الخميس 30 تشرين أول , 2025 04:23

الهجوم البري: سيف الردع والدفاع والسيطرة

مقاومون في وحدة الرضوان النخبوية ومن خلفهم دبابات إسرائيلية

تتصدر العمليات الهجومية البرية بأهميتها، كل أشكال العمليات العسكرية، مهما تغير الزمان والمكان والوسائل والهدف. ففي كل حقبة من تاريخ الحروب، تغير شكل ساحة المعركة - من الخنادق والحصون والقلاع إلى الطائرات الحربية والصواريخ والدبابات والسفن والطائرات المسيّرة، ومن الجيوش المليونية إلى الصواريخ الدقيقة - ومع ذلك، تظل حقيقة واحدة ثابتة للحرب: يكسب من تكون الضربة الهجومية البرية له في الأخير. فالضربة الهجومية البرية الأخيرة، قادرة على ردع معتد، تأمين الدفاع، وحتماً تحرير أرض محتلة. ومن دونها مهما تحقق من إنجازات وأهداف، ستبقى قاصرة عن غاية أساسية: الاحتفاظ بزمام المبادرة والسيطرة على مجريات الصراع، والحسم (وفقاً للمنظر العسكري البروسي الشهير: "الدفاع أقوى من الهجوم، لكن الهجوم حاسم").

وقد عبّر الإمام علي (ع) عن هذا الأمر، في الخطبة 27 التي وردت في كتاب نهج البلاغة، حينما قال في إطار التذكير بفضل الجهاد واستنهاض الناس والتذكير بعلمه بالحرب: "أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلَاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ [وَ] قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ ".

لماذا الهجوم هو المهم؟

ولأن الردع يبدأ من العقل – عبر إقناع العدو بأن تكلفة عدوانه تفوق مكاسبه – فإن الهجوم البري، الذي هو عبارة عن القدرة على عبور الخطوط والسيطرة اللحظوية أو الدائمة على المواقع والموانع الحيوية واختراق القواعد العسكرية - هو الذي يمنح الردع ميزته الأكثر واقعية. أما الضربات الجوية والهجمات الإلكترونية والنيران بعيدة المدى فإن دورها هو المساهمة والمساعدة في تحقيق هدف الهجوم.

فعندما تُظهر أي حركة مقاومة قدرتها على السيطرة على الأرض والدفاع عنها (أو بالحد الأدنى قدرتها الهجومية البرية فقط) فإنها تُعيد تعريف العدو بنقاط ضعفه الجوهرية (وهذا ما حصل في عملية طوفان الأقصى حينما أكّدت المقاومة الفلسطينية على كافة المقاييس قدرتها على كسر تفوق جيش الاحتلال الإسرائيلي وإظهار مكامن عجزه وضعفه وأخطرها جبن جنوده وضباطه ووصولاً الى أعلى مسؤوليه السياسيين).

عقيدة حزب الله البرية: تحويل التضاريس إلى قوة

لم يُختبر هذا المبدأ بشكل أوضح مما حدث في حالة المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله، خاصةً خلال مرحلة ما قبل التحرير عام 2000. فهو كان سيّد العمليات الهجومية ضد المواقع والأهداف الإسرائيلية، واستطاع منذ عملية الدبشة النوعية عام 1994 (أول عملية إغارة ضد موقع إسرائيلي مصوّرة)، إظهار مدى تفوق المقاومين هجومياً، بمقابل الروح الانهزامية التي طغت على جنود وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي، الى الحد الذي دفع ببعض قادة جيش الاحتلال الى تكذيب خبر حصول العملية في بداية الأمر، قبل أن تكذبه مشاهدها على شاشات التلفزة.

وبعد اندحار إسرائيل من جنوبي لبنان عام 2000، لم يفكك حزب الله دفاعاته، بل قام بتحويلها - من مواقع دفاعية بحتة إلى شبكة من المناطق المحصنة والأنفاق والوحدات المتحركة القادرة على تنفيذ عمليات الدفاع والهجوم المضاد. لذلك عندما اندلعت الحرب في تموز / يوليو عام 2006، تم اختبار هذا الأسلوب الدفاعي الهجومي بطريقة فعّالة للغاية. فلمدة 34 يومًا، بادر المقاومون الى مهاجمة القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان من أقصى الحدود، واستطاعوا تكبيدها الخسائر الجسيمة، في عديدها البشري وفي دبابتها ومدرعاتها وألياتها، ومنعوها من تحقيق أي هدف لعدوانها. ومنذ ذلك الوقت، لمعت في عقول قادة المقاومة فكرة الهجوم البري على فلسطين المحتلة.


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور