بدأت في 12 نيسان/أبريل 2025 المحادثات غير المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة في دولة عمان. وستكون هذه المفاوضات صعبة وحساسة وتاريخية بين عدوين قديمين، وستحدد ما إذا كانت التوترات بين البلدين تتجه نحو الحرب أم أن الدبلوماسية ستلقى نجاحاً.
تحت عنوان الهمسات الأخيرة حول تفاصيل المفاوضات الإيرانية الأميركية محادثات عُمان قد تقلب التاريخ!" كتب موقع تابناك الإخباري الإيراني، حول الأهداف المحتملة للطرفين. واعتبر أن هدف إيران هو خفض التوتر العسكري، وتخفيف ضغوط العقوبات، وتحسين وضعها الاقتصادي. وكان عباس عراقجي قد صرح في وقت سابق بأن هذا اللقاء هو "فرصة" و"اختبار" وأن الكرة في ملعب أميركا. ويعكس تأكيد إيران على الطبيعة غير المباشرة للمفاوضات حذر طهران من أي مشاركة مباشرة قد ينظر إليها المعارضون المحليون على أنها "تسوية".
وأضاف المقال المذكور بأن "نجاح مفاوضات عُمان من شأنه أن يعزز موقف إيران في المنطقة بسرعة وبشكل كبير، وسوف يدحض فكرة "إضعاف" الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وعن الهدف الأميركي حدد التقرير الهدف الرئيس الأميركي في "الحد من البرنامج النووي الإيراني ومنع طهران من الحصول على الأسلحة النووية".
ما هي السيناريوهات المحتملة لمحادثات عُمان؟
النجاح النسبي: إذا تمكنت الأطراف من التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا رئيسة، مثل تخفيف العقوبات مقابل القيود النووية، فإن هذه المفاوضات قد تؤدي إلى خفض التوترات. وأظهرت تجربة خطة العمل الشاملة المشتركة أن الاتفاقات الأولية في عُمان يمكن أن تؤدي إلى نتائج أكبر.
الطريق المسدود: إذا أصرت الولايات المتحدة على شروط غير مقبولة بالنسبة لإيران (مثل النموذج الليبي)، من شأنه ذلك أن يؤدي إلى فشل المحادثات. وفي هذه الحالة، قد تثار التهديدات العسكرية لترامب من جديد، وقد تغير إيران نموذج تعاملها النووي.
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تكون هذه المفاوضات بمثابة نقطة انطلاق لمحادثات أوسع نطاقاً، دون أن تؤدي إلى اتفاق شامل في الأمد القريب.
وتشكل المفاوضات في عُمان اختباراً لمدى جدية الجانبين ومرونتهما. ومن خلال التأكيد على الطبيعة غير المباشرة للمحادثات، تظهر إيران أنها تسعى إلى الحفاظ على مبادئها وتجنب الضغوط الداخلية، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى إظهار القوة وكسب النقاط من خلال اقتراح المفاوضات المباشرة.
ونظراً لتصريحات عراقجي بأن "شكل المفاوضات ليس هو الأهم، بل فعاليتها"، يبدو أن إيران مستعدة لإظهار المرونة إذا رأت حسن النية من جانب الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، قد تشكل تهديدات ترامب عائقاً. وفي نهاية المطاف، قد يشكل هذا الحدث نقطة تحول في العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة، شريطة أن يتراجع الجانبان عن مواقفهما المتطرفة ويتجهان إلى حلول عملية.
الشكل أو المحتوى، هل يحدد الشكل "المباشر" أو "غير المباشر" للمفاوضات الإيرانية الأميركية نجاحها؟
قبل الإعلان عن بدء المحادثات بين إيران والولايات المتحدة في عُمان، كانت هناك تبادلات بين طهران وواشنطن.
كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في صحيفة واشنطن بوست: "في الأسابيع الأخيرة، تم تبادل سلسلة من الرسائل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف "على النقيض من بعض التفسيرات السطحية، فإن هذه الروابط ـ على الأقل من جانبنا ـ لم تكن رمزية ولا احتفالية. ونحن نعتبرها محاولة حقيقية لتوضيح المواقف وفتح نافذة للدبلوماسية.
ويأتي تأكيد عراقجي في مقاله على "التفسيرات السطحية" لأن بعض الخبراء الأجانب والتيارات السياسية داخل إيران يعتبرون أن "المفاوضات المباشرة" هي السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق، وأن المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة محكوم عليها بالفشل.
وتدعم هذه الحجة التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. إذ قال روحاني إنه لو لم تتم مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل مباشر بين وزيري الخارجية الإيراني والأمريكي، لكان علينا أن نتفاوض لمدة 20 عاماً، وهو ما كان محكوماً عليه بالفشل.
ويُقال أيضاً إن سبب فشل المفاوضات الإيرانية الأميركية في عهدي روحاني ورئيسي هو أنها كانت "غير مباشرة" مع الجانب الأميركي. في واقع الأمر، إن أساس هذه الحجة هو التركيز على "شكل" المفاوضات، وليس على "المحتوى".
ويأتي ذلك في وقت أدت فيه المحادثات غير المباشرة بين علي باقري كني وبريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، إلى تفاهم في أيار/مايو 2023؛ المحادثات غير المباشرة التي جرت في مسقط.
وتؤكد إيران أيضاً على "محتوى" المفاوضات. صرح عراقجي: "لقد مررتُ شخصياً بتجربة قيادة مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة. هذه العملية، التي جرت عام 2021 بوساطة الاتحاد الأوروبي، رغم أنها أكثر تعقيداً وصعوبة من المفاوضات المباشرة، كانت ممكنة ومثمرة. ورغم أننا لم نصل إلى خط النهاية حينها، إلا أن السبب الرئيسي كان غياب الإرادة الحقيقية لدى إدارة جو بايدن".
وعليه فإن المهم في هذا الأمر هو إرادة وجدية الطرف الآخر، الجانب الأميركي، وليس شكل الحوار والتفاوض.
ومن المفارقات أن الجانب الأميركي نفسه يتوسط حالياً في مفاوضات غير مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يشكل، وفقاً لعراقجي، "صراعاً أكثر شدة وتعقيداً، ويشمل أبعاداً استراتيجية وإقليمية وعسكرية وأمنية واقتصادية".
وهذا يعني أنه لو كان من المقرر تحديد "شكل" المفاوضات على أساس مدى تعقيدها، لما كان ينبغي للولايات المتحدة أن تقبل بشكل أساسي بالحوار "غير المباشر" في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. في الواقع، تأتي هذه الحجة رداً على ادعاء البيت الأبيض بأن إيران تريد شراء "الوقت" من خلال المحادثات غير المباشرة.
في هذه الأثناء، ينصب التركيز الإيراني على جدية المفاوضات واستعداد إدارة ترامب لدفع مثل هذه المفاوضات إلى الأمام. إن السبب الذي يجعل إيران مؤهلة لفرض مثل هذا الشرط المسبق مرتبط بشكل مباشر بانسحاب إدارة ترامب (في ولايتها الأولى) من الاتفاق النووي، بصرف النظر عن تاريخ العداء بين أميركا وإيران.
وكتب عراقجي في الصحيفة المذكورة آنفاً: "إن السعي إلى المفاوضات غير المباشرة ليس تكتيكاً ولا انعكاساً لاتجاه أيديولوجي، بل هو خيار استراتيجي يستند إلى الخبرة. نحن نواجه جداراً كبيراً من عدم الثقة ولدينا شكوك جدية حول صدق النوايا؛ وتتفاقم الشكوك بسبب إصرار الولايات المتحدة على استئناف سياسة "الضغط الأقصى" قبل أي تعامل دبلوماسي".
في واقع الأمر، ما تثيره إيران في المفاوضات هو "الإرادة الحقيقية" للطرف الآخر، على الرغم من التجربة غير المواتية لانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي. ويقول وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في هذا الصدد: "اقتراحنا ببدء المفاوضات غير المباشرة لا يزال مطروحا على الطاولة. نحن نؤمن أنه إذا كانت هناك إرادة حقيقية، سيكون هناك دائما وسيلة للتقدم. وكما أظهرت التجارب الأخيرة، فإن الدبلوماسية كانت فعالة في الماضي ويمكن أن تظل فعالة. ونحن على استعداد لتوضيح نوايانا السلمية واتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة أي مخاوف معقولة. وفي المقابل، تستطيع الولايات المتحدة أن تثبت جديتها على مسار الدبلوماسية من خلال الالتزام الحقيقي بالاتفاق الذي توقعه. إذا احتُرِمنا، فسوف نرد بالاحترام".
في هذا السياق، أشار تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، أن فشل أو نجاح المفاوضات الإيرانية الأميركية المقبلة يعود أيضاً إلى "شكلها" وليس إلى محتواها. ويعتقد أن نجاح المفاوضات أو فشلها يعتمد إلى حد كبير على كيفية تعريف الجانبين للخطوط الحمراء. وإذا تبنى أي من الجانبين مواقف متطرفة (مثل تفكيك البرنامج النووي الليبي أو وقف التخصيب تماماً)، فلن يكون مهماً سواء كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. سوف يفشلون. ولكن إذا كان التركيز منصباً على منع القنبلة، فلن تنجح المفاوضات فحسب، بل قد يتمكن ترامب أيضاً من انتزاع المزيد من التنازلات من طهران إذا كان على استعداد لوضع المزيد من الإغراءات على الطاولة، مثل تخفيف العقوبات الأولية.
ولي رضا نصر، أستاذ في جامعة جونز هوبكنز ومستشار إدارة أوباما لشؤون الشرق الأوسط، يؤكد أيضاً على "محتوى" المحادثات الإيرانية الأميركية بدلاً من "الشكل"، قائلاً: "إن شكل المحادثات في نهاية المطاف أقل أهمية من محتواها، وهذا الواقع سوف يشكل المحادثات".
كما اعترفت وسائل الإعلام والخبراء الأجانب بجدية إيران في التفاوض مع الولايات المتحدة. وأظهرت إيران جديتها في المفاوضات حتى بطريقة غير مباشرة، وكانت هذه الجدية أحد أسباب بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة.
وبناء على ذلك، فإن المفاوضات مع الولايات المتحدة تعني بالنسبة لإيران الحفاظ على حقوقها النووية وفي الوقت نفسه الاستجابة لبعض مخاوف الجانب الآخر بشأن برنامجها النووي (على الرغم من الطبيعة السلمية لهذا البرنامج). ومن ناحية أخرى، فإن الاتفاق مهم بالنسبة لإيران، حيث يمكن أن يرفع العقوبات، ويسهل تجارتها الخارجية، ويضمن استفادة البلاد والشعب من فوائدها الاقتصادية.
الكاتب: غرفة التحرير