يبدو أن الأوضاع في منطقة السويداء تتجه نحو الهدوء الحذر، بعد أيام من التوترات الدموية، بين القوات التابعة للسلطة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع الجولاني والمكون الدرزي. أحداث كان فيها لإسرائيل دور كبير، مما قبل البداية مروراً بالعدوان المباشر على العاصمة السورية دمشق، عبر التذرّع بحماية المكون الدرزي.
واتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه، بين القوات العسكرية والأمنية التابعة لنظام الجولاني وبين الدروز، كان بوساطة أمريكية. وأكدت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل منحت قوات الأمن السورية مهلة أقصاها 48 ساعة "لإصلاح العلاقات" بين البدو والدروز داخل مدينة السويداء، وأن تل أبيب سمحت فقط لعدد محدود من قوات حكومة الجولاني بدخول المدينة. ويحظى هذا الاقتراح بدعم تركيا وجهات إقليمية فاعلة أخرى.
ورغم "السلوك الودي" لنظام الشرع الجولاني مع الكيان المؤقت، ومجاهرته منذ اللحظات الأولى بالرغبة بالسلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعزمه على تنفيذ كل ما تحلم "تل أبيب" بتحقيقه طوال عقود خلال أيام، إلا أن نتنياهو ووزرائه يعمدون على التصريح والقيام بأي خطوة من شأنها إخضاع سوريا، وفرض الوصاية عليها.
وهذا ما أكّده المدير العام الأسبق للشؤون السياسية والأمنية بوزارة الخارجية الفرنسية جيرار أرنو، في مقال له نشرته مجلة لوبوان الفرنسية، حيث قال بأن "رسالة إسرائيل واضحة، فهي ترفض عودة الجيش السوري إلى الجنوب، وتطالب بمنطقة منزوعة السلاح تحت سيطرة المليشيات الدرزية" موضحا بأن هذا التدخل الذي لم يواجه بأي معارضة دولية حقيقية، يؤكد هيمنة إسرائيل في المنطقة. وشدّد أرنو بأن أزمة السويداء تثبت أن إسرائيل لا تسعى إلى إعادة توحيد سوريا، بل إلى إضعافها، أو حتى تقسيمها إلى دويلات عرقية دينية. مبيناً بانه في ظل فوضى ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد، تسعى إسرائيل لتعزيز نفوذ بيادقها في جنوب البلاد، وأنها من وراء المساعدات المُقدمة للدروز بالسويداء، تتبلور إستراتيجية أوسع نطاقا.
ومن جهة أخرى، وبالعودة إلى أساس الأحداث في السويداء، فإنه بات واضحاً للجميع بأن ما شهدته هذه المنطقة من اشتباكات مؤخرا، لا يمكن رده فقط إلى "عداءات" أو "خلافات" بين الدروز وعشائر البدو، بل الوقائع تشير إلى أن الواقع السياسي المعقد الذي تعيشه البلاد منذ أشهر، هو جوهر ما يحصل من تطورات. لأن الشرع منذ تسلمه للسلطة، لم يف بأي وعد قطعه داخلياً، وظنّ بأن عوامل استقرار حكمه ستكون حصراً من الخارج عبر إرضاء أمريكا وإسرائيل ضمنياً، بينما كانت المكونات السورية - من بينها الدروز والأكراد والعلويين والمسيحيين وشريحة من السنة – يتفاقم عندها الشعور بأن المسار السياسي الحالي لا يُمثلها. وهذا ما غذّى عندهم الشعور بضرورة تحقيق الأمن الذاتي والوجودي. وهنا جاء دور الكيان الذي يحاول اللعب على هذا الوتر، للتشجيع على حصول التقسيم أو الفدرلة في البلاد.
أمريكا تؤيد الفدرلة
أما اللافت أمريكياً، فهو تصاعد الأصوات التي تتناقض مع تصريحات المبعوث الرئاسي الى سوريا توماس برّاك حول الفدرالية، بحيث تقول أن الأخيرة ليست مطلبًا كُرديًا إثنيًا فقط، بل هي نظام يُكفل حماية جماعية للجميع من الفئات الدينية والإثنية مثل الكرد والدروز والمسيحيين. بينما كان الثاني قد أشار إلى أن سياسة بلاده هي أن تكون هناك سوريا واحدة وجيش واحد هناك وليس دعم الفيدرالية، ورفضه إقامة منطقة حكم ذاتي في شرق سوريا وبأنه "لن تكون هناك ست دول. ستكون هناك سوريا واحدة"، مضيفاً بأن بلاده "لا تُملي شروطها، لكنها لن تدعم أي نتيجة انفصالية: لن نبقى هناك إلى الأبد كحاضنة أطفال". وصرّح برّاك لقناة روداو الكردية بأن "لقد رأينا أن الفيدرالية غير مجدية في جميع هذه الدول، وأنه لا يمكن إقامة دولة مستقلة داخل دولة".
وبعيدا عن الأسباب والتعقيدات الداخلية، تبدو أحداث السويداء وفقا للعديد من المراقبين، بقعة يتجسد عليها الصراع المكتوم، بين قوتين إقليميتين هما إسرائيل وتركيا، فالأولى تهدف إلى كسب موقع متقدم لها في كل الاحتمالات التي قد تذهب إليها سوريا في المستقبل. فإذا ما استمرت حال الفوضى، تقوم إسرائيل بتحقيق خطتها المضمرة "ممر داوود"، وإذا استتب الحكم برئاسة الشرع الجولاني، تفرض شروطها خلال أي مفاوضات مستقبلية معه.
وعلى الجانب الآخر تريد تركيا الاستقرار في سوريا، ومنع إسرائيل من التدخل في البلاد، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية المليئة بالتحديات، لأنها ترى في الاستقرار السوري عنصرا مهما لأمنها القومين ولأنها سيتيح لها الوصاية على دولة ذات موقع استراتيجي مهم وضروري، لأي مشاريع دولية في المجالات الاقتصادية والطاقوية.
الكاتب: غرفة التحرير