الإثنين 28 تموز , 2025 03:53

من الحياد إلى المواجهة الدبلوماسية: تحوّلات الموقف الصيني تجاه "إسرائيل"

علمي إسرائيل والصين ومشاهد دمار

شهد الموقف الصيني من الكيان الإسرائيلي تحوّلًا تدريجيًا وعميقًا خلال عامي 2024–2025، عكَسَ إعادة تموضع إستراتيجي ضمن رؤية أوسع للدور الصيني في الشرق الأوسط والعالم. لم يعد الموقف الصيني محصورًا في إطار الحياد أو التوازن التقليدي، بل بدأ يتّخذ منحى أكثر وضوحًا وصراحة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع إيران، وذلك نتيجة تفاعل معقد بين دوافع داخلية وخارجية، ومصالح جيوسياسية متشابكة.

في أعقاب حرب غزة أواخر 2023، بدا أن بكين لم تعد تكتفي بخطاب "التهدئة" المألوف، بل شرعت في انتهاج خطاب سياسي أكثر حدّة، يتبنّى الرواية الفلسطينية من منطلقات حقوقية وإنسانية، وينتقد الاحتلال الإسرائيلي بلغة مباشرة على منابر الأمم المتحدة، وفي الإعلام الرسمي، وضمن خطاب أكاديمي متصاعد. هذا التحول تجلّى في إدانات صريحة للمجازر المرتكبة في غزة، وتحميل واشنطن مسؤولية الحماية السياسية للكيان عبر تكرار استخدام "الفيتو"، بالإضافة إلى دعم مطّرد لمبادرات وقف إطلاق النار، مع التأكيد على مركزية حل الدولتين.

في الوقت نفسه، شهدت العلاقة الصينية–الإيرانية تطورًا نوعيًا، إذ باتت الصين ترى في طهران شريكًا استراتيجيًا في مواجهة الضغوط الغربية، ورافعة إقليمية لضبط التوازنات في الشرق الأوسط. وقد ظهر هذا بوضوح في خطاب بكين الصريح دفاعًا عن حق إيران في السيادة وتطوير برنامجها النووي السلمي، ورفضها للهجمات الإسرائيلية على منشآتها. كما ظهرت مؤشرات تعاون تقني–عسكري لافت، أبرزها تسليم أنظمة دفاع جوي متقدمة، في إطار تنسيق يتجاوز البُعد الاقتصادي ليطال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والطاقة.

أما على صعيد العلاقات مع سوريا، فقد أدانت الصين بشكل واضح الغارات الإسرائيلية المتكررة، واعتبرت أنها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وهو ما يعكس اتساقًا في الخطاب الصيني الإقليمي الجديد.

غير أن العامل الحاسم في تفسير التحول الصيني تجاه الكيان يبقى تصاعد العلاقات بين "إسرائيل" وتايوان، والذي اعتبرته بكين تجاوزًا خطيرًا لمبدأ "الصين الواحدة"، خاصة مع توثيق التعاون الأمني والتقني بين الطرفين، وتنظيم زيارات برلمانية عالية المستوى من الكنيست إلى تايبيه. وقد قابلت الصين هذا المسار بردّ دبلوماسي غاضب، أرفقته بسحب تدريجي للغطاء السياسي عن تل أبيب، وتوظيف الورقة الفلسطينية كورقة ضغط مركبة تحمل أبعادًا أخلاقية وسياسية وسيادية في آنٍ واحد.

يُضاف إلى ما سبق تزايد استياء الصين من الخطوات الإسرائيلية التي تتماشى مع الإستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين، سواء عبر تقليص الاستثمارات الصينية، أو الانخراط في "الممر الاقتصادي الهندي–الشرق الأوسط–أوروبا"، الذي تراه بكين تهديدًا مباشرًا لمبادرة "الحزام والطريق".

في ضوء ذلك، يُفهم الموقف الصيني الجديد بوصفه استجابة عقلانية لمجموعة من التحولات الدولية والإقليمية، وليس انقلابًا مفاجئًا في التوجهات. فقد وظّفت بكين أدوات متكاملة في بلورة موقفها: بدءًا من المنصات الأممية، مرورًا بالإعلام الرسمي، ووصولًا إلى الحراك الشعبي والأكاديمي، ما يدل على وجود إستراتيجية شاملة ومركّبة تمزج بين الخطاب الرسمي والتعبئة الداخلية والشرعية القانونية.

لكن على الرغم من تصعيدها الواضح ضد سياسات الاحتلال، حافظت الصين على خطاب متماسك يرفض الانخراط العسكري، ويدعو إلى الحلول السياسية المتعددة الأطراف، ما يعكس سعيها إلى تقديم نفسها كقوة عقلانية وموازنة في وجه المحور الأميركي–الإسرائيلي، دون السقوط في فخ الاصطفاف الصدامي.

في المحصلة، يكشف هذا التحول عن طموح صيني متصاعد للعب دور سياسي فاعل في قضايا الإقليم، وتكريس موقعها كقوة دولية تحمل رؤية بديلة للنظام الدولي، قائمة على رفض الهيمنة، ودعم السيادة، والدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدّمتها فلسطين.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور