الثلاثاء 09 أيار , 2023 10:14

في ذكرى معركة الكرامة الثانية "سيف القدس" ملامح حاضرة للانتصار

صواريخ المقاومة في غزة

لم تكن المعارك المفصلية في حياة الفلسطيني على مدار ثورته إلا محطات لتجديد مسارات العمل النضالي، وتصحيح خطوات التوجه الوطني العام بما يتناسب مع حجم التحديات والمهددات، واستثمار الفرص التي توهب لقيادته الوطنية ليعالج فيها مواطن الضعف التي تعصف به خلال المسير.
ولقد تعددت المحطات الفارقة في التاريخ الحديث للثورة الفلسطينية، ولعل من أبرز تلك المحطات معركة الكرامة التي وقعت على الأرض الأردنية في نهاية ستينات القرن الماضي، لتشكل أبرز ملامح الثورة في تلك الحقبة، بإعلان قدرات المقاتل الفدائي الفلسطيني، ورسمت ملامحها بالالتفاف الشعبي والجماهيري حول قيادة أنتجها الميدان، فرفع من شأن العمل الوطني، وأذن للالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية.
غير أن عارض تشكل بعد سنوات بفعل التيه الفلسطيني، وأولجه إلى نفق التسوية السياسية مع الاحتلال مما أضعف من القيمة الاستراتيجية للفعل الكفاحي الفلسطيني، وتراجعت فيه تلك القوى التي برزت كنتيجة تلك المعركة، وأضعفت من تأثيرها وقدراتها في جمع الفلسطيني نحو استراتيجية نضالية موحدة، بل نتج عنه مجموعة من الانقسامات البينية بين مكونات الشعب الفلسطيني، فأمسى الفلسطيني يعيش كنتونات مجزئة ما بين الوجود الفلسطيني في الشتات، وبين كنتون في غزة والضفة وإضعاف للقيمة الوطنية وهوية الشعب الفلسطيني المتواجد في الأراضي المحتلة عام 1948، فأمست كل منطقة لها همومها وأولوياتها وتعبيرها الخاص عن شكل وجدانها الفلسطيني ونضالها الوطني.
فعادت المقاومة الفلسطينية بترتيب أوراقها واتخاذها لقرار خوض معركة مع الاحتلال دفاعاً عن القدس في 10 أيّار/مايو من عام 2021 بعد الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المدينة وأهلها، فشكلت معركة "سيف القدس" والتي يمكن تسميتها معركة الكرامة الثانية نقطة تحوّل في المقاومة الفلسطينية بتأسيسها لمرحلة جديدة فكرياً، ولجيل جديد يؤمن بالمقاومة، بالإضافة الى إسهام المعركة في ردع الاحتلال عن التفكير مرة أخرى في افتعال حرب مع غزة، وتسبّبت في سعيه إلى لملمة الأوراق في الضفة الغربية والداخل المحتل.
ففي تغير استراتيجي لدى المقاومة الباسلة، نراها تبدأ معركتها الأولى لتحقيق عنصر المفاجأة، بل حدّدت ساعة انطلاقها وهدفها، لتزيد بذلك مساحة الردع التي خلقتها في حرب 2014 بعد أن كان الاجراء المقاوم فدخول معركة على ارض غزة دائرة دفاعية لصد العدوان الصهيوني.
وقد حققت هذه المعركة وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات، الذي هبّ في وجه الاحتلال في آن واحد وجسّدت هذه الوحدة ترسيخ الاتفاق والالتفاف حول البعد الثاني للمعركة المتعلق بمكانة القدس في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبارها لبّ القضية الفلسطينية تحت قيادة رئيس هيئة المقاومة الفلسطينية محمد الضيف و خرجت من دائرة المطالبة برفع الحصار والدفاع عن قطاع غزة إلى "اعتبار قطاع غزة جزءا من الهمّ الوطني الفلسطيني الشامل"، وهو ما اصطلح على تسميته بـ"وحدة الساحات ووحدة الرد الفلسطيني".
ومع تبني توسيع نطاق الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لتشمل الدفاع عن مجمل القضايا وليس فقط قطاع غزة"، على نحو يتطلب في المقابل حضور غزة في العمل الوطني والشعبي الفلسطيني بكل التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، فشكّلت المعركة مفارقة خاصة في نقطة البداية بتوجيه الضربات إلى "وسط الكيان الإسرائيلي"، في اشارة إلى أن المقاومة الفلسطينية "تعمل بصبر وثبات وجهد لتطوير قدراتها"، فأظهرت "سيف القدس" هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وحجم الالتباس لدى المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية" مع اظهار قدرات المقاومة.
ومن جانب آخر نرى أن سيف القدس أسّست لوعي فلسطيني جديد أعاد العلاقة مع الاحتلال إلى طبيعتها: شعب خاضع للاحتلال وسلطة قائمة بالاحتلال، وهي علاقة مقاومة وتصدٍّ وصمود".
 وعززت فصائل المقاومة ألا تبقى ملتزمة بقواعد الاشتباك السابقة، واستثمرت الوقت للربط بين غزة والقدس.
ومع قصر مدة المعركة والتي استمرت لقرابة 10 أيام لكن آثارها باقية خاصة "في خلق قواعد جديدة للربط بين غزة والقدس، وأسست مبدئياً لتطوير هذه المعادلة لتربط بين غزة والضفة بشكل عام وليس القدس فقط، كما ظهر الشعب الفلسطيني موحدا".
 وهذا ما فعله نشاط الفلسطينيين في أراضي الـ 48 "والذي أظهر مدى عنصرية إسرائيل، وفي الوقت نفسه أثر على جبهتها الداخلية" من جانب وما شكّلته من ضربة للمستوى الأمني الذي لم يحسن التعامل مع الجبهات الفلسطينية المختلفة، وكانت تقديراته خاطئة حيالها، فالمستوى الأمني فشل استخباراتيا في عدم تقدير مشاركة فلسطيني الداخل بالمواجهة، وعملياتياً في التقدير بأنه لا يمكن خوض حرب في أكثر من جبهة، وفي عدم نجاحه بمواجهة التحدي في الجبهات الثلاث.
ومع توجيه الضربة الأمنية الخطيرة والكبيرة" تمثلت في عدم القدرة الإسرائيلية على إيجاد قوات كافية ونقل قوات من مكان إلى آخر، فبنت مجموعة من المخاوف المستقبلية "فلأول مرة يشعر الجمهور الإسرائيلي أنه مهدد تهديداً مباشراً، ليس فقط على وقع الصواريخ بل على وقع الحياة الداخلية والعلاقة مع فلسطيني الداخل" ورفعت منسوب الثقة لدى الفلسطينيين بقدرة المقاومة على تحقيق إنجازات، وتلاشت المناكفات ومصطلحات الانقسام، وتحول المشهد إلى تيارين: عريض يمثل المقاومة، وضيّق يمثل السلطة ومسار التسوية.
فبقدر الفلسطيني ان يعيد الاعتبار لذاته ورسم ملامح جديدة لكينونته وهويته فكانت المعركة بقدر ما أسست فلسطينيا لمرحلة جديدة فكريا، ولجيل جديد يؤمن بالمقاومة، فإنها أسهمت في ردع الاحتلال عن التفكير مرة أخرى في افتعال حرب مع غزة، وتسبّبت في سعيه إلى لملمة الأوراق في الضفة الغربية والداخل المحتل وذلك ما يحاول أن يبني عليه غير أنه أوصل نفسه الى مرحلة الخلخلة في بنيانه الجمعي الصهيوني، وتآكل قوة الردع، لترتفع فيها عوامل التلاشي المتدحرج في الكيان، ويعزز من واقع المقاومة لإنجاز مشروع التحرير بوحدة الساحات وتعدد الجبهات لتكون أكثر ايلاماً للاحتلال وأدواته المساندة على الأرض الفلسطينية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

رامي الشقرة

-رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية




روزنامة المحور