الإثنين 15 أيلول , 2025 01:34

حرب الأدمغة بين المقاومة وكيان الاحتلال

الاحتلال فشل في القضاء على الحزب فيما نجحت المقاومة في تحويل الضربة إلى فرصة

منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لم تقتصر المواجهة بين المقاومة الإسلامية والعدو الصهيوني على البعد العسكري التقليدي، بل تشكلت جبهة موازية عُرفت بـ "حرب الظلال"، وهي حرب أمنية واستخباراتية دارت رحاها بعيداً عن الإعلام. هذه الحرب لم تكن نزاعاً حدودياً بل صراع وجود، شهد على مدى أكثر من أربعة عقود تحولات عميقة غيّرت موازين القوى في المنطقة.

المرحلة الأولى 1982/1992

حيث انبثقت البنية الأمنية للمقاومة كردّ على الاحتلال، في ظل اعتماد العدو على شبكات تجسس كثيفة جنوب لبنان. ركزت المقاومة على مكافحة التجسس وتطهير بيئتها من العملاء، متبعة أسلوب "التجربة والخطأ". شكّلت هذه السنوات مدرسة أمنية قاسية أفرزت منظومة أكثر انضباطاً. في 16 شباط 1992، مثّل اغتيال الأمين العام السيد عباس الموسوي محطة مفصلية دفعت المقاومة إلى الانتقال من الدفاع إلى الهجوم.

المرحلة الثانية 1992/2000

تسلّم السيد حسن نصر الله قيادة الحزب، وأدرك أن الحماية لا تكتمل إلا ببناء قدرات استخباراتية هجومية. تأسست وحدات متخصصة لجمع المعلومات ومكافحة التجسس والعمليات الخاصة، وأُنشئت شبكة اتصالات آمنة بعيدة عن رقابة العدو. أبرز الإنجازات تمثلت في عمليات أنصارية 1997 التي أوقعت 12 جندياً من وحدة الكوماندوز البحري في كمين محكم، واغتيال الجنرال إيرز غيرشتاين 1999. توّجت هذه المرحلة بانسحاب العدو من جنوب لبنان في أيار 2000.

المرحلة الثالثة 2000/2006

بعد التحرير، اتجهت المواجهة إلى مستوى أعقد. تمكنت المقاومة من تجنيد عملاء في قلب المؤسسة الأمنية الصهيونية مثل العقيد عمر الهيب 2002، وجمعت معلومات حساسة عن تحركات قائد المنطقة الشمالية غابي أشكنازي. كما نجحت في استدراج العقيد الحنان تننباوم إلى بيروت 2000، في عملية شكّلت اختراقاً استخباراتياً لافتاً. على صعيد التقنية، تفوقت المقاومة في اعتراض الاتصالات والتغلب على تقنيات القفز الترددي، ما أجبر العدو على مراجعة قدراته.

المرحلة الرابعة 2006/2012

في حرب تموز 2006، عانى العدو من "العمى الاستخباراتي" وفشل في تحديد بنك أهداف دقيق، بينما أظهرت المقاومة تفوقاً نوعياً في اعتراض الاتصالات ونصب الكمائن، مثل مجزرة الدبابات في وادي الحجير. بعد الحرب، اغتيل القائد عماد مغنية في دمشق 2008، ما مثّل خرقاً أمنياً كبيراً. ردّت المقاومة بتفكيك شبكات تجسس بارزة مثل شبكة محمود رافع ومروان فقيه. هذه المرحلة أكدت قدرة الحزب على مواجهة الاختراقات رغم خطورتها.

المرحلة الخامسة 2012/2023

مشاركة حزب الله في الحرب السورية مثلت منعطفاً استراتيجياً. خاض الحزب مواجهة معقدة ضد جماعات تكفيرية وأجهزة استخبارات دولية، مكتسباً خبرة في حرب المدن والعصابات والطائرات المسيّرة. شكّل هذا الانكشاف فرصة للعدو الذي استغل "حملة بين الحروب" عبر مئات الغارات الجوية لجمع المعلومات عن الحزب، فيما طوّر الأخير وحدات نخبة مثل "قوة الرضوان" ووسع من خبراته الميدانية والإلكترونية.

المرحلة السادسة 2023/2025

مع معركة "طوفان الأقصى" تشرين الأول 2023 وفتح جبهة الجنوب، دخلت حرب الظلال طوراً جديداً. اعتمد العدو على "كنز المعلومات" الذي جمعه من سوريا، فنفذ حملة اغتيالات واسعة استهدفت قادة الصف الأول والثاني، شملت السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين وغيرهما. وفجّر آلاف أجهزة "بيجر" ولاسلكي يستخدمها الحزب، ما أدى إلى استشهاد وجرح الآلاف. ورغم وحشيتها، عجزت هذه الضربات عن شل البنية التنظيمية للحزب، الذي أظهر قدرة على امتصاص الصدمة ومواصلة القتال.

أثبتت التجربة أن الإنجاز الاستراتيجي الأكبر للمقاومة هو بناء منظومة أمنية واستخباراتية متكاملة من الصفر، مكّنتها من حماية قياداتها وفرض معادلات ردع جديدة. عمليات مثل تجنيد ضباط في جيش العدو أو استدراج تننباوم، لم تكن مجرد نجاحات تكتيكية، بل أسست لاختراقات استراتيجية. في المقابل، اعتمد العدو على الاغتيالات والعمليات التقنية مثل "البيجر"، لكنها بقيت إنجازات تكتيكية بلا أفق استراتيجي. فشل العدو في القضاء على الحزب أو تعطيل منظومته العسكرية، فيما نجحت المقاومة في تحويل كل ضربة إلى فرصة للتطور.

أحداث 2024 كسرت كل "الخطوط الحمراء" بحسب المحللين الصهاينة وفتحت الباب أمام حرب استخباراتية أكثر شراسة، سيتخللها سباق في الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات الضخمة، والحرب السيبرانية. في المقابل، ستعود المقاومة إلى تقليص مساحة الانكشاف عبر السرية، والتواصل الشخصي، واستثمار تفوقها في العنصر البشري.

لتحميل الدراسة من هنا 


المصدر: مركز يوفيد للدراسات والأبحاث

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور