمية الطرف المعادي للتحالف كلاعب أساسي في اليمن. وهدفها الثاني التلاعب بعقول الناس حول الحرب الدائرة على اليمن. ومنها استخدام تعبير التحالف العربي ضد الحوثيين، وكأن الحوثيين ليسوا عرباً، بل هم أصل العرب ومنهم قسم كبير يعودون بنسبهم، إلى نسب الرسول العربي محمد (ص) أي إلى بني هاشم القريشي.

والحقيقة الأخرى أن الجيش واللجان الشعبية بات تشكيلة على مستوى الوطن. وهذا النوع من اختصار المقاومات باسم عائلة أو طائفة القصد منه وضع النضال ضد المستعمر ضمن قالب محدود وحاد الأطراف، وكأنهم ليسوا جزءاً من الوطن. كما يكون توصيف أية حركة ضد الإحتلال أو معادية "لإسرائيل" والتصوير أن رفض الصلح مع الكيان الصهيوني هو رفض يتعلق بطائفة أو عائلة أو حزب، والهدف تصوير أن حركة الشعوب ضد الإحتلال لا أساس لتواجدها، أو أن العداء "لإسرائيل" مرتبط بمجموعة محددة وصغيرة وليس قراراً شعبياً يريد فلسطين محررة وحرة، أو يريد يمناً حراً ومحرراً من قوات التحالف.

فورات عربية وليست ثورات

الأمر نفسه استخدم خلال "ثورات الربيع العربي". بداية، هي لم تكن ثورات، بل اجتياحات لمجموعات راديكالية متطرفة وممولة من السعوديين والقطريين والأميركيين، وغالباً ما كانت هذه الجماعات تتشكل من إرهابي النصرة وتنظيم داعش الوهابي الارهابي القادمين من دول آسيا الوسطى، والتي جندت أشخاصاً محليين بالإغراءات المالية، وهذا ارتزاق وليس ثورة. وثانياً، لم تكن ربيعاً، ولا علاقة لها بفصول السنة مهما يكن التوصيف المرتجى منها، بل كانت سبباً للخراب والتخريب في أهم دولتين عربيتين في المنطقة، ألا وهما ليبيا وسوريا. الأولى بسبب حجم الثروات الباطنية فيها وخاصة البترول والماء وأسباب سياسية أخرى هامة. والثانية، لأسباب جيوسياسية تتعلق بموقعها كممر هام لخطوط النفط والغاز، ولأنها الداعم الأهم للمقاومات العربية في لبنان وفلسطين. وأخيراً هي ليست عربية، بل هي مخطط قائم بدأ تنفيذه منذ احتلال العراق، وأرادت الإدارة الأميركية تحقيقه، من أجل حماية الكيان الاسرائيلي وتقويته على حساب الشعب العربي من خلال إعادة تقسيم الدول العربية إلى كانتونات جديدة. وقد فضح ما يدار تحت الطاولة للعالم أجمع بعد صمود محور المقاومة في سوريا، ولذا فهي "فورات عبرية".

ومن أجل تحقيق الفورات العبرية استخدم الإعلام الخليجي والغربي تعابير محددة ولا يزال يستخدمها الكثيرون كما الببغاوات. وذلك بتحديد هويات خاصة بمن هم ضد "الفورات العبرية" تضمنت أهدافاً خطيرة منها شق الصفوف داخل الوطن الواحد. كقول البعض أن الجيش العربي السوري هم شبيحة الرئيس بشار الأسد من العلويين فقط، وأنهم من يقتلون الشعب في سوريا. والحقيقة أن معظم أفراد الجيش السوري هم من السنة، ولا يمكن أن يقوم الجيش في سوريا دون وجود جميع الفئات من أبنائها، وبخاصة السنة.

فلسطين: حماس ليست وحدها المقاومة

يعتبر اختصار مقاومة الفلسطينيين ضد كيان الاحتلال بأنها حرب حماس ضد "اسرائيل"، هو أيضاً تحجيم وتصغير لإرادة الشعب الفلسطيني باستعادة حرية أرضه، لأن فصائل المقاومة متعددة وفاعلة بقوة، مثل الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وفتح الانتفاضة، وكافة الفصائل وجميعها في مواجهة العدو، وحتى الطفل الرضيع يولد في فلسطين مقاوماً. هذا النوع من التصنيف يخدم "إسرائيل"، والدليل صدمة العالم كله عندما قام أهالي حي الشيخ الجراح بالإنتقاضة في القدس لحماية حيّهم، وتحولت أسباب الثورة لتصبح قتالاً ما بين "اسرائيل" وحماس. إذاً المطلوب خلق تصور عالمي أن من يعارض الوجود الصهيوني هم فئة تم تصنيفها على أنها إرهابية. وان مصيبة "اسرائيل" لا تحتمل، اذ كان على هذا الشعب الذي تعرض للمجازر النازية أن يواجه الأشرار الفدائيين، الذين كانوا يسمون بالمخربين في الإعلام الغربي والعبري. واليوم تبدل اسم المخربين ليصبح حماس.

الأمر ذاته يجري في لبنان! اذ تسمى المقاومة الإسلامية في لبنان على أنها فرع من حرس الثورة الإسلامية. وأحياناً تعرّف على أنها ذراع إيراني في لبنان. وكانت سابقاً تربط أحياناً بالدولة السورية. ويُصور الصراع ما بين "إسرائيل" ولبنان على أنه صراع مع منظمة يعتبرها الأميركيون والسعوديون، ومن لف لفيفهم، منظمة إرهابية، وأن أزمة "اسرائيل" هي بالخطر الداهم الذي يمثله حزب الله.

كان رجال المقاومة يوصفون بالمخربين، ومن ثم بالمخربين اللبنانيين في توصيف جبهة المقاومة اللبنانية في العام ،1982 والمعروفة باسم "جمول" اختصاراً، وأخيراً "ارهابيي" حزب الله. والحقيقة أن حزب الله يستمد قوته وفعاليته وشرعيته من أصوات مئات آلاف اللبنانيين في البقاع والجنوب وبيروت والجبل وكافة المناطق اللبنانية، ويستمد قوته من وقوف القوى الوطنية والحلفاء من كافة الطوائف معه، هذه القوى الحالمة بتحرير لكامل الأراضي اللبنانية، وكذلك فلسطين.

مصطلحات مصطنعة ومضللة

لكن خطورة هذه المصطلحات الإعلامية والتعاريف المسفهة للصراع من أجل الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي وبناء الدولة وصيانة الوطن، لا يكون فقط من خلال استخدام التعابير المستخدمة في الإعلام المعادي، بل يكون عبر إعادة استخدامه من قبل الناس في الشارع وكأنه غرس غرساً في العقول. كاستخدام تعبير مقاومة حماس، مقاومة حزب الله، مقاومة الحوثيين، انتصار النظام في سوريا، من دون ادراكهم أن حماس جزء من المقاومة في فلسطين، وأن الحوثيين وأنصار الله هم جزء من المقاومين في مؤسسة شرعية قانونية هي الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهي تنتشر على الجزء الأكبر من مساحة اليمن، وأن حزب الله بجميع مكوناته هو لبناني متأصل، وأن النظام في سورية هو الدولة والحكومة والرئيس المنتخب بأغلبية 75% من الشعب السوري. فحذار من الوقوع في فخ هذه المصطلحات المصطنعة والمضللة في معركة كي الوعي، لأنها كما "البوم" لا يدل إلا على خراب الأوطان.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور