الأربعاء 04 حزيران , 2025 02:00

الإمام الخميني: ناصر فلسطين

في ذكرى الإمام إيران على عهدها

عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بادر الإمام الخميني الراحل إلى قطع العلاقات التي كان نظام الشاه قد نسجها مع "إسرائيل"، وأعلن عن تحويل سفارتها في طهران إلى سفارة لفلسطين، وسلّمها لمنظمة التحرير الفلسطينية، في خطوة لم تقدم عليها أي دولة في العالم آنذاك. لم يكن هذا الموقف مجرد تصعيد رمزي، بل إعلاناً صريحاً بأن دعم القضية الفلسطينية لن يُختزل في الشعارات والخطب، بل سيُترجم إلى سياسات فعلية. لاحقاً، تأسست "قوة القدس" كجناح عسكري متخصص في دعم قوى المقاومة خارج إيران، وكان لها دور فعّال في دعم الفصائل الفلسطينية واللبنانية. وقد ساهمت إيران -بشكل مباشر وغير مباشر- في تدريب وتطوير قدرات الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، استعداداً لمواجهة كيان الاحتلال.
لقد أثمرت هذه الرؤية بعيدة المدى، وها نحن اليوم نرى نتائجها واضحة في صمود الشعب الفلسطيني، ونجاحه في توجيه ضربات نوعية إلى الاحتلال، كما ظهر جلياً في عملية طوفان الأقصى. هذا الصمود ليس فقط نتاج الدعم العسكري أو اللوجستي، بل أيضاً نتاج الدعم المعنوي والثقافي الذي أسسه الإمام الخميني، حين رسّخ في الوجدان الشعبي والوعي العام أن فلسطين ليست قضية شعب، بل قضية أمة بأكملها. ومن أبرز تجليات هذا البعد المعنوي، مبادرة الإمام الخميني إلى إعلان "يوم القدس العالمي"، في آخر جمعة من شهر رمضان، ليكون تذكيراً سنوياً لكل المسلمين بواجبهم تجاه فلسطين. وما زال هذا اليوم يُحيى حتى الآن، كأحد أعمدة التوعية والتحشيد العالمي لصالح القضية، ودليلاً على أن هذه الثورة لم تساوم ولن تساوم على فلسطين.

نهج الإمام الخميني: شواهد على التمسك بالقضية الفلسطينية

منذ قيام الجمهورية الإسلامية، كانت إيران هدفاً للعدو الإسرائيلي، الذي يعتبرها الداعم الأول للحركات المقاومة. في نظره، فإن ضرب قدرة إيران أو كسر إرادتها هو المدخل الأساسي لتفكيك منظومة المقاومة بأكملها. لكن كل محاولة من هذا النوع كانت تقابل بردّ يعكس تمسك طهران العميق بنهج الإمام الخميني وثوابته لا سيما بعد رحيله في 3 حزيران 1989 أي قبل 36 عاما.

ففي نيسان 2025، نفّذت "إسرائيل" اعتداءً خطيراً باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ظناً منها أن هذا الهجوم سيدفع إيران إلى التراجع. إلا أن الرد الإيراني أتى غير مسبوق من حيث الحجم والدقة، عبر "عملية الوعد الصادق1"، التي عُرفت بأنها أكبر عملية تشارك فيها الطائرات المسيّرة الإيرانية. وفي تموز 2024، وخلال زيارة رسمية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلى طهران، أقدمت "إسرائيل" على اغتياله في جريمة شكلت خرقاً خطيراً للأعراف الدولية والسيادة الإيرانية. حينها، حمَلت إيران هذا الاعتداء على عاتقها، وتعهدت بالرد عليه، وأثبتت بالفعل التزامها بما أعلنته. فجاءت عملية "الوعد الصادق2" (تضمنت أيضاً ثأراً إيرانياً لاغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ره)، واعتُبرت أكبر ضربة يتلقاها كيان الاحتلال منذ تأسيسه، وأكدت أن طهران لا تكتفي بالدعم الخطابي أو السياسي، بل تضع نفسها في قلب المعركة دفاعاً عن فلسطين، وعن مشروع المقاومة. وقدّمت عشرات الشهداء من الضباط والمستشارين العسكريين الإيرانيين في لبنان وسوريا وغيرهما في هذه المواجهة.

 نهج لا يُساوَم عليه

 يقول قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي: "قضية القدس ليست قضية ذات بعد تكتيكي بالنسبة لإيران، بل تمتد جذورها في العقائد الإسلامية العميقة وإنقاذ هذا البلد المسلم من هيمنة الصهاينة الغاصبين ومخالبهم وحماتهم الدوليين مسؤولية دينية وينبغي للشعوب الأخرى والحكومات الإسلامية أن تنظر إلى القضية الفلسطينية في هذا الإطار". ويظهر بوضوح من خلال المواقف الإيرانية الثابتة بأن طهران لم ولن تتخلّى عن فلسطين، بالرغم من كل الضغوط والممارسات التي فُرضت عليها، من عقوبات اقتصادية خانقة إلى محاولات عزل سياسي ممنهجة. بالإضافة إلى الضغوط الحالية المرتبطة بالاتفاق النووي في دفعها للتراجع عن موقفها، بما في ذلك اشتراطات تتعلّق ببرامجها الدفاعية، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية، التي لم تُطوَّر إلا لمواجهة الأعداء ودعم حركات المقاومة. لقد استهدفت هذه الضغوط إخضاع إيران، وتحويل بوصلتها السياسية بعيداً عن فلسطين، لكنها بقيت متمسكة بالخيار الاستراتيجي الذي رسمه الإمام الخميني: أن فلسطين هي القضية الأولى، وأن دعمها لا يخضع لمساومات أو تبدّلات ظرفية. بل إن الجمهورية الإسلامية أعلنت مراراً أن العقوبات والحصار، على قسوتهما، أشرف من التخلي عن قضية محقّة، وأن الوقوف إلى جانب المظلومين في فلسطين أهم من أي مكاسب سياسية مؤقتة.

صحيح أن القضية الفلسطينية لطالما حظيت بدعم حركات وجهات متعددة قبل الإمام الخميني، إلا أن ما ميّز رؤيته هو عمقها الفلسفي والإيماني. لم تكن فلسطين بالنسبة إليه مجرد أرض مغتصبة، بل كانت تجسيداً حياً لصراع الحق مع الباطل، ولتجلي معاني الظلم والاستكبار في أوضح صورها. من هنا، انطلق الإمام الخميني في نصرتها التزاماً بما يمليه عليه الضمير الإنساني والواجب الإسلامي. لقد وضع الإمام فلسطين في قلب مشروعه، لا على هامشه، وربط نهضة الأمة بمدى التزامها بالدفاع عن هذه القضية. ومن هنا، فإن استمرار إيران في هذا النهج، رغم كل ما تتعرض له من حصار وتشويه وضغوط، هو الدليل الأوضح على صدق هذا الالتزام، وعلى أن فلسطين بالنسبة للجمهورية الإسلامية ليست ورقة سياسية، بل مبدأ راسخ.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور