يعود الاحتلال الإسرائيلي إلى التوغلات البرية في قطاع غزة في محاولة لإعادة فرض سيطرته على مناطق معينة بعد فترة من الهدوء النسبي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ومع استئناف العمليات العسكرية، يتكشف المشهد عن تعقيدات جديدة، حيث يحاول "الجيش الإسرائيلي" التوغل في المناطق المبنية، مقسِّمًا القطاع إلى أجزاء متعددة في خطوة تحمل أبعادًا عسكرية وسياسية. لكن هذه التوغلات لا تأتي من موقع قوة مطلقة، إذ تواجه تحديات جمة تتعلق بتكتيكات المقاومة وتجدد بنيتها الدفاعية خلال فترة الهدنة.
التكتيك العسكري: اختبار الدفاعات أم خطوة تمهيدية؟
تحاول القوات "الإسرائيلية" توسيع عملياتها البرية عبر محاور متعددة، ما يشير إلى غياب خطة عملياتية متماسكة، والتركيز بدلاً من ذلك على استراتيجيات “جس النبض”. هذا النوع من العمليات يُستخدم غالبًا لاستكشاف قدرات الخصم وإجباره على كشف استراتيجياته الدفاعية، قبل اتخاذ قرارات رئيسية حول طبيعة الحملة العسكرية اللاحقة.
وتحقيقًا لهذا الهدف، لجأ الاحتلال إلى:
تحديات الاحتلال: مناخ معقد وسيناريوهات المقاومة
رغم تفوق الاحتلال عسكريًا، فإن العودة إلى العمليات البرية تأتي في ظل مشهد ميداني أكثر تعقيدًا مما كان عليه قبل أسابيع. فعلى مدار 50 يومًا من وقف إطلاق النار، تمكنت المقاومة من:
ولا يبدو أن المقاومة تتسرع في المواجهة المباشرة، إذ تعمل وفق إستراتيجية الاستدراج واستنزاف العدو، من خلال:
البعد الإستراتيجي: معركة غزة ليست محلية فقط
المواجهة العسكرية لا تُدار فقط داخل غزة، بل اتسع نطاقها ليشمل أبعادًا إستراتيجية تؤثر على إسرائيل إقليميًا ودوليًا. فمع تجدد العمليات البرية، أعلنت المقاومة عن قصف تل أبيب بصواريخ متطورة، وهو تطور يؤكد أن الصراع لم يعد محصورًا في الجغرافيا الضيقة للقطاع، بل يطال قلب إسرائيل السياسي والاقتصادي.
وهذا يثير تساؤلًا جوهريًا: هل يتحمل الاحتلال استمرار هذه الحرب في ظل ضغط داخلي متزايد وارتباك سياسي متصاعد؟
فالضغوط الداخلية في "إسرائيل" تزداد مع كل يوم حرب، حيث تتعالى الأصوات المعارضة لاستمرار العمليات العسكرية، خصوصًا مع تصاعد الخسائر وتراجع أي أفق لحسم عسكري سريع.
الدعم الأمريكي والتواطؤ الأوروبي: هل يشكلان غطاءً كافيًا لاستمرار الحرب؟
ترافق التصعيد العسكري "الإسرائيلي" مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه الكامل للضربات الجوية والعمليات البرية في غزة، وهو موقف يعكس تواطؤًا مباشرًا في استمرار الحرب. بالمقابل، جاء الموقف الأوروبي أقل حدة تجاه إسرائيل، حيث أبدى قادة الاتحاد الأوروبي استياءً من انهيار وقف إطلاق النار، لكنهم امتنعوا عن توجيه اللوم الكامل للاحتلال رغم أنه هو من استأنف القصف.
هذا الانحياز الغربي يمنح إسرائيل غطاءً سياسيًا لمواصلة العدوان، لكنه لا يعني أن تل أبيب في مأمن من الضغوط الدولية المتزايدة، خاصة مع تصاعد الإدانات للجرائم ضد المدنيين، وازدياد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب إبادة جماعية في القطاع.
سيناريوهات المواجهة المقبلة
استنادًا إلى مجريات الأحداث الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات للمواجهة في الفترة المقبلة:
مع تصاعد العمليات العسكرية في غزة، تبدو "إسرائيل" عالقة في حرب استنزاف لا تستطيع حسمها بسهولة، فيما تنتهج المقاومة تكتيكات دفاعية محكمة تجعل من أي تقدم إسرائيلي مكلفًا وغير مضمون النتائج. وبينما تقدم الولايات المتحدة دعمًا غير مشروط للاحتلال، فإن الضغوط الدولية والمقاومة المتصاعدة تجعل من استمرار الحرب خيارًا محفوفًا بالمخاطر.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل تستمر "إسرائيل" في محاولة تحقيق نصر عسكري مستحيل، أم أنها ستجد نفسها مجبرة على البحث عن مخرج سياسي من هذا المستنقع؟
كاتب صحفي فلسطيني
بكالوريوس في الصحافة والإعلام
دكتوراه في الحقوق
[email protected]