الخميس 30 تشرين أول , 2025 03:18

هل هناك مساحة لوصاية أخرى على سوريا؟

زيارة الشرع إلى السعودية

تأتي زيارة أحمد الشرع إلى السعودية في توقيتٍ حساس، وسط تحولاتٍ إقليمية تحاول من خلالها كلٌّ من أنقرة والرياض تثبيت نفوذها في الملف السوري، كلٌّ وفقًا لمصالحه. الزيارة التي بدأت يوم الثلاثاء، في 28 أكتوبر، ومن المتوقع أن تنتهي اليوم، تبدو وكأنها تحمل في طياتها محاولة من قِبَل الحكومة السورية المدعومة تركيًا لفتح خطوطٍ موازية مع الرياض، رغم التباين العميق بين مصالح الطرفين.

ومن المؤكد أن هذه الخطوط لا تُفتح برضا تركي، غير أن العجز عن سدّ الثغرات المتعددة في الساحة السورية — وهي كثيرة — يجبر أنقرة على الإذعان، حتى وإن كان الأمر خارجًا عن رغبتها، أو من شأنه أن يفرض وصاية جديدة على سوريا.

تلاقي الضرورة رغم التنافر

من الواضح أن الدعم التركي، رغم استمراره، لم يعد كافياً لاحتياجات الحكومة السورية في مناطق الشمال، لا سياسياً ولا اقتصادياً. تركيا التي تواجه استحقاقات داخلية وضغوطاً اقتصادية وتوازنات دقيقة في علاقاتها مع موسكو وواشنطن، لا تملك القدرة المالية الكافية أو الدبلوماسية لإعادة إعمار سوريا أو لشرعنة سلطتها الجديدة في المحافل الدولية في الوقت الراهن. من هنا يأتي السعي نحو السعودية، ليس انطلاقاً من تقارب سياسي حقيقي، بل من إدراك أن التمويل الخليجي هو المدخل الوحيد لإعادة الإعمار التي تكلف ملايين الدولارات.

لكن السؤال الأهم: هل تقدم الرياض دعمها لسوريا دون مقابل؟

السعودية التي أعادت فتح خطوطها مع دمشق بحذر، لا تبدو في وارد تمويل مشاريع في مناطق نفوذ تركي إلا إذا ضمنت لنفسها موطئ قدم سياسي أو إداري هناك. بمعنى آخر، قد تسعى إلى فرض وصاية جزئية أو مشاركة في القرار المحلي، تحت عناوين "إعادة الإعمار" أو "التنمية".

وعليه، يبدو أن ما يجري هو محاولة لإعادة توزيع الوصاية على سوريا، بدل إنهائها، لتصبح بين أنقرة والرياض في صيغة شراكة اضطرارية لا تعكس توافقاً بقدر ما تعبّر عن عجز كل طرف عن المضي منفرداً.

وصاية مزدوجة أم توازن مصالح؟

قد يرى البعض في هذا التقارب بداية لتوازن جديد في شمال سوريا، غير أن الواقع أكثر تعقيداً. فتركيا لا ترغب في تقاسم قرارها مع أحد، خصوصاً مع طرف خليجي له طموحات إقليمية متزايدة، بينما السعودية لا تريد أن تبدو مجرد ممول ثانوي لمشروع تركي ذي طابع إسلامي سياسي بنظرها. ومع ذلك، يجد الطرفان نفسيهما مضطرين للتعاون المؤقت.

فتركيا تحتاج المال، والسعودية تحتاج موطئ قدم سياسي يوازن من حيث الشكل لا المضمون ما كان عليه الدور الإيراني في دمشق.

بهذا المعنى، يشكّل التعاون بينهما نوعاً من الوصاية المزدوجة، قد تتبدل ملامحها بحسب موازين القوى على الأرض، لكنها تبقى في جوهرها شكلاً جديداً من السيطرة على سوريا.

هواجس سعودية من الطابع الجهادي

ورغم كل البراغماتية التي تحكم السياسة السعودية، تبقى هناك هواجس لدى الرياض من طبيعة الفصائل التي تحكم سوريا لأنها أساساً فصائل مسلحة. فالكثير من هذه الجماعات، وعلى رأسها "جبهة النصرة" بمسمياتها المختلفة، نشأت في بيئة قائمة على العنف والتكفير، ولا يمكن الوثوق باستقرارها أو تحولها إلى أداة سياسية منضبطة بعد الدوامة التي حكمتها خلال ما يقارب الـ 12 عام.

لذلك، تميل الرياض إلى أن يكون لها دور في إدارة هذه الفصائل كي لا تتفرد تركيا بها وهذا ما يثير خوف السعودية. وربما يكون للتواجد السعودي في سوريا خدمة لـ "إسرائيل" فتسهله لها.

بهذا المنطق، تصبح سوريا أمام مشهد انتقال من نظام وصاية إلى آخر. فبدل الخروج من دائرة "النفوذ الخارجي"، تدخل مرحلة جديدة من التجاذبات بين أنقرة والرياض، وربما لاحقاً قوى أخرى، وكل طرف يسعى لاقتطاع "حصته" من قالب الحلوى السوري الذي قد ينتفض مستقبلاً على الجميع.

طباخ السمّ سيأكل منه

أثبت التاريخ الحديث أن دعم الجماعات المسلحة لا يضمن لأي دولة استقراراً طويل الأمد، فالمجموعات التي نشأت على الدم والسلاح يصعب احتواؤها لاحقاً بما تحمله من أفكارٍ وما أصبحت عليه من واقع، وغالباً ما تتحول إلى عبءٍ على من دعمها. من هنا، قد يكون المشروع السعودي ـ التركي في سوريا أشبه بطبخةٍ أعدّها الطهاة ثم خافوا من تذوقها، وهذا تحديداً ما قد يحدث إذا ما انتعشت هذه الفصائل وقررت العودة إلى نمطها السابق، وهو النمط الذي غذّته في الأصل الأموال الخليجية والدعم العسكري التركي. لذلك حينها قد لا ينفع سرور البعض بانفتاح سوريا "الجديدة" عليه ومنحه مساحة أكبر ليتواجد ويفرض وصايته.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور