منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اتسمت العلاقات الأمريكية الإيرانية بالتوتر والصدام المستمر. وقد تزايد هذا التوتر في العقود الأخيرة، لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 وتصاعد لهجة الخطاب السياسي والعسكري الأمريكي تجاه طهران.
غير أن المستجدات السياسية الراهنة، والمتمثلة في عودة المفاوضات غير المباشرة بين الإدارة الأمريكية (إدارة ترامب) وإيران، تطرح إشكالية جديدة: هل يمكن أن تُخفف هذه المفاوضات من حدة النية العدوانية؟ وهل يمكن اعتبارها تحولاً حقيقياً نحو احترام القانون الدولي، أم أنها مجرد تكتيك مؤقت لإعادة التموضع السياسي؟
مفهوم النية العدوانية في القانون الدولي
النية العدوانية (Aggressive Intent) ليست مصطلحاً دقيقاً في القانون الدولي، لكنها تُفهم في إطار ما يُعرف بجريمة العدوان، كما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8 مكرر). العدوان يُعرّف بأنه "تخطيط أو إعداد أو الشروع أو تنفيذ فعل عدواني من قبل دولة على دولة أخرى"، بما يشكل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً المادة 2 (4) التي تحظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
المفاوضات كأداة لإعادة التوازن الاستراتيجي
الانخراط الأمريكي في المفاوضات مع إيران لا يعكس بالضرورة تغييراً في الأهداف الكبرى للسياسة الأمريكية، بل يُظهر تحولاً في الوسائل، أي الانتقال من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة. وقد تكون هذه المفاوضات تكتيكاً تفاوضياً لكسب الوقت، أو لضبط الإيقاع الإقليمي بعد التوترات السابقة، دون إسقاط مشروع احتواء إيران على المدى البعيد.
التقييم القانوني للمفاوضات في ضوء ميثاق الأمم المتحدة
ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 33 على أولوية الحلول السلمية للنزاعات، مثل المفاوضات، التحكيم، الوساطة، وغيرها. بذلك، فإن عودة واشنطن إلى المفاوضات تُعد التزاماً إيجابياً بالقانون الدولي من حيث الشكل، وإن كانت النوايا الواقعية محل شك.
أثر المفاوضات على مشروعية استخدام القوة:
- في حال وجود مفاوضات نشطة، يسقط مبرر "الضرورة العسكرية" أو "الرد الوقائي"، مما يجعل أي هجوم أمريكي ضد إيران لاحقاً غير مبرر قانونياً.
- المفاوضات، حسب الأعراف الدولية، تُعد بمثابة "ممر إلزامي" قبل التفكير في أي عمل عسكري، وإلا فإنه يُصنف كعدوان واضح.
موقف القانون الدولي من ازدواجية السلوك الأمريكي
من خلال تجارب سابقة، يظهر أن الولايات المتحدة كثيراً ما دمجت بين مسار التفاوض ومسار التصعيد (مثال: التفاوض مع كوريا الشمالية مع استمرار العقوبات والتهديدات). في السياق الإيراني، يُخشى أن تُستخدم المفاوضات كغطاء سياسي لتحضير خيارات عسكرية مستقبلية، أو كوسيلة لفرض شروط تفاوضية غير متكافئة.
لا يمنع القانون الدولي ازدواجية السلوك، لكنه يقيّد استخدام القوة خارج إطار الدفاع عن النفس أو قرار من مجلس الأمن. بالتالي، فإن استئناف الحوار أو المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين لا يعفي الولايات المتحدة من المحاسبة القانونية عن أعمال عدوانية سابقة أو محتملة، خاصة إذا ثبتت نوايا خبيثة مبيتة.
إن السياسات الأمريكية تجاه إيران، في ضوء تصاعد التهديدات والعقوبات والعمليات العسكرية، يمكن أن تُفسر على أنها تتضمن نية عدوانية، تُخالف أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
هذه المسألة تعكس أهمية إصلاح النظام الدولي لضمان العدالة والمساءلة بعيداً عن منطق القوة. وتمثل عودة المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران تطوراً مهماً يمكن أن يُفسر على أنه فرصة لتخفيف حدة التصعيد، غير أنه لا يكفي بحد ذاته لتبرئة السياسة الأمريكية من النوايا العدوانية السابقة، أو لضمان التزام دائم بالقانون الدولي. إن قدرة هذه المفاوضات على كبح احتمالية العمل العسكري تتوقف على مدى جدية الطرف الأمريكي في احترام المبادئ القانونية، لا سيما مبدأ حظر استخدام القوة والتسوية السلمية للنزاعات.
الكاتب: غرفة التحرير