أجرى البروفيسور جيفري ساكس مقابلة حصرية مع صحيفة طهران تايمز، ترجمها موقع الخنادق الإلكتروني، وقد تحدّث فيها عن الدوافع الحقيقية والعميقة وراء العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران. وأشار ساكس الى أن استراتيجية "فرّق تسد" الأميركية - الإسرائيلية هي التي تؤجج عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لافتاً إلى أن نتنياهو يحاول تطبيق خطته المعروفة باسم "القطع النظيف" (Clean Break).
النص المترجم:
في مقابلة حصرية مع صحيفة طهران تايمز، قدّم البروفيسور جيفري دي. ساكس تحليلاً شاملاً للسياق التاريخي والأهداف الاستراتيجية التي تحرك هذا العدوان.
وتوفر رؤى ساكس إطارًا قويًا لفهم التطورات الأخيرة في المنطقة.
في هذه المقابلة المتعمقة، يسلّط البروفيسور ساكس الضوء على عدة محاور أساسية: الهدف الإسرائيلي القديم بتغيير النظام في إيران، والاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية الأوسع للهيمنة الإقليمية، ورفض حل الدولتين.
ويُعد ساكس، أحد أبرز الاقتصاديين والمحللين السياسيين في العالم وأستاذًا في جامعة كولومبيا، من أوائل من ناقشوا الجذور التاريخية لهذه السياسة، بما في ذلك "وثيقة القطع النظيف" الصادرة عام 1996، كما يبرز فشل الدبلوماسية بسبب العرقلة الأميركية والإسرائيلية.
كما ينتقد ساكس دور السياسة الداخلية الأميركية ووسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام، ويدعو إلى تحرك عالمي للاعتراف بدولة فلسطين كعضو في الأمم المتحدة وتطبيق القانون الدولي.
فيما يلي نص المقابلة:
سؤال: ما هي الدوافع الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة وإسرائيل في مهاجمة إيران؟ وكيف تتماشى هذه الدوافع مع التاريخ الأوسع للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟
جواب: الفكرة الأساسية من الهجوم الإسرائيلي هي تغيير النظام في إيران. تسعى إسرائيل إلى أن تكون القوة المهيمنة في المنطقة، من دون منافسة عسكرية حقيقية، ومن دون السماح بقيام دولة فلسطينية إلى جانبها على أساس حل الدولتين.
ببساطة، تسعى إسرائيل إلى ضمّ غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية بالكامل، بالإضافة إلى أجزاء من دول مجاورة أخرى مثل سوريا.
في عام 1996، عاد نتنياهو إلى السلطة باستراتيجية سياسية تُعرف باسم "القطع النظيف" (Clean Break)، وتعني هذه الاستراتيجية أنه لن يكون هناك "أرض مقابل السلام" (أي لا حل دولتين)، وأن إسرائيل، بدعم عسكري أميركي، ستعمل على إسقاط الأنظمة في الشرق الأوسط التي تدعم مقاومة الفلسطينيين لهيمنة إسرائيل على الأراضي المحتلة.
وقد أدّت هذه السياسة إلى الحروب الأميركية - الإسرائيلية في لبنان وسوريا والعراق والسودان وليبيا والصومال، والآن إيران.
سؤال: لقد قلتم إن إسرائيل تسعى إلى تغيير النظام في إيران وتعارض قيام دولة فلسطينية. ما مدى فاعلية هذه الاستراتيجية، وما مدى خطورتها على استقرار المنطقة؟
جواب: لا يمكن تحقيق السلام أو العدالة في المنطقة إلا من خلال حل الدولتين.
الواقع الأساسي هو وجود نحو 8 ملايين يهودي و8 ملايين عربي فلسطيني في إسرائيل والأراضي المحتلة.
النهج العملي الوحيد لتفادي كارثة لا تُغتفر هو حل الدولتين، استنادًا إلى القانون الدولي، مع قبول دولة فلسطين كعضو رقم 194 في الأمم المتحدة، على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وسيادتها على الأماكن المقدسة الإسلامية.
أكثر من 180 دولة في الأمم المتحدة (من أصل 193)، أي حوالي 95% من سكان العالم، يدعمون حل الدولتين، وبالتالي يمكن تنفيذه بدعم دولي واسع.
لكن إسرائيل ترفض ذلك، لذا ينبغي فرض حل الدولتين من قبل مجلس الأمن الدولي ضمن صفقة سلام شاملة تجعل الشرق الأوسط وغرب آسيا آمنين لجميع الدول، بما في ذلك إيران بالطبع.
يجب على مجلس الأمن أن يتحرك وفقًا للقانون الدولي وبما يتماشى مع مسؤوليته في حفظ السلام، بما في ذلك إنهاء المجازر الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.
حتى الآن، تواصل الولايات المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا الحل الواضح والعادل، وتتصرف بدلًا من ذلك نيابةً عن حكومة إسرائيل المتطرفة.
المطلوب الآن هو أن تقول أكثر من 180 دولة للولايات المتحدة، بوضوح لا لبس فيه: لا طريق للسلام إلا بقبول دولة فلسطين كعضو في الأمم المتحدة الآن.
البديل الوحيد هو استمرار اللاشرعية وسفك الدماء والحرب، بتواطؤ أميركي سيقوّض أمن الولايات المتحدة ورفاهها أيضًا.
سؤال: كيف تؤثر الانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة على قدرتها وقراراتها المتعلقة بالانخراط العسكري مع إيران؟
الجواب:
السياسة الأميركية كانت طوال عقود داعمة تمامًا للموقف المتطرف لإسرائيل. اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة حقيقي، لكنه غير مفهوم بشكل جيد.
فعلى سبيل المثال، حوالي 45% من أصوات دونالد ترامب في انتخابات 2024 جاءت من المسيحيين الإنجيليين الصهاينة (وهم مسيحيون يدعمون إسرائيل بحماسة شديدة).
وبالتالي، فإن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يستند في الواقع إلى دعم مسيحيين أكثر بكثير من اليهود، وهي نقطة غالبًا ما يتم تجاهلها.
الصهيونية الحديثة بدأت في بريطانيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر كمشروع من مشاريع البروتستانت الإنجيليين البريطانيين! والكثير من هؤلاء الصهاينة المسيحيين كانوا معادين للسامية.
قد يبدو هذا غريبًا، لكنه حقيقي!
سؤال: ذكرتم أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية وأنها سمحت بالتفتيش. لماذا يتم تجاهل هذا السرد أو تحريفه من قبل المسؤولين والإعلام الغربي؟
الجواب:
كل السياسات الخارجية الغربية، وربما بشكل خاص الأميركية والبريطانية، تُسوَّق للجمهور الواسع من خلال الدعاية وليس من خلال الحقيقة. الكلمة المهذبة للدعاية اليوم هي "السردية"، لكن المعنى الحقيقي لـ"السردية" هو العلاقات العامة، أي بيع السياسة الخارجية بطريقة أشبه بإعلانات تجارية رخيصة ومخادعة.
وسائل الإعلام الكبرى تتبع نهج الحكومة، والحكومة الأميركية تكذب بلا هوادة على جمهورها.
سؤال: لماذا فشلت الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك الاتفاق النووي (JCPOA)، في منع التصعيد؟
الجواب:
مفتاح القوة الأميركية هو الأسلوب القديم: "فرّق تسد".
بدلاً من السعي إلى تسوية عادلة للسلام في الشرق الأوسط، تسعى الولايات المتحدة إلى تقسيم العالم الإسلامي. فقد وضعت الولايات المتحدة إيران في مواجهة الدول العربية، كما قسمت الدول العربية مرارًا وتكرارًا فيما بينها.
تلعب الولايات المتحدة دورًا في إشعال الخلافات بين تركيا والعرب وإيران... وهكذا دواليك.
اتفاقيات أبراهام تهدف إلى تقسيم العالم العربي من أجل تجنّب قيام دولة فلسطينية وتنفيذ حل الدولتين.
إسرائيل والولايات المتحدة هما من قتلا الاتفاق النووي JCPOA.
وهذا جزء جوهري من استراتيجية "فرّق تسد".
وبحسب الرؤية الإسرائيلية، من الأفضل للولايات المتحدة أن تُسقط الحكومة الإيرانية بدلاً من تحقيق السلام معها.
تسعى إسرائيل إلى القضاء على جميع مصادر الدعم للقضية الفلسطينية.
الحل أمام دول المنطقة هو أن تعمل إيران بشكل وثيق مع تركيا، والسعودية، ومصر، وبدعم من مجموعة "بريكس" (بما في ذلك البرازيل، وروسيا، والصين، وإندونيسيا، ودول أخرى) لإيصال رسالة حاسمة وقاطعة للحكومة الأميركية مفادها: لا طريق إلى السلام سوى بقبول فلسطين كعضو في الأمم المتحدة، ومنذ بداية عملية السلام، وليس في نهاية "مسار سلام" زائف لا يحقق شيئًا.
تحلم الولايات المتحدة وإسرائيل بإدخال السعودية في اتفاقيات أبراهام، ما يعني إنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية إلى الأبد.
لكن السعودية كانت واضحة وصريحة: لا سلام دون قيام دولة فلسطينية عضو في الأمم المتحدة.
يجب على قوى المنطقة الكبرى – إيران، والسعودية، ومصر، وتركيا – أن تتحد في الدعوة إلى اتفاق سلام شامل يستند إلى:
_حق إيران في الطاقة النووية السلمية.
_حل الدولتين، بدءًا من قبول فلسطين كعضو 194 في الأمم المتحدة.
_الأمن الجماعي لجميع الدول.
_إنهاء فوري لسلوك إسرائيل الإبادي والعسكري المتطرف.
سؤال: ما الدور الذي لعبته الولايات المتحدة وإسرائيل في تقويض القنوات الدبلوماسية؟
الجواب:
لقد لعبتا دورًا حاسمًا في قتل مسار السلام. وهذا مستمر منذ عقود.
سؤال: قلتم إن الهيمنة الأميركية العالمية في تراجع. كيف يعكس الصراع مع إيران هذا التحول؟ وكيف قد يبدو النظام الدولي متعدد الأقطاب الجديد؟
الجواب:
الولايات المتحدة لم تكن تريد حربًا مطولة جديدة، ولم تعد قادرة على تحمّل كلفتها.
الجمهور الأميركي العام وقاعدة مؤيدي ترامب يعارضون بشدة انخراط الولايات المتحدة في حروب جديدة في الشرق الأوسط.
كما أن حكومتي الولايات المتحدة وإسرائيل شاهدتا بوضوح قدرة إيران على الرد وإلحاق ضرر بالغ بإسرائيل رداً على هجومها السافر.
الولايات المتحدة تتصرف كمتنمر، لكنها ليست بكل هذه القوة.
أغلب دول العالم – أكثر من 180 دولة – تريد السلام في الشرق الأوسط على أساس الأمن الجماعي، بما يشمل إيران، وعلى أساس حل الدولتين، خلافًا لمواصلة إسرائيل حكمها الجائر للفلسطينيين.
بات يُنظر إلى إسرائيل الآن على نطاق واسع في العالم كدولة مارقة بسبب سلوكها الدموي.
وهذا يفتح الباب أمام دبلوماسية عالمية حقيقية، تستطيع فيها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تُصرّ بحزم على السلام والعدالة وسيادة القانون الدولي، وتدفع الولايات المتحدة أخيرًا لإنهاء تواطئها الطويل في السلوك غير القانوني والوحشي لإسرائيل.
المصدر: طهران تايمز - Tehran times
الكاتب: غرفة التحرير